مقالات مختارة

عودة مفهوم الكفاح المسلح

1300x600
كتب مازن حماد: الدرس الأول الذي يجب استيعابه بعد أربعة أسابيع من الحرب الاسرائيلية البشعة على قطاع غزة، أن غزارة النيران لا تكفي وحدها لفرض الوقائع على الأرض. فها هو رابع أو خامس أقوى جيش في العالم يفشل في إخضاع بضعة آلاف من المقاتلين الفلسطينيين، مما دفع ذلك الجيش بعد فقدان أعصابه، إلى إطلاق وحوشه الأميركية الطائرة لتصب جام غيظها على السكان العزل في حملة إبادة جماعية صدمت كل صاحب ضمير حي فوق هذا الكوكب.

لقد دمر الإسرائيليون قطاع غزة، وشردوا نصف سكانه إلى الشوارع والحدائق والمدارس، فيما داهمت مياه الصرف الصحي المنازل التي لم تدمر، وانقطعت الموارد الغذائية والمائية والكهربائية والدوائية. غير أن كل تلك الجرائم لم تفلح في إجبار القطاع على رفع الراية البيضاء، أو كسر إرادة الفلسطينيين الذين أصبحوا بعد تحطيم غزة من الجو أكثر تصميما على مواصلة الصمود والتحدي لاسترداد أراضيهم وحقوقهم.

والأهم أن السادية المفرطة التي ميزت المسلك الإسرائيلي طوال العدوان أدهشت العالم وأظهرت الدولة العبرية كوحش أسطوري يتلذذ بامتصاص الدم الفلسطيني وينفق في سبيل ذلك كل ما يستدعي الأمر من دولارات وقنابل.

لقد خسر الإسرائيليون الكثير عندما حشروا أهل غزة في الزاوية وأخذوا يطلقون النار عليهم بدم بارد. أما الفلسطينيون فقد كسبوا الكثير عندما نجحوا في استعادة موقعهم المفقود على ساحة الاهتمامات الدولية، ذلك الموقع الذي صادرته ثورات «الربيع العربي» وحاصرته ظاهرة داعش وأخواتها من التنظيمات المجنونة مثل القاعدة وجبهة النصرة.

وفي غمرة هذا المشهد السيريالي، سمعنا أن باراك أوباما ينتظر اللحظة التي يضع فيها جيش «الدفاع» أوزار هجمته البربرية على الفلسطينيين في غزة لإطلاق مشروع أميركي لتسوية قضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي من جذورها. لكن أي مشروع كهذا محكوم عليه بالفشل على ضوء لائحة طويلة من المؤامرات والمذابح التي تعرض لها الفلسطينيون بمباركة كاملة من واشنطن.

ولعل أخطر ما يمكن أن تفرزه الحرب على غزة، هو تزايد القناعة لدى الفلسطينيين بأن التفاهم مع إسرائيل أصبح مستحيلا، وأنه لا بد من العودة إلى مفهوم الكفاح المسلح باعتباره الوسيلة الوحيدة لتحرير الأرض ولجم العدوان.

أما المفهوم الذي تعبر عنه سياسات محمود عباس، فالأرجح أن يشهد في الفترة المقبلة تراجعا كبيرا سيجعل إسرائيل والولايات المتحدة تحسان بالندم الشديد لتجاهلهما تطلعات الشعب الفلسطيني، وإصرارهما على حشره دوما في الزاوية وذبحه من الوريد إلى الوريد في كل مرة.

(الوطن القطرية)