خرجوا فارين من جحيم الحرب في بلادهم ليتلقاهم جحيم آخر، جحيم الإذلال وسوء المعاملة في مطارات الدول التي رحلوا إليها، يحملون في أيديهم لعنة تلاحقهم أينما حلوا. فما أن يرى أحدهم جواز السفر السوري، لتبدأ رحلة جديدة من المعاناة.
"
السوريين يوقفوا طوابير على جنب".. تكاد تكون هذه العبارة معممة في جميع مطارات الدول العربية على المسافرين السوريين القادمين إليها. معاملة خاصة، وتحقيق من نوع خاص، وقد يصل الأمر في كثير من الأحيان إلى إعادتهم من حيث جاؤوا للبلاد؛ بحجة الأسباب الأمنية.
الشاب عمار أسعد (22 عاما) من مدينة المعضمية، متخرج من المعهد العالي لإدارة الأعمال. طلب منه أهله الخروج من
سوريا خوفا من اعتقاله من قبل قوات النظام.
بتاريخ 1/5/2013 خرج عمار من دمشق عبر مطارها الدولي، كما يتحدث أخوه حسام لـ"عربي 21". ويضيف حسام: "عند وصول عمار إلى مطار عمان، في تمام الساعة 11 من مساء يوم الخميس، احتجز هناك مع القادمين على متن هذه الطائرة من سوريا، وكان عددهم 30 شاباً مع عدد من العائلات.
يتابع حسام قائلاً: "أثناء انتظاري له، جاء عمار برفقة الضابط الأردني، مقيداً كأنه قد اقترف جرماً، وعندما شاهدته في هذه الحالة عرفت أنهم لن يسمحوا له بالدخول إلى الأردن، اقترب مني أخي برفقة الضابط وهمس في أذني: حاسس ما رح شوف أمك بعد هاليوم، أنا طلعت من الشام كرمالها، ورح أرجع عالشام بس مارح شوفها".
ويقول حسام: "كان وقع تلك الكلمات عميقاً عندي، لأني أحسست الإحساس ذاته. حكى لي أنهم أذلوهم (السوريين) كثيراً في المطار وسخروا منهم، وصاروا يصرخون في وجوه الشباب: تركتوا أهلكم يموتوا بسوريا وجيتوا تشحدوا عنا"!
يتابع حسام: "انتقلتُ من بوابة القادمين إلى بوابة المغادرين لأودع أخي القادم من سوريا، بلد عجنه الشقاء والمعاناة"، مضيفا: "لم أفقد الأمل من دخوله الأراضي الأردنية، فصرت أجري اتصالات، وأحاول إدخال وسطاء ليسمحوا له بالدخول، لا سيما أن الكثيرين من الشباب دخلوا بعد وساطة أحد الضباط الأردنيين. وبعدها اتصل بي أخي وقال: "أنا طالع عالطيارة وراجع عالشام سلم على أمك" عندها يئست من رؤيته مجدداً وصرت أدعو له بالسلامة فقط".
فور وصوله إلى دمشق، اعتقلته قوات الأمن واقتادته إلى فرع المخابرات الجوية في المزة. ويتساءل حسام: "الغريب في الأمر أن أخي استطاع الخروج من مطار دمشق ولم يوقف، أي أنه لاجرم عليه ولا ملاحقة أمنية، فلماذا اعتقلوه حال عودته؟" كانت تصلنا الأخبار من المفرج عنهم أنه بخير، رغم أنهم كانوا يضعونه في غرفة منفردة؛ لأن معه أنيميا حادة في الدم".
وأثناء إبرام اتفاق الهدنة في المعضمية، تم وضع اسمه مع الشباب للإفراج عنهم، لكن النظام السوري أبلغ اللجنة التي رعت الهدنة بتاريخ 10/5/2014 بأن هناك شاباً في مشفى حرستا العسكري قد توفي، ليأتوا ويستلموا جثته، كان هذا الشاب هو عمار.
سنة وستة أشهر تحكي قصة شاب سوري قذفت به الحرب من نزوح إلى لجوء إلى اعتقال ثم إلى وفاة.
قد تكون حكاية عمار واحدة من عشرات القصص المغيبة، لكن الأمر الجلي الواضح في التعامل مع السوريين في المطارات هو ذل وإهانة ممنهجين. فأثناء الختم على الجوازات يقف السوري أمام محقق يكاد يكون مفوضاً من قبل النظام السوري، مع تكرار حالات إعادة السوريين إلى بلادهم أو إلى بلدان أخرى، مثلما حصل مع الطائرة المحملة بالسوريين التي قدمت إلى القاهرة في تموز/ يوليو 2013، حيث تمت إعادة الطائرة من حيث أتت بكامل ركابها، ولم يقبل حينها وساطة أحد.
يتحدث أحمد لـ"عربي 21" قائلا إنه أثناء دخوله إلى
مصر في منتصف 2014، سؤل: سوري؟ أجاب: نعم، فطلبوا منه الابتعاد إلى آخر الطابور ريثما يتم ختم جوازات جميع الجنسيات المتبقية، وعندما وصل إلى ضابط الجوازات، بدأ هنا التحقيق من جديد.
وسأله الضابط كيف استطعت الدخول إلى مصر؟ من لك هنا؟ ماذا يحدث في سوريا؟ مع من أنت؟ كم المبلغ الذي دفعته حتى تم منحك تأشيرة دخول إلى هنا؟ وذلك في محاولة من الضابط للإيقاع به. إلا أن أحمد كانت إجاباته متقنة، فأخبرهم أنه قدم بشكل نظامي من خلال أهله المقيمن في مصر بعد حصولهم على موافقة من الأمن العام، إلا أنه في الحقيقة اضطر إلى دفع مبلغ 2500 دولار حتى تمكن من دخول مصر.
أما عمر، فهو شاب غادر الأردن بشكل نظامي إلى تركيا، وفور وصوله إلى تركيا رفضوا إدخاله بحجة أن جوازه لا قيد له، وتمت إعادته إلى الأردن الذي رفض بدوره استقباله مع احتجازه تمهيدا لتسليمه إلى النظام السوري لاحقاً. عندما علم عمر بذلك، طلب الإقامة في مخيم الزعتري لأنه لا يستطيع الذهاب إلى سوريا، إلا أنه وحتى الآن لازال محتجزاً في مطار الملكة علياء في الأردن، ولا زال حتى الآن يناشد الهيئات والمنظمات الإنسانية للنظر في حالته.