سياسة عربية

أكاديمي مغربي يدعو لإدماج "السلفية الجهادية"

شيوخ السلفية الجهادية الذين تم الإفراج عنهم مع بداية الربيع العربي (أرشيفية)
 
عاد ملف السلفية الجهادية في المغرب للجدل السياسي بين مطالب بحسمه وفق نظرية متكاملة ينخرط فيها الأمني بالسياسي بالفكري، وبين متردد في الدعوة إلى المصالحة مع هذا التيار، خشية عودة بعض رموزه إلى سالف ممارساتهم التي قادتهم إلى السجن.

وقد فتحت خطوة العاهل المغربي الملك محمد السادس في أواخر آذار/ مارس الماضي، حين أدى صلاة الجمعة وراء أحد رموز التيار السلفي في المغرب محمد الفزازي في مسجد طارق بن زياد بطنجة شمال المغرب، ونقلها التلفزيون الرسمي بشكل مباشر على غرار خطب الجمعة التي ينقلها من المساجد التي يختار الملك أداء الصلاة فيها، الباب مجددا أمام النخب السياسية للإدلاء برأيها في هذا الملف وفي الطريقة المثلى لحله.

وقد تطرق الفزازي في خطبته تلك إلى مبادرات الملك والمشاريع الكبرى التي دشنها، "ليوفر الأسباب المحققة لتوفر نعمتين عظيمتين: نعمة أمن الناس على عقولهم وأرواحهم من كل عدوان أو تشويش يضر بقيم الأمة الدينية والأخلاقية، ونعمة الاستقرار الذي في ظله يتيسر المعاش". وبعد انتهاء الصلاة تبادل الفيزازي حديثا وديا قصيرا مع الملك.

يذكر أن محكمة مغربية كانت قد قضت بسجن الفزازي 30 عاما بموجب قانون مكافحة "الإرهاب"، قبل أن يحصل على عفو ملكي قبل عامين في غمرة الربيع العربي هو وعدد من رموز التيار السلفي في المغرب كانوا أيضا قد حكم عليهم بعقوبات مشددة.

وقد دعا الباحث المغربي في شؤون الحركات الإسلامية بلال التليدي إلى توسيع قاعدة محاربة التطرف، من داخل المكون الديني، على اعتبار أن الدمقرطة وترقية وضع حقوق الإنسان لا يغني في محاربة التطرف عن هزمه في قواعده ونقض شرعيته "الدينية"، وهو الأمر الذي قال بأنه "لا يتحصل على الوجه الأكمل إلا بمساهمة الطيف الفكري السلفي على اعتبار أن تشخيص واقع التطرف يشير إلى أن خلفيته الفكرية سلفية وليست حركية".

ورأى التليدي في تصريحات له، الأربعاء، نشرتها صحيفة "التجديد" المغربية، أن تدبير الملف السلفي في المغرب تعترضه ثلاث إشكالات أساسية، تجعل أي عملية للمسارعة بطيه محفوفة بتردد كبير، كما تجعل القرار السياسي يتأرجح بين البحث عن مخارج وقنوات لتسوية هذا الملف، وبين إبقاء الوضع على ما هو عليه، وأحيانا افتعال شروط بقائه خوفا من عدم القدرة على مواجهة تبعاته وتداعياته.

وذكر أن الإشكال الأول، أمني مرتبط بسؤال العود، لاسيما وأن هناك مؤشرات غير قليلة على إقبال بعض الشباب ذي الخلفية السلفية على بعض البؤر "الجهادية" مثل سورية، وهو الأمر الذي يمثل تحديا أمنيا لا يمكن الاستهانة به، ولا التقليل من مخاطره.

أما الإشكال الثاني، برأي التليدي، فمرتبط بسؤال الإدماج، في صيغته الدينية والسياسية، وما الاختيارات التي سيلجأ إليها الجسم السلفي بمختلف تكويناته وأطيافه، وما حدود القدرة التي يمتلكها الشيوخ على التأطير والاستيعاب الدعوي لهذه الفئة العريضة، وما الإطارات الجمعوية والسياسية التي يمكن أن تتم فيها عملية الإدماج المدني والسياسي؟

والإشكال الثالث فكري، كما يقول، مرتبط بدرجة المصداقية في التحولات والمراجعات التي حصلت داخل الجسم السلفي، وهل هذه المراجعات تعبر عن تحولات حقيقية في النسق الفكري والسياسي للعقل السلفي في المغرب ستستمر في الكيف والمدى والزمن، أم أنها مجرد تكتيكات ظرفية للخروج من المأزق؟

ورأى التليدي أن هذه الإشكالات، التي وصفها بأنها "مشروعة" رغم أن بعضا منها يستمد شرعيته من وقائع ومؤشرات ملموسة، إلا أن التعاطي معها لا يبرر بحال وضعية التردد في معالجة هذا الملف وطيه، لأن المشكلة تكمن في الخيارات المتبقية بعد استبعاد المقاربة التصالحية.

وأشار إلى وجود مقاربتين لحل الملف السلفي في المغرب: مقاربة إبقاء الوضع على ما هو عليه، مع ما يعنيه من مخاطر ترتبط بتنامي التطرف وعدم القدرة على مواجهة متجهاته المختلفة وأثر ذلك على صورة المغرب الحقوقية، ومقاربة المصالحة وطي صفحة الماضي مع ما تعنيه أيضا من ضرورة الجواب عن الإشكالات الثلاثة السابقة، ومن تكريس التوجه الديمقراطي والحقوقي للمغرب، ونزع أهم أوراق الضغط التي تمارس ضد المصالح الحيوية للمغرب.

ورأى الأكاديمي المغربي أن التعلل بامكانية عودة المعتقل إلى ذات تصرفه لا تصمد كثيرا أمام الوقائع، وقال: "النظر المتأني في الملف، يشير إلى أن المشكلة الأمنية ستبقى مطروحة سواء في الخيار الأول أو الثاني، وربما سيكون الوضع أعقد في خيار إبقاء الوضع على ما هو عليه، لأنه لا أحد يمكن أن يتصور أثر المدى الزمني في فكر المعتقلين وأسرهم وأبنائهم لاسيما منهم المظلومين الذين لم يرتكبوا أي شيء يوجب سجنهم، مما يعني أن التحجج بقضية العود لتبرير حالة التردد في تسوية الملف تبقى غير ذات أساس، ما دام أن هذا الخيار يحل المشكلة بشكل ظرفي ويرتبط فقط بالمعتقل، بحيث لا يقدم أي جواب عن أسرة هذا المعتقل ودرجة التوتر والاحتقان التي توجد بين أفرادها وأثر ذلك في تنامي التطرف".

وأضاف: "إن القضية اليوم، مرتبطة بالإدماج المدني والسياسي، كما هي مرتبطة بالاستراتيجية المحكمة لجعل المقاربة التصالحية أداة لمحاربة التطرف، وجعل المعتقلين السلفيين بعد الإفراج عنهم رأس الحربة في هذه المقاربة".

وبعد أن أشار إلى المبادرات التي جرت تحت جسر هذا الملف، سواء منها المسيس والمحكوم بمنطق التوظيف والتحكم، أو تلك المحكومة بالاعتبار الانتخابي والمخاطر التي يتوهم أن تنجم عن توسع قاعدة الفاعل السياسي الإسلامي، أو المؤطر بخلفية حقوقية تريد أن يحقق المغرب مصالحته الثانية بعد أن نجح في شق طريقه في العدالة الانتقالية من خلال تجربة الإنصاف والمصالحة، قال التليدي: "إن المهم ليس هو شكل الإدماج وصيغه، ولا من يقود المبادرة ومن يتحكم في خيوطها. المهم اليوم، أن يصفى هذا الملف، وأن تبدأ تجربة الاندماج كيفما كان شكلها، مدنيا أو سياسيا، مع هذا الحزب أو مع ذاك، لأن إدماج هذا الطيف الفكري السياسي سيخرجه من دائرة المحظور، ويجعله يستأنس بقواعد البيئة الفكرية و السياسية، ويتعايش مع بقية المكونات الموجودة في الواقع السياسي، ويتأهل تدريجيا لقبول الاختلاف وتبني قواعد تدبيره، ويأخذ المدى الزمني الكافي لترتيب خياراته الفكرية والسياسية والتنظيمية الجديدة"، على حد تعبيره.

ويعود ظهور ملف السلفية الجهادية في المغرب إلى 16 من أيار/ مايو من العام 2003، حيث استهدف نحو (14) شخصا ومعظمهم بين سن (20) و(24) سنة عدة أماكن في تلك الليلة، مما أسفر عن مقتل منفذي التفجيرات الاثني عشر وأيضا توفي واحدًا وثلاثين مدنيًا ورجلي شرطة معظمهم مغاربة من بينهم ثمانية أوروبيين (ثلاثة منهم أسبان)، في حين اعتقل اثنين من المسلحين قبل أن يقوموا بهجماتهم، كما جرح ما يزيد عن 100 شخص.

وقد أعلنت الجهات الرسمية المعنية بمباشرة التحقيق أن المتورطين في العمليات الانتحارية ينتمون إلى "تيار السلفية الجهادية الإسلامي"، وهو تيار لم يسمع به من قبل ولم يشكل تنظيما مهيكلا، بل مجموع تصورات تخص بعض الأفراد.

تجدر الإشارة إلى أنه ما زال يقبع في السجون المغربية عشرات من السلفيين منذ تفجيرات الدار البيضاء، ولم يستفد هؤلاء من العفو نفسه رغم الوعود التي أطلقتها الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي بمعالجة ملفاتهم.