مقالات مختارة

في توضيح ما التبس

1300x600
كتب فهمي هويدي: قرأت خبرا طريفا عن جهد قمت به دون علم مني، يتعلق بمبادرة طرحتها للصلح بين المشير عبدالفتاح السيسي والإخوان، وعلمت من الخبر أنني التقيت شخصية عسكرية مرموقة، نقلت المبادرة إلى المشير السيسي الذي وافق على كل بنودها، كما علمت أنني بصدد القيام بجولة على قيادات الإخوان من السجون لإقناعهم بالمبادرة، التي وصفها الخبر بأنها «سرية» وأنني ناقشتها في اجتماع «سري» مع الدكتور محمد علي بشر القيادي الإخواني ووزير التنمية المحلية السابق.

الخبر نشرته صحيفة «المصريون» يوم 29 أبريل الحالي، وعلمت به من أحد الأصدقاء بعد يومين من نشره. وحسب الكلام المنشور فإن المبادرة تنص على الاعتراف الكامل للإخوان بثورة 30 يونيو وخارطة الطريق، وسحب كل الشكاوى والقضايا الدولية المقدمة ضد رموز الدولة بالخارج والانخراط في العملية السياسية تحت لواء حزب الحرية والعدالة، وتبني مراجعات فكرية يتبناها قيادات الجماعة بالتعاون مع علماء الأزهر الشريف لجميع أعضاء الجماعة، مع التسليم نهائيا بقرار حل جماعة الإخوان المسلمين. وفي المقابل، يلتزم رئيس مصر القادم ــ المشير السيسي ــ بإصدار قرار جمهوري بالعفو العام عن جميع المعتقلين السياسيين، بمن فيهم قيادات جماعة الإخوان المسلمين، وفي مقدمتهم الدكتور محمد مرسي، وإصدار قرار جمهوري بإعادة أموال الجماعة التي تمت مصادرتها، خاصة أموال الجمعيات والمدارس والشركات الإخوانية. وأخيرا، أن يضمن النظام القادم عدم مضايقة الإخوان أو منعهم من الممارسة السياسية.

كان يمكن أن اكتفي بنفي قصة المبادرة من أولها إلى آخرها، لكنني وجدتها فرصة لكي أسجل بعض الملاحظات التي تتعلق بالالتباسات الشائعة بخصوص علاقتي بالموضوع، وهو ما أوجزه في النقاط التالية: 

إنني لست طرفا في أي مبادرات سياسية من أي نوع. وكل ما يشاع من أقاويل في هذا الصدد على تواضعها لا أصل له عندي. لا لشيء سوى أنني منذ اشتغلت بهذه المهنة منذ 56 عاما اخترت أن أحصر جهدي في محيطها لا أغادره، ومنذ ذلك الحين قررت أن أبقى مستقلا، ورفضت الانخراط في أي عمل سياسي، وظلت الخطوط عندي واضحة بين الانشغال بالسياسة الذي مارسته شأن أي مواطن، وبين الاشتغال بالسياسة الذي يقتضي الاصطفاف إلى جانب فصيل أو جماعة دون غيرها. والإخوان هم أكثر طرف يعرف ذلك جيدا.

إن موقفي من اشتراك الإخوان في السلطة محسوم ومعلن منذ وقت مبكر. فقد حذرت عقب الانتخابات البرلمانية من انفرادهم بتحمل مسؤولية الحكم. ونشرت مقالة في 21/2/2012م كان عنوانها «مغامرة حكومة الإخوان». كما أنني اعترضت على ترشيح من يمثلهم في انتخابات الرئاسة، في مقالة أخرى نشرت في 2/4/2012 كان عنوانها «هل وقع الإخوان في الفخ؟». والنصوص موجودة ومتاحة للجميع على الإنترنت لمن يريد أن يثبت أو يتذكر.

إنني سجلت انتقاداتي للسياسة التي اتبعها الرئيس محمد مرسي وحكومته خلال السنة التي أمضاها في السلطة. وهذه الانتقادات نشرت في الصحافة اليومية، وهي متابعة بدورها للجميع على الإنترنت. وستظهر في كتاب قريبا بإذن الله، ومشكلتي مع ناقدي الإخوان أنني قلت ما قلته وهم في السلطة، لكنني رفضت الانضمام إلى حملة هجائهم وسبهم وهم في السجون، ومازلت عند رأيي في أنه ليس من المروءة ولا من الإنصاف أو الشجاعة أن يتم التنديد بطرف مكبل ومسجون وليس أمامه فرصة لتبيان موقفه أو الدفاع عن نفسه.

إنني أقف على طول الخط مع المنددين بالإرهاب، لكن مشكلتي مع كثيرين تكمن في أنني أرفض اتهام أو إدانة أي طرف قبل التحقق من مسؤوليته عن الجرائم التي ارتكبت، كما أزعم بأن التصريحات السياسية أو الحملات الإعلامية لا تصلح دليلا على إثبات تلك المسؤولية، لأن التحقيق النزيه وحده الذي ينبغي أن يعوَّل عليه في ذلك. وأضع أكثر من خط تحت كلمة «النزيه» لأن ذلك الشرط صار مشكوكا في توافره في الأجواء الراهنة.

إنني أشدد على حرمة دم كل مصري. لا فرق في ذلك بين جندي رفح أو شرطي في الجيزة أو متظاهر سلمي في ميداني رابعة والنهضة، وأعتبر أن التمييز بين هؤلاء غير جائز وطنيا وأخلاقيا وقانونيا. وأوافق تماما على عدم مصافحة الأيدي الملوثة بالدماء شريطة الاتفاق على تحديد من سفك الدماء.

إنني أزعم أن الحل الأمني لن يحسم أمر الإرهاب ولن يجلب الاستقرار للبلاد، وأنه لا بديل عن عمل سياسي يقوم على المصالحة الوطنية، وأستغرب عصبية البعض وتشنجهم حين يسمعون كلمة المصالحة لأن المصطلح ليس المشكلة كما يتصورون، إنما مضمون المصالحة ومحتواها هو الأهم.

أخيرا فإنني أشكر الذين لفَّقوا خبر المبادرة، لأنهم أتاحوا لي فرصة البوح ببعض ما عندي في الموضوع، إزاء ما سكت عليه طوال الأشهر التي خلت صابرا ومحتسبا، مهتديا بدعاء النبي عليه الصلاة والسلام حين اشتد عليه الأذى، قال فيه: اللهم إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي.

(بوابة الشروق)