قال وزير الخارجية التركي إن الحرب
السورية المتدهورة أصبحت تمثل الآن خطرا على جميع الدول لأن العالم سمح لنظام بشار الاسد أن يواصل "جرائمه" في الوقت الذي تدفق فيه "الجهاديون" من جميع أنحاء العالم عليها لمحاربته.
وقال الوزير أحمد داود أوغلو لرويترز إن من الضروري وضع استراتيجية دولية قوية بما في ذلك "تعاون حقيقي على مستوى الاستخبارات" وانسحاب كل المقاتلين الأجانب من أجل وضع نهاية للصراع وتقديم العون لملايين السوريين الذين دمرت الحرب حياتهم.
وأضاف في مقابلة أن الأزمة تمثل "تهديدا للجميع"، مشيرا إلى ما وصفه بالطبيعة الشمولية لحكومة
الأسد ووجود جماعات مسلحة تربطها صلات بتنظيم
القاعدة.
وقال داود أوغلو إن دمشق تواطأت مع جماعات متشددة لمحاربة جماعات المعارضة المعتدلة. ولم ترد سورية على اتهامات مماثلة وجهت لها في الاسابيع الأخيرة وتصر أنها تقود الجهود الدولية لمكافحة الارهاب.
وتعاني حكومة حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الاسلامية التي يرأسها رجب طيب أردوغان من اتهامات بالفساد واحتجاجات مدنية وصراع مع حلفاء اسلاميين سابقين انقلبوا عليها، وذلك من أجل السيطرة على مؤسسات.
لكن الجدل المستعر منذ فترة طويلة في
تركيا حول سياستها إزاء سورية وانتفاضات الربيع العربي في دول أخرى عاد إلى نقطة الغليان مرة أخرة؛ مع اشتداد المخاوف مما قد يجلبه دعم أنقره للمقاتلين السوريين الذين تتزايد هيمنة الجماعات الاسلامية عليهم.
وقال داود أوغلو لرويترز يوم الثلاثاء: "المشكلة ليست مشكلة تركيا وحدها بل هي مشكلة المنطقة". وقال: "بل إن سورية بدأت تتحول إلى خطر على الدول الاوروبية أيضا بسبب وجود هذه الجماعات الارهابية على أساس فراغ السلطة وبسبب الطبيعة الشمولية والاستبدادية للنظام.. وهذا تهديد لنا جميعا".
وقال وزير الخارجية إن مفاوضات "جنيف2" التي جرت مؤخرا بين الحكومة السورية والمعارضة فشلت لأن النظام السوري تجاهل المنطلق الأساسي للمحادثات، وهو البيان الصادر في جنيف بدعم من الامم المتحدة في حزيران/ يونيو عام 2012 ويدعو إلى تشكيل حكومة انتقالية يوافق عليها الطرفان.
وقال داود أوغلو: "لم يريدوا التحدث عن هيئة الحكم الانتقالي. بل أرادوا التركيز على خطر الارهاب الذي خلقوه هم في الواقع".
وتابع أن ذلك يمثل فشلا للمجتمع الدولي الذي لم يكن على مستوى خطورة الأزمة في سورية وجرائم الحرب التي ارتكبتها قيادتها.
وأشار إلى أن روسيا تتحمل مسؤولية خاصة لتعطيل التحركات الفعلية من جانب
مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومواصلة تزويد النظام السوري بالأسلحة الثقيلة، وهو ما قوى شوكة الأسد.
وقال أوغلو إنه وأردوغان تحدثا في الآونة الأخيرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرجي لافروف في دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي. وقال: "الكل يقول إن الحل الوحيد حل سياسي. لكن علينا أن نكون صادقين وموضوعيين فمن يدعمون النظام بالسلاح والأسلحة الثقيلة يقفون في صف الخيار العسكري".
وتابع: "علينا أن نتعاون كلنا لخلق مناخ أمني ملائم... وهذا يعني العمل معا لمنع أي وجود إرهابي"، مشيرا إلى ضرورة رحيل كل المقاتلين الأجانب بما في ذلك مقاتلو حزب الله اللبناني وميليشيات شيعية تعمل لحساب ايران وتقاتل إلى جانب قوات الأسد.
جرائم حرب
وقال داود أوغلو إنه يجب أن يكون لسورية بعد رحيل الأسد جيش وطني جديد يتألف من عناصر معتدلة من المعارضة والجيش السوري الحر، مشددا على ضرورة تمثيل مختلف الطوائف العرقية والدينية من السنة والعلويين والمسيحيين والاكراد.
وأضاف أنه على النقيض من الانتفاضات الأخرى التي أطاحت بزعماء تونس ومصر وليبيا واليمن، فإن الانتفاضة السورية واجهت صعوبات في عزل الأسد بفعل التركيبة الدينية المعقدة والتحالفات الاستراتيجية التي أبرمها الأسد مع ايران وروسيا.
وقال داود أوغلو إن الاسد تمكن من البقاء لأن القوى العالمية لم تقل له متى يتوقف. وأضاف: "بعض الناس يزعمون أن بشار ناجح لأنه استمر في السلطة. وهذا ليس نجاحا لأنه يملك كل السلطات فلديه جيش ولديه مطارات ولديه صواريخ سكود ولديه أسلحة كيماوية. وقد استخدم كل شيء".
وسئل وزير الخارجية عما إذا كانت تركيا وبقية أعضاء المجتمع الدولي قد استهانوا بقدرات الأسد في المراحل الأولى من الحرب، فقال إن تركيا بذلت جهدا كبيرا للتفاوض مع الاسد لمدة عشرة أشهر في 2011، لأنها كانت تخشى أن يتحول الأمر إلى أزمة طويلة الأمد.
وقال: "لو اعتقدنا أن بشار الاسد سيسقط سريعا لما بذلنا هذا الجهد. كنا نخشى هذا السيناريو ونريد منعه"، مضيفا أن عجز المجتمع الدولي كان مفاجأة أكبر.
وأضاف: "لم أكن لأتخيل أن يكون مجلس الامن التابع للامم المتحدة عاجزا عن أداء مهامه لثلاث سنوات رغم كل هذه الجرائم ضد الانسانية. هذا ما لم أتوقعه. لكن الباقي وما فعله نظام الاسد كان متوقعا".
وقد حمت روسيا الأسد من الضغوط الغربية والعربية منذ بدأت الحرب في آذار/ مارس 2011 واستخدمت حق النقض (الفيتو) لمنع صدور قرارات من مجلس الأمن وأصرت ألا يكون رحيله عن السلطة شرطا مسبقا لمحادثات السلام.
وساعدت موسكو مفاوضي النظام السوري على مقاومة بحث مسألة الحكم الانتقالي في سورية خلال محادثات جنيف هذا الشهر بإشارتها الى الموافقة على مطلب الحكومة أن تكون الاولوية لمعالجة الارهاب.
وقالت وزارة الخارجية الروسية يوم الاثنين إن مساعي الحكومة السورية لجعل الأولوية للارهاب "مبررة تماما" لأن سورية أصبحت "على نحو متزايد مركز جذب للجهاديين والمتشددين الاسلاميين من كل لون". واتهمت موسكو القوى الراعية للمقاتلين بالسعي "لتغيير النظام".
وسقط في الحرب أكثر من 140 ألف قتيل بينهم أكثر من سبعة الاف طفل. وهز الصراع الاستقرار في الدول المجاورة.
الجهاديون الأجانب
وقال داود أوغلو إن حكومة الاسد والجماعات المتصلة بالقاعدة تعاونت على مدار الاشهر السبعة الماضية، فدكت السلطات مواقع الجيش السوري الحر من الجو وهاجمتها جماعات اسلامية على الارض.
ودعا إلى تعاون دولي لوقف تدفق المقاتلين الأجانب على سورية، ونفى إشارات إلى أن تركيا التي تستضيف أكثر من 700 ألف لاجيء سوري تسمح للمقاتلين الأجانب بعبور الحدود إلى الاراضي السورية.
وقال: "تركيا تبذل جهدا كبيرا لاستقبال اللاجئين السوريين، لكنها تأخذ في الوقت نفسه كل التدابير لمنع وجود جماعات ارهابية. لكن تحقيق ذلك يتطلب جهدا مشتركا".
وكان داود أوغلو قد أثار هذا الموضوع مرارا مع نظرائه في كل من الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا. ودعا إلى "تعاون حقيقي على مستوى الاستخبارات". وقال: "قلنا لهم إذا كنتم تعرفون من هم المتشددون الذين يريدون المجيء إلى تركيا للذهاب إلى سورية فامنعوهم من المجيء إلى تركيا".
وأضاف: "إذا كانت دولهم الاصلية تسمح لهم بالمجيء فكيف نمنعهم نحن من دخول تركيا. لن يكون ذلك قانونيا. ففي العام الماضي استقبلنا 36 مليون سائح. ولا نستطيع وقف السياحة في تركيا".