الحوثيون

الأسس الفكرية والعقدية لجماعة لحوثيين

مسلح يضع صور زعماء الحوثيين على سلاحه في صنعاء - الأناضول
لكل حركة سياسية أو اجتماعية أو تربوية أو عسكرية جذور فكرية، ومرتكزات عقدية، تمثل محور انطلاقتها، وتسهم بأقدار متفاوتة في بلورة مشروعها، وتحديد نمط سلوكها العام، أو الخاص. وبوسع الباحث في الفكر الحوثي ومرتكزاته العقدية أن يخلص إلى أبرز تلك الأسس من خلال تحديد نظرة الجماعة أو موقفها من القضايا الكلية الثلاث التالية: أي النظرة إلى المعرفة، والموقف من كبار الصحابة، ونظرية الحكم. ويمكن عرض أبرزها هنا على نحو من الإيجاز الذي يسمح به المقام( )، وذلك على النحو التالي:

أولاً: النظرة إلى المعرفة: علم الكلام (التوحيد) وأصول الفقه نموذجا
2- علم الكلام (التوحيد):
يعد علم التوحيد أو ماعرف بعلم الكلام أي (القواعد العقلية في معرفة العقيدة) من أهم ما أنتجه العقل المسلم عبر تاريخ الإسلام الفكري والعقدي، من حيث تقعيد مسائله، والمقدرة العلمية على إقامة الحجج، ونصب البراهين العقلية والسمعية (النقلية) على منطقية العقيدة الإسلامية ومستنداتها البرهانية. ولكن ذلك لايخلو أحيانا من تأثر ببعض المناهج الفلسفية (اليونانية)، وببعض الأساليب المنطقية المغرقة في الحجاج الأرسطي، مع مايُعرف من بساطة العقيدة الإسلامية وفطريتها في الأصل؛ لولا التطورات اللاحقة التي فرضت قدراً من تلك المناهج والأساليب.

بيد أن مؤسس الحركة الحوثية الراحل حسين بدر الدين الحوثي (ت: 10/7/1425هـ الموافق10/9/2004م)، لم يميّز بين هذا وذاك بل شن حملة شعواء عامة على علم الكلام (التوحيد) والمشتغلين به، دون أن يميّز بين الأمرين، على نحو ماحاولت الوثيقة الثقافية والفكرية للحوثيين أن تسوّقه( )، إذ نجده يشنّع عليه أبلغ تشنيع، لأن علماءه- من وجهة نظره- لم يعتمدوا القرآن والفطرة في دراستهم للعقيدة، بل اعتمدوا الفلسفات اليونانية، ولذلك فقد حكم عليهم بضعف الخشية لله.

ونقل عن القاسم بن إبراهيم (أحد أئمة الزيدية الأوائل ت:246هـ- 860م) قوله:"ما خشع متكلّم لله". كما ضرب المثال في ذلك بابن تيمية (ت:728هـ) الذي اعترف بغزارة علمه ومعرفته الواسعة، لكنه اتهمه بإغفال الأسس القرآنية في دراسة التوحيد، وتأثره بثقافة معيّنة، وبسبب عدم اعتماده على مطلوب القرآن الكريم، وبسبب الضعف في تحقيق لإله إلا الله، جعله كل ذلك يخرج بآراء وصفها الحوثي بالغريبة الشاذة( ). ويكاد هذا الموقف على هذا النحو من التعميم والإطلاق مما يطبع اتجاه المؤسس الراحل، عبر محاضراته ودروسه، وما عُرف بعد ذلك بالملازم.

2- علم أصول الفقه:
أما علم أصول الفقه فنفى الحوثي المؤسس أن تكون معرفة القرآن متوقفة على أصول الفقه، بل وصفه بأنه – وفق تعبيره- "فنٌ يضرب القرآن ضربة قاضية، يضرب القرآن ضربة شديدة، يضرب فطرتك، يضرب توجهك نحو القرآن، يضع مقاييس غير صحيحة، تدخل إلى القرآن والقرآن بشكل آخر؛ ولهذا نجد أنفسنا كيف أن القرآن لم يعمل عمله فينا، لم يستطع القرآن، لأننا وضعنا عوائق أمام فهمنا لـه، أمام اهتدائنا به، أشياء كثيرة حالت بيننا وبين أن نفهمه، وبالتالي قتلناه، وأصبحنا أمة ميتة، أصبحنا أمة ميتة، أسأنا إلى أنفسنا، وأسأنا إلى القرآن الذي هو أعظم نعمة من الله علينا"( ). 
وقد تبين لكاتب هذه السطور بعد طول تأمّل أن موقف حسين الحوثي السلبي الحادّ من ذينك العلمين:علم الكلام (التوحيد)، وعلم أصول الفقه؛ يرجع لكونهما علمين يعتمدان على التربية العقلية، أي إعمال العقل بدرجة أساس، والرجل يزهّد في إعمال العقل إلى حدّ بعيد، على خلاف ما يفترض أن يكون عليه مذهبه الأصلي المحتفي بهذا المسلك جدّاً، هذا علاوة على كون علم أصول الفقه علم (سنّي) بامتياز، من حيث النشأة والتكوين!

ثانياً: الموقف من كبار الصحابة:
أي كبار صحابة النبي – صلى الله عليه وسلّم- وفي مقدّمتهم الخلفاء الراشدون الثلاثة أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب  وعثمان بن عفّان- رضي الله عنهم- ذلك أنه ينبني على ذلك نظرة الجماعة إلى مصادر الإسلام الأساسية: القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، اللتين وصلتنا عبر رواية الصحابة لهما– وبالأخص الكبار منهم-  مع التشديد على الخصوصية القرآنية، من حيث الحفظ المطلق الذي تكفّل الله –تعالى- به ابتداء وانتهاء، ولكن لابد أن ذلك قد جاء عبر رواية الصحابة بداهة، من حيث السبب الموضوعي لورود ذلك. 

وكشواهد مقتضبة جدّا في هذا السياق فإن حسين الحوثي يصرّح بعدم مجاملته في موضوع الموقف السلبي من كبار الصحابة قائلاً: " قُدِّم الإسلام على أيدي بني أمية، وعلى أيدي أبي بكر وعمر، ومن بعدهم،  قُدِّم على هذا النحو، الذي ضرب الأمة كلّها، هل أجامل؟ هل أجامل من كان وراء ضرب الأمة كلها، وضرب الدين وغيابه[ هكذا والمقصود غيّبه] من الساحة؟"( ). ويصوِّر فترة  حكم الخلفاء الراشدين كغيرها من فترات الملك العاض، وعهود الانحطاط الثقافي والحضاري، ويربط بين مؤيدي حكم الخلفاء الراشدين من العلماء وبين علماء السوء عبر التاريخ- بلا تمييز- وما دعاة التطبيع والصهينة اليوم – عنده-إلا امتداد لفترة الخلفاء الراشدين( ). 

وفي سياق إبدائه الانزعاج من اهتمام أهل السنّة برموزهم كالخلفاء الثلاثة يبلغ الأمر بالحوثي أن يصفهم مع غيرهم بالانحطاط ( )، كما يصف أبا بكر وعمر وشيعتهما – على حدّ وصفه-  بالمنهزمين، ويعني بشيعتهما هنا الحكام العرب والمسلمين المعاصرين( ). ويرى أن مجرّد  تولّي أبي بكر وعمر كافٍ لأن يكون المرء ضدّ القرآن( ). 

وعلى حين نسمع اليوم وصف كل من يختلف مع آراء الحوثية وأطاريحها من الإسلاميين المختلفين مع الجماعة في الفكر والسياسة والممارسة بأنه (تكفيري) – هكذا- فإننا نكتشف أن المؤسس الراحل لجماعة الحوثيين يشرعن لتكفير الأمة في أغلبيتها السنيّة بالجملة والتفصيل، بحيث يعجز الباحث النزيه عن أن يجد لنصه بهذا الصدد مخرجاً جميلاً، أو محملاً حسناً، أو حتى تأويلاً بعيداً، إذ هو يصرّح  بتكفير كل من اعترف بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان، لأنه- في ظنّه- منكر لحق علي في الخلافة( ). ويستمر في تسفيه كبار الصحابة كأبي بكر الذي يصفه بالدرويش غير المؤهل للخلافة وأن المسلمين ضاعوا مذ ولّوه  مقاليد الخلافة، وأن سبب تخلفهم التقني والمادي اليوم بدأ مع خلافة أبي بكر"( ). وعلى حين يصف علي بن أبي طالب بالعبقري فإنه يصف –على نحو شبه مباشر- عمر – معذرة عزيزي القارئ-بـ(الثور). أما السبب عنده فلأن الأول أراد أن يعمل عقله (يجتهد)، في حين أن الثاني اتبع النبي بلا تفكير ولا (عقل) كما صرّح. وفي هذا السياق يقول:"الغريب أن البعض قد يظن أن معنى أن أكون تابعاً يعني أكون [ثور] ما أدري بشيء، ولا أفهم شيء[هكذا والصواب شيئاً]، ولا تتسع معرفتي..." ( ).

ثالثا: الموقف من نظرية الحكم:
تتلخص نظرية الحكم عند الحوثية من خلال الأدبيات والمصادر الأصلية للجماعة – دعك من أحاديث السياسيين والإعلاميين في المناسبات المختلفة- بما حاصله بأن الحكم قائم على الاختيار الإلهي للحاكم أو الخليفة منذ وفاة النبي – صلى الله عليه وسلّم- ولاعلاقة لذلك بشورى أو انتخاب أو رضى الأمة وموافقتها. وهذا ماصرّح به والد المؤسس حسين الحوثي أي العلّامة بدر الدّين الحوثي (ت: 18/12/1431هـ الموافق24/11/2010م)،  

والولاية بعد رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلّم- لعلي بن أبي طالب- عليه السلام- بدليل حديث الغدير وحديث المنزلة وغيرهما كما ذكرناه، ولم تصح ولاية المتقدّمين عليه أبي بكر وعمر وعثمان، ولم يصح إجماع الأمة عليهم، بل اختلف الصحابة بعد موت رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلّم- خلافاً محقّقاً، ولم يثبت بعده إجماع"( ). ثم عقد فصلاً  جديداً عقب ذلك قال فيه: "والولاية من بعده ( أي الإمام علي) لأخيار أهل البيت الحسن والحسين وذريتهما الأخيار،أهل الكمال منهم... والولاية لمن حكم الله لها له في كتابه وسنة رسوله – صلى الله عليه وآله وسلّم- رضي الناس بذلك أم لم يرضوا. ثمّ عقد فصلاً عقب ذلك كذلك استهله بالقول:"ولا دخل للشورى في الرضى بحكم الله أوردّه لأنه مالهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحداً}( ). 

وقد جسّدت الحركة الحوثية هذه المعاني بشكل أكثر عملية مع قربها من طموح إحكام السيطرة على مقاليد الحكم في اليمن، وذلك من خلال تبنيها لما عرف بـ(الوثيقة الفكرية والثقافية) الصادرة في ربيع الأول 1433هـ الموافق شباط/ فبراير 2012م. وقد كتبها وتصدّرها اسم زعيم الحركة الحالي عبد الملك الحوثي. ومما ورد فيها " ... وأن الإمام بعد رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلّم- هو أخوه ووصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم الأئمة من أولادهما كالإمام زيد والإمام القاسم بن إبراهيم والإمام الهادي والإمام القاسم العياني والإمام القاسم بن محمّد ومن نهج نهجهم من الأئمة الهادين"( ). 

 كما ورد" ...ونعتقد أن الله –سبحانه- اصطفى أهل بيت رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلّم- فجعلهم هداة للأمة وورثة للكتاب، من بعد رسول الله إلى أن تقوم الساعة، وأنّه يهيء في كل عصر من يكون مناراً لعباده، وقادراً على أن يقوم بأمر الأمة والنهوض بها في كل مجالاتها( إن عند كل بدعة تكون من بعدي يكاد بها الإسلام وليّاً من أهل بيتي موكلاً يعلن الحق وينوّره ويرد كيد الكائدين فاعتبروا يا أولي الأبصار وتوكّلوا على الله) ومنهجيتنا في إثباته وتعيينه هي منهجية أهل البيت عليهم السلام"( ).
تلك بإيجاز هي أبرز الأسس الفكرية والعقدية للجماعة الحوثية.