كتب مصطفى النجار: عندما يصبح أخذ المواقف ذا كلفة وثمن يدفعه من يأخذ الموقف، يظهر أصحاب المبادئ الحقيقيون ويتمايز البشر طبقا لمدى إيمانهم بما يتحدثون عنه وما يناضلون من أجله، أما إذا كانت المواقف آمنة بلا ثمن يعقبها فكل الناس يستطيعون الظهور وتسجيل المواقف وركوب الأحداث.
•••
هذه الكلمات السابقة تلخص أزمة
مسلسل أهل اسكندرية الذى كتبه
بلال فضل وشارك في بطولته الفنانان عمرو واكد وبسمة ومحسنة توفيق وهشام سليم وآخرون وهذه الأسماء الأولى هي لفنانين كان إنحيازهم لثورة يناير واضحا منذ البداية بالإضافة إلى خلافهم السياسى الحالي مع السلطة ومعارضتهم لكثير من مواقفها وقراراتها، بمجرد الإعلان عن عرض المسلسل خلال شهر رمضان في عدد من الفضائيات انطلقت حملة عاتية من خلال إعلاميين محسوبين على نظام مبارك تدعو لمنع إذاعة المسلسل ومقاطعته بل ومقاطعة أي شركات تقوم بالإعلان عن منتجاتها وسط إذاعة حلقات المسلسل.
ووصف أحدهم مشاهدة المسلسل بأنه خطيئة توجب التوبة بينما قال آخر إن المسلسل تم إنتاجه لصالح الإخوان!
كانت بداية الحملة تركز بالاستهداف الشخصي والهجوم على الأعمدة الأساسية للمسلسل سواء كاتب السيناريو بلال فضل أو الممثل عمرو واكد والفنانة بسمة التى كانت كل جريمتها فى الهجوم الذى نالها أنها زوجة لمعارض للسلطة معروف مواقفه، ثم تحول الهجوم إلى نغمة تشويه الشرطة والإساءة للدولة لمجرد أن المسلسل يتناول لقطات من الحياة الشرطية وهذا ما تكرر قبل ذلك فى أعمال فنية كثيرة لمؤلفين وفنانين آخرين ولم ينلهم هذا الهجوم بل إن عددا من أعمال بلال فضل نفسه مثل فيلم (واحد من الناس) ومسلسل (الهروب) وغيرهما تناولت صور من انحراف بعض رجال الشرطة ومخالفتهم للقانون وأبرزت فى نفس الوقت نماذج أخرى لرجال أمن مخلصين وشرفاء دفعوا الثمن بسبب انحيازهم للقانون وسيادته.
•••
حتى كتابة هذه السطور القرار الذى تم إبلاغ أسرة المسلسل به هو منع العرض بعد ضغوط قاسية تعرضت لها جهات الإنتاج سواء التليفزيون الكويتي أو مدينة الإنتاج الإعلامي وكذلك جهات العرض من فضائيات تضاربت تصريحات مسئوليها حول العرض أو المنع وجاء كلام السيد حسن حامد رئيس مدينة الإنتاج الإعلامي حاسما حيث أشار فى تصريحات صحفية منشورة إلى ضغوط أمنية متوالية أدت لوقف إستكمال الإنتاج وقرار الفضائيات بمنع العرض، ثمة ملاحظات حول الأزمة لا بد من تسليط الضوء عليها:
أولا: الموقف المتخاذل لكثير من روابط وجبهات المثقفين والمبدعين بالتوازى مع الموقف الرسمى لوزارة الثقافة التى لم يسترع انتباهها ما حدث قبل ذلك مع باسم يوسف ولا ما يحدث الآن، فى نفس الوقت الذى رأينا فيه كثير من أهل الثقافة والفن ينتفضون أيام حكم الإخوان ويدقون طبول الحرب والتصعيد خوفا من احتمالية تأثر الثقافة وحرية الإبداع بوصول الإخوان للحكم وحين يتم الآن بالفعل مصادرة ومنع برامج وأعمال فنية لم يرتكب صناعها جرما سوى أن لهم مواقف اختلاف سياسى مع السلطة يخرس هؤلاء المثقفون ويبتلعون ألسنتهم وكأن ما يحدث لا يعنيهم لأن أى موقف سيأخذونه سيكون ضد ممارسات السلطة وهم الأن يؤثرون السلامة ويخلعون عدة الحرب ويجبرون المبادئ على الدخول فى نوم عميق!
ثانيا: كُتاب الرأى والأعمدة بالصحف وكذلك الإعلاميين الذين كانوا يملئون الكون صراخا ونحيبا قبل ذلك لماذا سكتت أقلامهم وخرست ألسنتهم ــ إلا قلة معدودة ــ وهل تنكر الكل لحرية الرأى والتعبير ومناخ الإبداع الذى يتعرض للقصف المتوالى فى نفس الوقت الذى صدعت فيه أدمغتنا شعارات الحريات ودعم الإبداع واحترام المختلفين والعصر الجديد الذى من المفترض أن يرسم ملامحه دستور سموه دستور الحريات وتقافز كثير ممن كتبوه على الشاشات يبشرون بالحريات المحفوظة ثم هم الأن موتى وصامتون؟
ثالثا: هل تريد السلطة الحالية أن يخرس كل من يعارضها ويشد زمام الرحيل عن الوطن ليتحول الوطن إلى مرتع للمنافقين والمطبلين والموالين؟ هل هكذا تُبنى الأوطان؟ وهل تجارب الماضى ودروسه لم تكن كافية ليتعلم الجميع أن إقصاء المعارضين والاستعلاء واحتكار الوطن هو طريق للسقوط وليس الصعود؟
رابعا: ما هو ذنب مئات العاملين فى إنتاج المسلسل من فنيين وبسطاء تتعدد وظائفهم لكنهم يجمعهم السعى للقمة العيش، ما ذنبهم وما ذنب أسرهم التى تنتظر شهر رمضان من العام إلى العام حتى يكون بابا للرزق لمن يعولهم عبر الأعمال الفنية التى يتميز بها شهر رمضان ؟ هل فكر أحد فى هؤلاء؟
•••
يقولون إن المعارضين للسلطة يتصيدون لها الأخطاء فكيف بسلطة يستيقظ الناس كل يوم ليجدونها تصفعهم وتصدمهم بكوارث جديدة؟ إن الحزن ليوغل بالقلب ويدميه ويموت فينا الحلم كل يوم فى أن تعيد السلطة حساباتها وتراجع أخطاءها وتبدأ عصرا جديدا بالفعل تلتزم فيه بما تقوله، وتستوعب فيه من يختلف معها قبل أن تحتوى وتقرب من يؤيدها.
معركة مسلسل (أهل اسكندرية) لا تخص عدة أفراد بل هي انعكاس للمناخ الخانق الذي يريد بعضهم إعادة إنتاجه ويعتقد أن في ذلك خيرا للوطن، لكن الحقيقة أن الوطن يُساء إليه بمثل هذه الممارسات ويبقى الإبداع حرا لا يرضى القيود ويعلو من يعلو ويسقط من يسقط.
(عن صحيفة الشروق
المصرية 27 حزيران/ يونيو 2014)