كتاب عربي 21

حول الهجوم الإيراني على السعودية

1300x600
كتبنا سابقا عن الهجوم الشرس من طرف إيران على تركيا، واليوم نتوقف عند هجومها المماثل على المملكة العربية السعودية، والذي تابعنا فصوله الأكثر شراسة خلال الأيام الماضية على خلفية الحكم بـ"القتل تعزيرا" على رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر.

ما ينبغي قوله ابتداء هو أن الهجوم الإيراني على السعودية، وإن تركز خلال الأيام الماضية على قضية نمر النمر، إلا أنه لم يتوقف طوال الشهور الماضية، ودائما بدعوى أن المملكة هي التي تقف خلف داعش؛ في خطاب بائس لا يقنع حتى الأطفال، لكن الفصل الأخير يبدو الأكثر إثارة.

من الصعب الإجابة على سؤال ما إذا كان الحكم على النمر بمثابة رسالة سياسية مقصودة بعد التطورات الأخيرة في اليمن من حيث سيطرة الحوثيين (أتباع إيران) عليه، أم أنه جاء هكذا عرضا من قبل القضاء الذي ينظر القضية منذ مدة طويلة، وسبق له أن أصدر أحكاما قاسية ضد علماء ومشايخ سنّة بتهم أقل شأنا من تلك التي وُجهت للنمر.

لكن المؤكد أن الهجوم الإيراني قد تجاوز كل الخطوط الحمراء من حيث الحديث المباشر عن العائلة المالكة، فضلا عن التهديد الصريح؛ ليس من خلال سياسيين وعسكريين وأمنيين ورجال دين إيرانيين وحسب، بل من خلال كافة أركان التحالف الإيراني في المنطقة، من العراق إلى لبنان واليمن والبحرين، وصولا إلى مناطق أخرى، حيث لم تبق جهة ولا مرجع معروف إلا وتحدث وحذر من مغبة إعدام النمر، مع أن الجميع يدرك أنه لن يُعدم على الأرجح، وأن عفوا سيصدر بحقه، إن كان عفوا يخرجه من السجن، أم يخفف العقوبة. وحين يجري إطلاق الرصاص على دورية للشرطة في القطيف بعد الحكم بأيام، فتلك بالتأكيد رسالة أخرى من طرف إيران.

ليس من المنطق الدفاع عن الحكم الذي صدر بحق النمر، ومن قبله عشرات الأحكام ضد آخرين من مشايخ السنة لأسباب سياسية، لكن المؤكد أن الزفة التي نحن بصددها هي استعراض للقوة ضد السعودية أكثر من أي شيء آخر، وإيران التي تدافع عن شيخ من جماعتها هي نفسها التي أعدمت (فعلا ولم تحكم فقط) العشرات من الناشطين والمشايخ السنّة الإيرانيين (البلوش والأحوازيين)، من دون أن يعترض أحد من العرب، والنتيجة أنها ترسل رسالة للجميع أنها تمثل أتباع المذهب الشيعي في كل مكان. وقد أشرنا قبل شهور طويلة إلى أن إيران تغادر لعبة المقاومة والممانعة إلى مربع الدولة الراعية للمذهب، والذي تستخدمه في سياق من مشروع تمدد مجنون لن يصل إلى النتيجة المأمولة بحال. وحين يصل بها الحال حد الدفاع عن احتلال الحوثيين لصنعاء والمدن اليمنية، فهذا يعني مستوىً من الوقاحة غير مسبوق على الإطلاق.

على أن البعد الذي لا ينبغي للمراقب أن يغفل عنه هنا هو ذلك المتمثل في حقيقة أن تلك الغطرسة الإيرانية ضد السعودية وضد تركيا إنما تعكس شعورا بالأزمة أكثر من أي شيء آخر، بخاصة في ظل النزيف الرهيب في سوريا، والذي أضيف إليه العراق منذ شهور، وسيضاف إليه اليمن الآن.

وحين تلجأ إيران إلى هذا السلوك في المنطقة، فإن من الطبيعي أن لا يسكت الآخرون، وحين نسمع عن بعض الهجمات التي بدأت تشن على الحدود الإيرانية وفي الداخل من قبل ناشطين بلوش (سنّة) وأحوازيين، فتلك بالتأكيد رسالة رد من الأطراف الأخرى أيضا مفادها أن لدينا ردودنا أيضا.

والذي لا شك فيه أن الردود لن تتوقف عند الداخل الإيراني المدجج بالتناقضات (في المقدمة قضية السنّة وقضية الأحوازيين العرب)، والجاهز للتفجير بهذا القدر أو ذاك، بل يشمل أيضا نشاطا ضد مربعاتها الأخرى، ولن يتردد كثيرون في دعم القاعدة في اليمن ما دامت قادرة على تحويل الانتصار الحوثي إلى هزيمة وعبء، والنتيجة أن بوسع الآخرين أن يجعلوا استنزاف إيران بالغ الكلفة؛ من العراق إلى سوريا وحتى لبنان واليمن.

ثمة مفارقة بالغة الأهمية هنا، وهي أن هجوم إيران الشرس على تركيا والسعودية في آن معا، لم يدفع البلدين حتى الآن إلى شكل من أشكال التقارب، والسبب الذي لا يحتاج إلى كثير ذكاء لاكتشافه، هو أن المملكة لا زالت تحسب تركيا على مربع الإسلام السياسي السنّي الذي تعتبر محاربته أولوية كجزء من الحرب على ربيع العرب والثورات، ولا شك أن تجاوز هذه المعضلة بعد المياه التي جرت في المنطقة خلال العامين المنصرمين سيتيح للبلدين فرصة التصدي معا لغرور إيران، بدل أن تستفيد هي من تناقضهما.