كتاب عربي 21

عموم ولاية الفقيه

1300x600
في نظرية الإمامة عند الشيعة، أن للإمام – الذي هو معصوم – كل سلطات الرسول – صلى الله عليه وسلم – التي هي كل سلطات الله – سبحانه وتعالى - .

وفي عصر غيبة الإمام – التي بدأت قبل أكثر من ألف عام – وقفت سلطات الفقهاء الشيعة عند "فقه الفروع" وظلت إقامة الدولة والحكومة وسياسة الأمة – وهي عندهم من العقائد – تنتظر ظهور الإمام الغائب.

 لكن الخميني (1320 – 1409 هـ ، 1900 – 1989 م) – في كتابه "الحكومة الإسلامية" - وفي الثورة التي قامها 1979م، وفي الدولة التي أسسها وفي الدستور الذي وضع لهذه الدولة في نوفمبر 1979م، قد جاء بنظرية ولاية عموم الفقيه، فأصبح "للولي الفقيه" كل سلطات الإمام، التي هي كل سلطات الرسول – صلى الله عليه وسلم – التي هي كل سلطات الله – سبحانه وتعالى – سواء في السياسات أو في العقائد، فهو القيم على الأمة مثل القيم على الصغار!.

 وعن "عموم ولاية الفقيه" هذه التي مارسها الخميني ويمارسها الآن خامينئ، قال الخميني :"إن الفكر الشيعي يجعل للرسول كل ما لله في سياسة المجتمع وعقيدة أهله، وبعد الرسول أصبح كل ما له للإمام، وبعد غيبة الإمام فإن كل ما للإمام – الذي هو كل ما لله وللرسول – للفقيه، وذلك باستثناء أمرين اثنين:
أولهما: أن للإمام مقاما عند الله لا يبلغه فقيه، بل ولا نبي ولا رسول!.
وثانيهما: أن ولاية الإمام "تكوينية" – في الإيجاد والإعدام – تخضع لها كل ذرات الكون، بينما ولاية الفقيه وقف على السياسات والعقائد.

 ولقد نشأ عن هذه النظرية في "عموم ولاية الفقيه" – وخاصة بعد سيادتها وتهميشها للاجتهادات الشيعية الرافضة لها – تحول ولاء الأقليات الشيعية في مختلف الأقطار الإسلامية إلى ولي الفقيه الذي هو الحاكم الفعلي في إيران وتراجعت بذلك روابط الولاءات الوطنية والقومية عند هذه الأقليات الشيعية، على النحو الذي نراه الآن في العراق والبحرين والسعودية واليمن ولبنان وباكستان وأفغانستان وغيرها من البلاد التي بها أقليات شيعية، أي أن "عموم ولاية الفقيه" قد همشت الانتماءات الوطنية والقومية عند هذه الأقليات لحساب الانتماء للمركزية الشيعية الحاكمة في إيران، وذلك بدلا من بقاء الانتماء الوطني دائرة من دوائر التي تستظل بجامعة الإسلام.

 لقد أحلت هذه العقيدة الخمينية الدائرة المذهبية الضيقة محل الدائرة الإسلامية، وهمشت الإنتماء الوطني والقومي لحساب هذه الدائرة المذهبية.

 ولقد أصبحنا - أمام هذه النظرية الخمينية – بإزاء أمرين خطيرين:
أولهما: البعث المعاصر والتطبيق الفعلي لأسطورة السلطة الكهنوتية الثيوقراطية، التي تفوقت – في الكهانة والثيوقراطية – على الكهانة الكنسية، التي حكمت بالحق الإلهي في أوربا العصور الوسطى، والتي أدخلت أوربا إلى عصورها المظلمة، والتي أفرزت رد الفعل العلماني – بل والمادي – الذي همش المسيحية وليس فقط الكنيسة.

 وثانيهما: دفع الأقليات الشيعية في الأقطار الإسلامية إلى حافة الخيانة لأوطانها عندما تتعارض مصالح هذه الأوطان مع سياسات ولي الفقيه الحاكم في إيران.

ولقد تحولت هذه المخاطر إلى واقع مأساوي نراه اليوم في العراق وسوريا والبحرين واليمن ولبنان، عندما تم الفرز الطائفي على أساس المذهب، وشنت الميليشيات الطائفية الحروب على أهل السنة والجماعة تحت شعارات طائفية، مثل "يالثارات الحسين"! معلنة أنها حرب بين أحفاد الحسين وأحفاد "يزيد"!.

 تلك هي الكارثة التي بعثها الخميني من مرقدها الأسطوري، بنظريته في "عموم ولاية الفقيه"!.