كتاب عربي 21

حتى تستعيد مصر إنسانيتها

1300x600
المتابع لمسار الجرائم والانتهاكات التي تمارسها سلطة انقلاب الثالث من يوليو العسكري ضد الإنسان وحقوقه في مصر، يستطيع أن يرصد انتهاكاً ممنهجاً ومتعمداً لكل حقوق الإنسان التي نصت عليها جميع المواثيق والمعاهدات، ناهيك عن الشرائع السماوية كافة التي أرسل الله الحق العدل من أجلها رسله وأنبياءه ليحمي الإنسانية.

فبداية من الحق الأول والأصيل للإنسان وهو الحق في الحياة، وحرمة النفس الإنسانية، فإن رصاصات قوات الشرطة والجيش المصريين أهدرت هذا الحق عمداً و بشكل ممنهج مرارا وتكرارا، بداية من مذبحة الحرس الجمهوري في 8 يوليو 2013 ومذبحة المنصة في 27 يوليو 2013، ومذبحة فض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس 2013 ومذبحة مسجد الفتح برمسيس في 16 أغسطس 2013 ومذبحة سيارة ترحيلات أبو زعبل في 18 أغسطس، وغيرها من حوادث القتل العمد خارج نطاق القانون للمتظاهرين السلميين.

الآلاف من الأرواح أزهقت بشكل ممنهج ومعد ومرتب سلفاً لمدنيين عزل، متظاهرين سلميين يدافعون عن حقهم في احترام إرادتهم وأصواتهم التي دعوا إلى صناديق الانتخابات ليدلوا بها..نتحدث هنا عن 3248 ضحية إنسانية نتيجة هذه العمليات الممنهجة من القتل العمد خارج نطاق القانون وفقا لمصطلح القانون الدولي لحقوق الإنسان، وذلك بحسب إحصاء وتوثيق مبادرة "ويكي ثورة" التابعة للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وهو جمعية مصرية مستقلة. كل هذا فضلا عن حوادث متفرقة أخرى للقتل المتعمد خارج نطاق القانون والذي لا يشملها هذا الإحصاء والتوثيق، من قتل للمتظاهرين السلميين في تظاهرات أسبوعية مازالت تخرج حتى يومنا هذا معلنة رفضها الانقلاب العسكري على الديموقراطية، وكان آخر هذه الحوادث مقتل اثنين من المتظاهرين برصاص قوات الأمن يوم الجمعة الماضي 7 نوفمبر 2014.

أما عن الاعتقال التعسفي، فنحن نتحدث عن 41163 مصريا تم اعتقاله تعسفياً منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013 وحتى الآن وذلك بحسب توثيق مبادرة "ويكي ثورة"، ومن هؤلاء يمكث بالسجون الآن حوالي 22000 معتقل. معظم هؤلاء إن لم يكن كلهم معتقلون اعتقالا تعسفياً على خلفية آرائهم السياسية الرافضة للانقلاب العسكري، ويضم هذا الرقم الضخم من المعتقلين رئيسا منتخبا من الشعب المصري اختطفته قوات الجيش، ورئيس برلمان منتخبا ونوابا للبرلمان انتخبهم الشعب انتخاباً حراً نزيهاً في أول عملية ديموقراطية حقيقية في مصر، ورؤساء أحزاب ونشطاء سياسيين ومنتمين كثرا لثورة 25 يناير 2011. 

الحق في التجمع السلمي وحرية التظاهر تم اغتياله أيضاً، فقط بعدما استخدمه الجنرال العسكري وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب العسكري حين وقف ببدلته العسكرية في كلمة رسمية طالباً من الجماهير التظاهر لتأييده فأستقبلت قوات الأمن من الجيش و الشرطة هؤلاء الذين تظاهروا لساعات معدودة لالتقاط الصور الفوتوغرافية بالحلوي والأعلام  التي كانت تنشرها عليهم طائرات عسكرية تحوم من فوقهم لتصويرهم وإبراز عددهم  ، أما من تظاهر ضد إنقلابه العسكري علي مدار أربعة عشر شهراً فما كان مصير من نجا منهم من القتل او الحرق سوى الاعتقال التعسفي أو المطاردة الأمنية . بل وأصدرت سلطة السيسي قانوناً يقيد ويجرم حق التظاهر والتجمع السلمي وتم اعتقال المئات وربما الآلاف - لا يوجد لدي حصر دقيق الآن للعدد - من المتظاهرين السلميين بدعوى خرق قانون التظاهر وصدرت ضدهم أحكام بالسجن من ثلاثة إلى خمسة عشر عاماً. 

 انتهاك ممنهج لحق المواطن في التقاضي أمام قضاء عادل وأن يحظى بمحاكمات نزيهة أمام القاضي الطبيعي.. ولاسيما من تجري محاكمتهم على خلفية سياسية ولمعارضتهم سلطة الانقلاب العسكري. و يحيلنا الحديث عن هذا الحق  إلي مشهد قاضٍ صار شهيراً بحكم إعدام جماعي أصدره على أكثر من 500 معتقل سياسي لفقت لهم قضايا جنائية في جلسة واحدة لم تستغرق سوى دقائق ودون الاستماع إلى محاميهم.. هذه الحادثة، وإن كانت الأكثر استفزازاً وفجاجة، إلا انها لا تعبر عن حادث استثنائي لقضاء يخضع من خلال آلياته وقادته للسلطة العسكرية المتغلبة على إرادة الشعب الحرة بقوة السلاح في مصر. 

يكفيك أن تعلم أن هناك الآلاف من المعتقلين في السجون الآن لأكثر من عام في ظروف غير إنسانية وتتبع معهم أساليب تعذيب نفسي وبدني ولم تتم محاكمتهم  بعد.. فقط يمدد لهم الحبس الاحتياطي لمدة 45 يوما، فقط لإبقائهم قيد الاعتقال ولأنه لا توجد أي أدلة إدانة على ارتكابهم قضية جنائية واحدة.. هم يعاقبون ويسجنون ويعذبون لأنهم -فقط- يعارضون الانقلاب العسكري.

الحق في اعتناق الآراء دون مضايقة انعدم.. فإن كنت من هؤلاء الذين يلمحون فقط برأيهم -ولا أقول يصرحون- بأن ما حدث في الثالث من يوليو انقلاب عسكري، فأنت إرهابي صريح أو طابور خامس مندس أو إخواني يجب قتلك ورجمك.. لو تضامنت مع من قتلوا في أسوأ مذبحة تمت في مصر في التاريخ الحديث (مذبحة رابعة العدوية) وحملت شعاراً رمزياً لذلك أو ارتديت ما يشير إلى ذلك، حتى وإن كان "دبوس" للزينة لفتاة في عمر الزهور أو حتى "مسطرة" لطفل في مدرسة، فأنت هدف إرهابي مستباح العرض.

الاستهداف الممنهج لحرية التعبير.. ويتجلى هذا في الهجمة الشرسة والهمجية الممنهجة على الصحافيين والإعلاميين. ليس فقط من مداهمة وإغلاق كل القنوات الفضائية والصحف التي تعارض الانقلاب العسكري، لكن أيضاً الاستهداف الشخصي الممنهج للصحافيين والإعلاميين. فقد وثق المرصد العربي لحرية الإعلام مقتل 11 صحافياً وإصابة 60 واعتقال 67 و 25 آخرين تم اعتقالهم وأفرج عنهم و 7 صحافيين أحيلوا إلى محاكمات عسكرية.

مصادرة المجال المدني العام وعسكرته،  هو انتهاك لم ينص عليه بهذا الشكل في العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية و المدنية، و هذا برأيي لأن هذا العهد الصادر عن الأمم المتحدة و الذي وقعت عليه مصر و صار نافذا منذ 23 مارس 1976 لم يتخيل أن تعود الفاشية العسكرية في القرن الواحد و العشرين بهذا الشكل . لكن الحقيقة أن القرار بقانون الأخير الذي أصدره قائد الانقلاب العسكري وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي في أكتوبر الماضي ويوسع من سلطات الجيش والسلطة العسكرية لمعاونة الشرطة المدنية في حماية المنشآت العامة والذي يتيح للقوات المسلحة اقتحام الجامعات لمواجهة تظاهرات الطلاب على سبيل المثال أو أي منشأة عامة أخرى تحت دعوى محاربة الإرهاب أو إحالة المدنيين للمحاكمات العسكرية، هو باختصار تقنين لعسكرة الدولة المدنية ومصادرة المجال المدني العام.

ثم تأتي في أكتوبر الماضي أيضاً جريمة التهجير القسري لمئات العائلات المصرية في مدينة رفح الحدودية بسيناء وتفجير منازلهم وذلك بعد إنذار لهم بإخلاء منازلهم في ظرف زمني 48 ساعة، وهي جريمة لا تسقط بالتقادم، وفق الوثيقة الدستورية التي فرضتها سلطة الانقلاب العسكري نفسها مطلع هذا العام. 

وفي 10 نوفمبر 2014 يبدأ إلزام جمعيات المجتمع المدني في مصر بقانون جديد للجمعيات الأهلية يصادر الحق في حرية تكوين الجمعيات الأهلية، رغم أنه حق أصيل من الحقوق المدنية والسياسية الملتزمة به مصر، وهو قانون يجعل كل هذه الجمعيات تحت تصرف السلطة العسكرية التي استولت على السلطة بعد الانقلاب. الهدف هو تكميم المجال العام و التهجير القسري لكل من يحاول  من المصريين أن يكون لهم دور في إدارة شؤون بلادهم، فقط قادة العسكر. 

إذن بعد انقلاب 3 يوليو 2013 العسكري، فإن السلطة التي استولت على الحكم تمارس بشكل ممنهج مختلف أنواع الجرائم و الانتهاكات  ضد الإنسان قبل حقوقه، حتى تلك الحقوق التي أقرتها الوثيقة الدستورية التي فرضتها سلطة الانقلاب العسكري في يناير 2014، ناهيك عن المواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعت مصر عليها وملزمة باحترامها . 

باختصار فإننا لا نبالغ إذا وصفنا مصر بعد 3 يوليو 2013 بأنها باتت منزوعة الإنسانية. لهذا يجب على كل حريص على الإنسانية قبل أن يكون حريصا على مستقبل أفضل لمصر، مستقبل واعد تتحقق فيه أحلام وآمال شباب مصر وثورتهم التي قدموا من أجلها أغلى التضحيات، يجب عليه أن يقاوم هذا الانقلاب العسكري وهذه السلطة الفاشية بكل السبل والوسائل السلمية المشروعة حتى تسقط لتسترد مصر إنسانيتها قبل أن تسترد عافيتها وتبني مستقبلها.. أنا على يقين بأن هذا سيكون لا محالة، وعليك أيها القارئ العزيز أن تختار مكانك وتحدد موقعك.