كتاب عربي 21

لوبي التصهين العربي والعبث في ليبيا

1300x600

لم يكن الانقلاب العسكري في مصر على الرئيس المنتخب شعبيا -محمد مرسي- مجرد جملة عابرة في عابرة في السياسة الإقليمية، بل هو جُملة تأسيسية لمرحلة جديدة كليا في المنطقة، ولست أتفق مع من يتحدث عن عودة النظام القديم فنحن لسنا أمام النظام القديم بل أمام توجه جديد يستخدم أدوات النظام القديم ويوظف كل المتغيرات في صالحه لبناء مشروعه الجديد، وليس بالضرورة أن يكون هذا المشروع هو مشروع "السيسي" كشخص بل هو مشروع من أتى بالسيسي على رأس الدولة فعليا، إن الإنقلاب بجملته هو تعبير صارخ عن مصالح لوبي التصهين العربي المتكون من (السعوية - الإمارات - الكويت - الأردن) و من ورائهم إسرائيل ومجموعة دحلان،  وبالتالي فالانقلاب جزء من برنامج إقليمي لهذه المجموعة لإعادة الأوضاع لصالحها عبر عملية تستهدف كل أنظمة الربيع العربي وكل مناطق تكتل الإسلام السياسي.

"ليبيا القبلة الجدبدة" 

ليبيا إذا هي المرحلة التالية لمصر في جدول لوبي التصهين العربي بعد أن كانت غزة هي التالية لكن حماس استطاعت تلافي مثل تلك الضربة بالتنازل طواعية وضمنيا عن إدارة القطاع لتلافي عبث كبير قد يهدد مصير المقاومة الفلسطينية، وبالتالي توجه اللوبي لليبيا لتنفيذ مغامرته الجديدة. إن العبث في ليبيا لم يبدأ الآن بل بدأ منذ اللحظات الأولى لنجاح الثورة الليبية وتشكل المجلس الوطني الليبي حيث كانت مخابرات مصر والجزائر في البداية أحد أهم اللاعبين في ليبيا ومعهم قطر التي عولت على الاسلاميين بينما أيقظت مصر والجزائر ثارات القبلية والمناطقية لإفشال مشروع الإسلاميين في ليبيا بدعم خليجي وغربي وفرنسي، وإثارة نعرات الشرق والغرب، فبينما عملت مصر على دعم تشكل مجلس قبائل برقة كتكتل سياسي قائم على أساس هوية الجغرافيا والقبيلة عبثت الجزائر في مناطق الجنوب والغرب المتاخمة لها لترسيخ قضية (الشرق والغرب) تمهيدا لما هو قادم وتقسيما لمناطق نفوذ مستقبلية.

"النفط والأيديولوجيا"

ولعل السؤال الأبرز الذي يتبادر الى الذهن لماذا كل هذا الإهتمام المسعور بليبيا؟  تمتلك ليبيا أحد أهم احتياطيات الطاقة في العالم كما أنها داخليا لا تمتلك تنوعات كبيرة فالغالبية عربية مسلمة سنية وبالتالي لا تعاني من نزعات عميقة أو انفصالية،  كذلك لا توجد تيارات سياسية في ليبيا فالقبلية متوائمة مع الحالة الاسلامية وتتقبل "التشدد" كنوع من الانضباطية الاخلاقية وبالتالي هناك مساحة لتيارات التدين للتمدد.

 كما أن ليبيا لا تمتلك جيشا متماسكا ذا طابغ غربي وتدريب غربي بل إن تكتل السلاح بها هو بيد الإسلاميين بشكل رئيسي وبالتالي لا يمتلك الغرب القدرة على السيطرة على مجريات الأمور فيها عن طريق الجيوش المدربة والمسلحة غربيا كما هو الحال في مصر والجزائر والأردن وغريها وبالتالي تصبح مصالح الغرب فيها بلا ضامن،  كما أن امتلاك الإسلاميين للقوة المسلحة فيها هو معاكس لأحلام الغرب وبالتالي كان لابد من اجهاض سيطرة الإسلاميين على أكبر مخزونات الطاقة في العالم مما قد يمكنهم من إقامة مشروع سياسي متماسك.

كذلك يشكل قيام مشروع سلطة إسلامية في ليبيا النفطية خطرا حقيقيا على كل من السعودية ومصر والإمارات، حيث سيشكل وجود سلطة إسلامية "غنية" و"نفطية" بروز لاعب إقليمي يشكل خطرا على المرجعية السعودية الإسلامية الخاصة بها واحتكارها للتمثيل السني، وهذا أحد ثوابت السياسة الخارجية السعودية وأحد مرجعيات مشروعيتها،  كما أن الإمارات تمتلك فوبيا حقيقية من أي تطور اقتصادي بيد "سلطة إسلامية" مما يشكل تجربة نجاح قد تهدد فلسفة "الدولة الوطنية" في الخليج وهذا يردده بن زايد كثيرا،  فكما أن الدين يعتبر أحد مرجعيات المشروعية السعودية يعتبر النجاح الإقتصادي أحد مرجعيات المشروعية الإماراتية ولا يجب أن يمتلكه الخصوم من وجهة نظرها ولذلك تم إفشال تجربة مرسي الاقتصادية ويتم الآن منع إسلاميي ليبيا من الدخول بدولة مستقرة إلى عالم الدول عن طريق افتعال حرب طاحنة.

"مصر .. أداة وصاحبة مصلحة"

تشكل مصر مابعد الإنقلاب العسكري أحد أهم أدوات السياسة الخارجية (السعودية - الإماراتية) في المنطقة كما تشكل مصر بلا إسلام سياسي وبلا مشروع اقتصادي عامل استقرار مهم للرياض وأبوظبي، ولعل أبرز الدلالات المضحكة هو قدوم السيسي للرئاسة بلا برنامج سياسي،  فمصر في هذه المرحلة مجرد أداة، وبالتالي هي انعكاس لمصالح الدولتين الممولتين للانقلاب وللاقتصاد المصري ولذلك تنعكس رؤيتهم لليبيا في سلوك مصر تجاهها،  فمصر التي اتخذت منذ اللحظة الأولى الإسلام السياسي "عدوا" عبر اتهام مرسي بالتخابر مع حماس وإعلان الحرب على الإخوان المسلمين أصبحت ترى في إسلاميي ليبيا خطرا على الأمن القومي المصري الجديد الذي هو أحد مشتقات الأمن القومي السعودي والإماراتي حاليا، وبالتالي تورطت مصر كأداة رئيسية وبشكل مباشر في هذا الصراع عبر تمويل الانقسام ودعم الفتن الداخلية .

كذلك تمتلك مصر مصلحة مباشرة في النفط الليبي، فمصر التي تعاني من شح كبير جدا في مواردها النفطية ومشتقاتها،  وتحتاج إلى فائض مالي لدفع عجلة الاقتصاد للإمام،  ترقب بكل "شهوة" تدفق النفط الليبي في المنطقة الغربية للسيطرة عليه سواء عن طريق التدخل العسكري المباشر أو عن طريق مشروع انفصالي بنفوذ مصري تقوم مصر بالوصاية على تشكيل جيشه وحمايته وتأسيس دولته التي محلها الشرق الليبي،  وهذا سيشكل ضمنا سيطرة مصرية على صادرات النفط مما يتيح لمصر فائض تستطيع به الصمود أمام احتياجات الداخل!  

كذلك تشبه الجزائر مصر تقريبا في منطلقاتها ومبرراتها للتدخل في ليبيا إلا أن الجزائر كانت متدخلة من اليوم الأول في الصراع الليبي عبر انحيازها لمعسكر القذافي وحماية أبنائه، حيث ترى الجزائر في الإسلام السياسي خطرا كبيرا جدا عليها كما أن الفائض النفطي لايجب أن يقع في يد مشروع معادي لها! 

"مستقبل اللعبة في ليبيا" 

بعد بوادر انقلاب حفتر الاول والثاني وبدء معارك الداخل الليبي يبدو أن اللاعبين قد حسموا أمرهم مبكرا بافتعال صراع داخلي لا ينتهي ويتفاعل ويتضخم ليمر بعدة مراحل، الأول وهو إفشال مشروع الانتقال السياسي في ليبيا تماما وتحويل اللعبة السياسية في ليبيا إلى لعبة عسكرية مما يعني إنهاء مشروع الدولة الليبية وتحويلها إلى ساحة قتال أداتها الرئيسية السلاح والمال، وثانيها تكتيل الإسلاميين في جبهات محددة مما يعني نزعهم من السياق الوطني وتحويل السياق الوطني بيد حفتر وأدوات اللاعبين بحيث يصبحوا هم الممثل للوطن أمام توسع الإسلاميين ومخاوف "الأفغنة" كما يتم الترويج .

وثالثها يعتمد على أن تتحول الحرب الداخلية لقلق دولي كبير يبرر من خلاله اللاعبون الإقليميون تدخلهم العسكري المباشر لحسم الصراع في ليبيا عبر غطاء دولي أممي أو عبر مشروعية القوى الكبرى و قد ينتهي ذلك بتقسيم ليبيا الدولة المنتهية سلفا بين مصر والجزائر حيث أن من الأسهل ضمها لدول مركزية من أن يتم تحويلها هي لدولة مركزية، أولى على أقل تقدير جعللها مقتسمة الوصاية بينهم !

ليبيا إذا ستكون قبلة أحداث كبرى خلال الفترة القادمة، كما أنها ستشكل المغامرة الجديدة للحلف المتصهين .. ولعلنا نوضح في كتابات أخرى ملامح أخرى من المشهد الليبي لأهميته.