كتاب عربي 21

البيت الأبيض يصافح البيت الأسود

1300x600
في الحادي عشر من سبتمبر الماضي، جلست الشعوب العربية بانضباط أمام شاشات التلفزة، لتسمع وتتعلم وتسترشد بالاستراتيجية التي سيعلن عنها أوباما في خطابه المنتظر واليوم - ولم يمر شهران بعد على إعلان أوباما لاستراتيجيته الخطيرة، من أجل القضاء على تنظيم الدولة في العراق والشام- يلحس أوباما بندا من البنود الأربعة وهو البند المتعلق بتدريب المعارضة المعتدلة في سورية وتسليحلها، والذريعة لذلك كانت أقبح مما نتصور، (الإدارة الأمريكية تعتقد باستحالة وجود معارضة معتدلة!).

إن هذا بحد ذاته اتهام خطير لا بد من أن تتوقف عنده القيادات العسكرية للمعارضةالسورية، وخاصة تلك التي كان لها نصيب من الدعم الأميركي بأي شكل من أشكاله.

 الجنرال الأميركي " لويد أوستن" كان قد أعلن في فترة سابقة أن وزارة الدفاع الأميركية تميل إلى اختيار شباب من مخيمات اللاجئين السوريين في عمر الثامنة عشرة ليس لهم أي ارتباطات بتنظيمات سابقة أو ميول متطرفة لتقوم بتدريبهم كمعارضة معتدلة؛ لقد كان المطلوب حينها خمسة آلاف مجند لتعبئتهم وتدريبهم من أجل تنفيذ العمليات البرية التي سترافق الضربات الجوية التي تشنها قوات التحالف تحت إمرة الإدارة الأميركية. ومع ذلك فضلت إدارة أوباما أن تتخلى عن بنود من استراتيجيتها، على أن تعترف بأن على الأرض السورية معارضة مسلحة معتدلة. فماذا يعني عدول واشنطن عن فكرة تدريب معارضين معتدلين؟ وما هو البديل؟

أولاً: هو إعلان صريح من الإدراة الأميركية، بأن كافة الفصائل المقاتلة على الأراضي السورية( سواء أكانت تحت راية الدولة الإسلامية أو تحت جناح الجيش الحر أو حتى الفصائل التي حصلت على رخصة الاعتدال الإميركي) هي فصائل متطرفة أو متشددة، وبذلك فمن المباح ضربها من قبل قوات التحالف في أي وقت من الأوقات. (يمكن أن نعتبر القصف على المقر رقم ( 111)  لأحرار الشام، في قرية باب سقا بريف إدلب دليلا على ذلك). 

ثانياً: تغيير واضح في مسار العلاقات بين النظام السوري والبيت الأبيض، فبعد أن فشل أوباما في ترويض الأسد، يتجه اليوم إلى دفعه إلى طاولة جنيف 3 محاولا إخفاء فشله في إدارة الصراع في سوريا، وذلك بهدف تخفيف حدة الانتقادات التي وجهت إليه وإلى أدائه، والتي بدورها أثرت على حزبه وقلصت من حجم الديمقراطيين وقوتهم بعد خسارتهم لغالبية المقاعد في الكونغرس الأمريكي لصالح الجمهوريين في انتخابات الكونغرس الأخيرة.

مخطئ من يعتقد بأن إدارة أوباما السيئة للصراع في الشرق الأوسط هي من آخر اهتمامات الشعب الأميركي، ولو كان ذلك حقيقة لما رأينا هذا التذمر العام في الشارع الأميركي من أداء أوباما وسياساته الخارجية، وذلك لم نأت به جزافا، وإنما جاء نتيجة لاستطلاعات الرأي العام أولا ومن ثم نتائج انتخابات الكونغرس الفاضحة بحق أوباما وسياسته ثانيا.

وقد سرت إشاعات بأن الإدارة الأميركية بدأت استراتيجيتها الجديدة غير المعلنة بعد، بإيقاف دعمها لأحد مراكز توثيق جرائم النظام السوري لتتعاقد مع مركز لتوثيق جرائم تنظيم الدولة، فهل هذا يعني براءة النظام السوري مما ارتكبه من جرائم فاقت كل ما ارتكب بحق الإنسانية؟! 

 الحديث في أروقة البيت الأبيض والبيت الأسود (القصر الجمهوري في دمشق) عن حل سياسي للصراع في سوريا، وجنيف 3 قد يجدي نفعاً بكل تأكيد، في حال أن المفاوضات انطلقت لإيقاف نزيف الدم السوري _ السوري، ولكن كيف للشعب السوري أن يصدق وعود دي ميتسورا وحديثه عن نيته الإسراع في إيجاد حل سياسي وإيران في المقابل أقرت توحيد قيادة الميليشيات الشيعية التي تقاتل في سوريا تحت قيادة واحدة، وإخضاعها لهيكلية وقيادة موحدة تحت مسمى "الجيش الموازي" للشعب السوري الحق في أن يعرف مهمتها؟ فهل هي قوات حفظ السلام في المنطقة مثلا؟! وللسوري الحق في أن يفهم! كيف يمكن للمعارضة التفاوض على حل سياسي إذا ما تم سحب صفة الاعتدال عنها؟ وعن أية معارضة مستقلة! يتحدث دي ميتسورا وغيره ؟

لو تغاضى الشعب السوري عن الصفات والتوصيفات، وتجاوز إلى الأساسيات فهل يمكن أن يتغاضى عن خذلان الجيش الحر من قبل الإدارة الأميركية، وهوالأمل والنفس الوحيد المتبقي له في هذه الصراع البشع والمعقد؟ بكل تأكيد لا. 

الإدارة الأميريكية تدرك تماما ، أن المفاوضات السياسية و الاتفاقيات العسكرية، لن تنفذ إذا ما لم تكن القوى متكافئة، أوتوجد قوى ضاغطة تحقق التوازن بين القوى المتفاوضة، وهذا بالضبط ما أدى إلى إفشال جنيف1و2، وهذا ما سيؤدي بالضرورة إلى فشل جنيف3 إذا ما بقي الصراع على حاله.