كتاب عربي 21

اليمن يتجه نحو تكريس الهيمنة الطائفية في الجيش والأمن

1300x600
فيما يشبه مكافأة نهاية الخدمة، تقترب الجماعة الحوثية من تحقيق هدفها في إدماج الآف من عناصرها في القوات المسلحة والأمن، مدعومة بخطة دولية على ما يبدو يشرف على تنفيذها حالياً مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن  جمال بنعمر.

 إنها خطة كارثية بكل ما تعني الكلمة من معنى، لأنها ستؤدي إلى تكريس الهيمنة الطائفية والمناطقية على هاتين المؤسستين اللتين تقوم عليهما هيبة الدولة وتُصان سيادتها، علماً بأن هاتين المؤسستين أصيبتا بداء النفوذ الطائفي والمناطقي، خلال العقود الخمس الماضية، وعكستا خلال الـ3 عقود الأخيرة نزعة الرئيس المخلوع صالح للاستبداد والتسلط اعتماداً على الشوكة العصبوية والجهوية، وهو تفكير قاد البلاد إلى أتون الحرب والفوضى والخراب.

لا شيء يتناقض مع مخرجات الحوار الوطني، ويهدم مبنى العملية السلمية في هذا البلد،  أكثر من هذه الخطة التي يُروج لها بنعمر على استحياء، وتكاد تحوله إلى "غرابِ بينٍ وفرقةٍ" ونذير شؤم، بعد أن كان يُنظر إليه في فترة ما قبل سقوط صنعاء على يد المليشيا المسلحة، في 21 أيلول/سبتمبر، على أنه "حمامة سلام".

لقد تعمّد بنعمر ومعه رعاةُ المبادرة الخليجية طيلة فترة الحرب التي خاضها الحوثيون بتكليف من هؤلاء الرعاة، ابتداء من منطقة دماج في محافظة صعدة مروراً بحاشد ومحافظة عمران، وانتهاء بصنعاء، على إظهار أن ما يحدث هو صراع بين الحوثيين و"مليشيات مسلحة"، وكان هذا الاستدعاء غير النزيه للـمليشيات، يجري دونما حاجة لأن يلصقون بها أية هوية سياسية علنية، ودافعهم الوحيد هو التغطية على الحروب الحوثية التي كانت جزءاً من مخطط إسقاط قوى الثورة والتغيير، وتصفية تركة ثورة الـ11 من فبراير 2011.

واليوم يُعيد هذا الدبلوماسي المغربي الغامض، تكييف  تسمية المليشيات المسلحة، لتصبح: " المحاربين"، الذين يتعين إدماجهم في مؤسسات الدولة،  ولكن لا يقصد بــ:"المحاربين"، هذه المرة، سوى الحوثيين وليس غيرهم، لأنهم يريدون فقط أن يكافئوا الحوثيين نظير انسحابهم من صنعاء، وإعادة فرض سلطة الدولة.

وهذا ما لا يتفق مع المنطق ولا يحقق شروط النظرة العادلة للمتصارعين، إن كان هناك بالفعل طرفين قد تصارعا وليس طرف مسلح واحد كان يقف دائماً في مواجهة الجيش والأمن، وإن كانت هناك حاجة لإثقال الجيش والأمن بأعباء وتبعات "الصراع المليشياوي".

لقد دُفع بالتجمع اليمني للإصلاح، أكبر أحزاب تكتل اللقاء المشترك، إلى عقد لقاء مباغت بين اثنين من قياداته: زيد الشامي، وعبد الملك شمسان، وزعيم الجماعة الحوثية المسلحة،  عبد ا لملك الحوثي، يوم الخميس الماضي بمحافظة صعدة.

ويقيني أن جزءاً من أهداف هذا اللقاء ربما يكون لغرض التغطية على مهمة إدماج الحوثيين في الجيش والأمن، ورفع الحرج الذي بات يمثله وجودهم في شوارع العاصمة، على الدولة، وتبديد المخاوف التي بدأت دول إقليمية مهمة مثل السعودية، تعبر عنها تجاه مستقبل الدور الحوثي في اليمن، ما انعكس غضباً على الرئيس الانتقالي، وتهديداً برفع الدعم الذي تقدمه المملكة لليمن، وهو الدعم الذي حفظ استقراراً اقتصادياً هشاً لهذا البلد منذ عام 2011.

إن السيد بنعمر ومن خلفه الولايات المتحدة والرئيس هادي، بهذه الترتيبات المشبوهة، يُدخلون اليمن في مرحلة جديدة من الصراع، ستتغذى هذه المرة من الهيمنة الطائفية والمناطقية المطلقة، على الجيش والأجهزة الأمنية، ومن الصوت المرتفع للحوثيين في الساحة السياسية. وهذا  بالتأكيد سيُبقي هذه الساحة مفتوحة على كل احتمالات الصراع بين القوى السياسية والاجتماعية، وسيعمل على إذكاء الاستقطاب الطائفي بين اليمنيين، وسيعمق من خط الصدع الطائفي والجهوي، وكل هذه التشوهات في الجسد الوطني، ستعمل على إفشال عملية الانتقال السلمي إلى مرحلة الدولة الاتحادية الديمقراطية التعددية في اليمن.