كتاب عربي 21

الاغتصاب: طقس في مشهد تنصيب إله الانحطاط!

1300x600
الموحد هو أمين الله على الفطرة التي أودعها الله في البشر، فهو في صراع مستمر مع الشيطان الذي تعهد بتغيير هذه الفطرة، فلو أن هذا الموحد تطبع مع قهر الواقع، واعتاد على مشاهد ارتكاس الفطرة وانحطاط الكرامة الآدمية، فإن معنى الوجود الإنساني ينتفي، ولذلك فإن الساعة لا تقوم إلا على شرار الناس كما في الحديث: "فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع، لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا، فيتمثل لهم الشيطان فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان وهم في ذلك دارٌّ رزقهم، حسنٌ عيشهم، ثم ينفخ في الصور"، وإن هذا المشهد الشيطاني المرعب وإن كان آخر ما تختم به هذه الحياة الدنيا، وقد عمَّ الحضورَ البشريَ كلَه، فإنه حاضر إلى ما قبل ذلك لا يغيب، بيد أنه لا يستغرق الوجودَ البشريَ كلَه، لوجود مقاومة الموحدين.

أمناء الله على الفطرة يمضون في معركتهم ضد الانحطاط بالكرامة الآدمية بين حدّين؛ حدّ المثال المركوز في الفطرة، وحدّ الإدراك الواقعي المركوز في العقل، فهم يتمتعون بعدّة نظرية تعينهم على الإدراك الواقعي لإمكان انحطاط الكرامة الآدمية بما تستشنعه الفطرة السليمة، فلا ينصرف بهم المثال إلى اعتزال الواقع والكف عن تصحيحه، إلا أن المثال لا يتطبع مع هذا الواقع ولا يعتاده، إنما يفهم العقلُ ويعي، ويستقبح المثالُ ويستشنع ويشفق، وهذا ما يفسر ردّ الفعل المأخوذ بالصدمة والشفقة الذي أظهره معارضو الانقلاب المصري على مشهد تعرية واغتصاب فتاة في ميدان التحرير في احتفالات تنصيب عبد الفتاح السيسي، رغم أن هذا المشهد تكرر أكثر من مرة في فعاليات المؤيدين للانقلاب، إلا أن مثال الفطرة يأبى الاعتياد على هذا الارتكاس البهيمي.

ورغم الواقعية المادية الفعلية لعملية التعرية المقززة والاغتصاب البهيمي التي جرت في ميدان التحرير، فإن هذه الحادثة الواقعية ذات دلالة رمزية على مستويات متعددة يقع فيها الانقلاب، فمن ناحية هي تعبير بليغ عن طبيعة جزء من البيئة الاجتماعية والقوى المصرية الداعمة للانقلاب، ومن نحية ثانية هي تعبير بليغ عن الدوائر العربية والدولية الداعمة للانقلاب، فهي تصوير لانحطاط الكرامة الآدمية وغلبة النداء الشيطاني عليها وتوحش منطق المادة الحسِّي البهيمي.

وهذه الحادثة الواقعية تعبير رمزي عن طبيعة السلطة السياسية المنبثقة من ذات البيئة الاجتماعية، ففي كل واحد من المغتصبين الذين عرَّوا الفتاة في طقس الاحتفال بعبد الفتاح السيسي؛ شيء من عبد الفتاح السيسي، فكل واحد من هؤلاء يجد في السيسي صورته، أو مثاله، أو ما يمكن أن يكون معبوده، أو الإله الأعلى لكثرة آلهة الهوى التي يعبدها.

لقد وجد بعض المنحطين الرمز المعبر عن الوضع المنحط، ووجدت كل ذات منحطة في هذا الرمز نفسها، وتبينت فيه ما يشبهها، فعبده بعضهم؛ سجدوا له سجودًا حقيقيًا، وصرحوا علانية بأنه إلههم، وقدسوا حذاءه وانتعلوه في رؤسهم في أبلغ تعبير عن انتكاس الفطرة وتشويه التقويم الأحسن وتغيير خلق الله، فالرأس صار رِجلاً، وحذاء الرمز المعبود عمامة يلبسها عبيده، وكان لزامًا في معبد الانحطاط أن تكون له طقوسه المميزة المعبّرة عن طغيان الهوى، والمكثفة لمعاني الانحطاط كلها، والطاردة للسكينة والطمأنينة، الراكنة إلى الصخب الشيطاني.. إنه الرقص المسعور والاختلاط الشهواني، إنه الاغتصاب المتوحش الذي يجتمع عليه الآلاف ويشهد عليه الآلاف بلا نكير.. إنها الحقيقة العارية من كل زينة، إنه الواقع الذي يتحدى أمناء الله على الفطرة، إنها العتبة التي حشد لها الشيطان كل رذائله وجعل من كل جندي له لبنة فيها، إنه الشر الذي لا يختبئ، والفجور الذي لا يستحي، إنها العقبة التي حشد لها الشرُّ الحشدَ كلَه، فكيف سيقتحم الإنسان السوي هذه العقبةَ دون أن تثخنه الجراح؟!