قضايا وآراء

بعد براءة مبارك... الإخوان أيضاً هم السبب!

1300x600
يشاء الله تعالى أن يكون يوم 29 نوفمبر 2010 هو يوم إعلان نتائج أكثر برلمانات مصر تزويراً في أسوأ انتخابات تجلّت فيها أقبح معاني وصور التزوير والقهر والانقضاض على إرادة الشعب في مشهدٍ فاضح شهد به العدو والصديق حيث توهم نظام مبارك أنه قابض على السلطة عبر أدواته الأمنية والإعلامية، وأنه يملك الأرض وما عليها ولن يستطيع كائناً من كان أن يقف أمام مشروع توريث الحكم لنجل مبارك أو يزحزحه عنه قيد أنملة (أو هكذا تصور واهماً) فاندفعت الجموع الهادرة من ملايين الأحرار في ميدان التحرير وغيرها من الميادين لتُسقط الطاغية بعد أقل من شهرين في 25 يناير 2011، هو ذات التاريخ الذي تم فيه تبرئة مبارك وعصابته في 29 نوفمبر 2014 (في محكمة القرن بالفعل لكنها في اهانة الشعب) بذات أجواء الشحن والغليان في الشارع جراء انسداد الأفق السياسي فضلاً عن الانهيار الاقتصادي والاجتماعي وعلى كافة الأصعدة وإجراءات القمع وتكميم الأفواه وتأميم الحياة السياسية كلها لصالح السلطة الحاكمة الآن، لأن مبارك الرأس والشخص فقط بعد تصعيد رموز الصف الثاني لرجاله بعد سقوط الصف الأول في 25 يناير 2011 وبقاء أذرعه وجسده كمنظومة فساد واستبداد في كافة مؤسسات الدولة وكأن التاريخ يعيد نفسه.

براءة مبارك وعصابته ونجليه لم تكن مفاجأة بالنسبة للكثيرين وأنا واحد منهم بل طبيعية جدا ومتوقعة حيث أن الغريب أن يحدث العكس حيث نعيش في عهد الانقلاب في كل شيء وعلى كل شيء، لكن المفاجأة حقاً هو حالة الاندهاش إلى حد الصدمة التي أصابت البعض بعد إصدار الحكم وكأنه كان مُنتظِراً المفاجأة من قضاء مسيّس ومستقَل (بفتح القاف) وليس مستقِل (بكسر القاف) ناله ما ناله من اختراق السلطة وركبه كمطية لتمرير سياساته، ذلك أنني قلت سابقاً وأكرر أنه ليس بمصر قضاء مستقِل (كمنظومة ومؤسسة) بل يوجد قُضاة مستقلون (كأفراد) وهو ما لمسناه وشاهدناه في قضية القرن عن اطمئنان مبارك وعصابته إلى البراءة وثقتهم في تلاميذهم من القضاة الشوامخ، وعلى الرغم من استغرابي من استغراب البعض من حكم البراءة المسرحي إلاّ أنني لا أستطيع أن أُخفي اشمئزازي من بعض الأصوات الخبيثة التي لم تكل أو تمل من كيل كل اتهامات الدنيا ضد جماعة الإخوان المسلمين حتى وهم خارج السلطة بين قتيل ومصاب ومُطارد، وكأنّ القاضي محمود الرشيدي رئيس محكمة جنايات القاهرة التي أصدرت حكم براءة مبارك ما هو إلا خلية نائمة من خلايا الإخوان!، والهدف واضح لكل ذي عقل وهو تفويت الفرصة السانحة الآن على التوحد والالتحام لإسقاط حكم العسكر القابع على صدر الشعب منذ أكثر من 60 عاماً، لاستمرار حالة الاستقطاب الحاد والتشرذم المجتمعي السياسي بين شركاء الثورة حتى نظل نراوح أماكننا وندور في نفس فلك الحالة العقيمة من الجدلية الأكثر عقماً حيث توزيع نسب الأخطاء والخطايا وهو ما يستفيد منه النظام الانقلابي ويلعب على ترسيخه وتأجيجه دائماً في محاولةٍ رخيصة معتادة بعد 25 يناير على شيطنة جماعة الإخوان المسلمين وحدها (فضلاً عن التيار الإسلام السياسي بطبيعة الحال) وتحميلهم المسؤولية كاملةً عما وصلنا إليه دون غيرهم وكأنّ الآخرين مجموعة من الكائنات الملائكية منكرين بكل خبث تورطهم في التنسيق الكامل والمخزي قبل وبعد نكسة 30 يونيه وحتى الآن بل ويعتبرون ذلك من أعمال الثورة التي تستدعي الفخر والاعتزاز ومن مقتضيات بل وضرورات المرحلة التي تمر بها البلاد فتركوا من قتل الشعب وأمسكوا فيمن باعهم (في إشارة للإخوان) بينما تزاوجوا مع القاتل زواجاً كاثوليكياً لا طلاق فيه.

بعد براءة مبارك صار الاتحاد فريضة سياسية مُلحّة في أن نلتحم جميعاً ونتوحد على أرضية رفض الحكم العسكري التي لا خلاف عليها كقوي ثورية شاركت في 25 يناير رغم علمي بأن التوافق الكامل (وهم) لن يتحقق لكني أقصد الحد الأدنى من التوافق الأخلاقي علي مبدأ واحد يكفينا وهو إسقاط حكم العسكر كمنظومة وليس فقط كشخوص ووجوه، وبعيداً عن الأصوات الإعلامية الخبيثة فضلاً عن أدعياء الثورة المعروفين والذين لا يملكون من الشارع سوي اسمه ولا يمثلون من أوزان الحشد إلاّ أنفسهم الرخيصة، حتى يعلم الجميع أن الإصرار على عودة محمد مرسي للحكم انتصاراً لثورة 25 يناير الذي استمد شرعيته من خلالها وتولد من رحمها كرئيس، ومن ثم عودة إرادة الشعب التي اغتصبت في 30 يونيه وليس عودة للإخوان كما يصور لنا الخبثاء، ليكون هذا المسار وحده في نظري هو الضامن الحقيقي لتفويت أي فرصة ووأد أي محاولة في مجرد تفكير أصغر جندياً في جيشنا المصري يستقوي بسلاحه تسول له نفسه أن يكرر ما حدث في 3 يوليه 2013 الكئيب، وبعدها فلنحتكم ثانيةً إلى الشعب سواء بالانتخاب أو الاستفتاء على شرعية مسار ديمقراطي ارتضيناه جميعاً، وإلاّ فلا تندهشوا إذا طالبنا القضاء الشامخ الشعب كله قريباً بالتعويض المادي عن الأضرار النفسية التي تعرض لها مبارك ونجلاه وعصابته واتهام جماعي لجموع الشعب المصري بالجحود ونكران الجميل لأنه تجرأ وانتفض ضد سيّده ومولاه ووليّ نعمته صاحب المعالي فخامة الرئيس الشريف الحر محمد حسنى مبارك ونجليه الأبرار ووزرائه ومساعديه (أسياد البلاد وتاج رأس العباد)!!.

 رضا حمودة