كتاب عربي 21

مرحلة الاحتلام السياسي

1300x600
نحن لا نرحب بالإخوان في أي حراك ثوري..
من نحن؟، ومن منحنا حق الترحيب بأحدهم من عدم الترحيب؟، وعن أي حراك ثوري نتحدث؟ ومن يملك القدرة على إبعاد أحد من المشهد إلا أن يقتله مثلا؟

أسئلة كثيرة، تحيط بهذه التصريحات العبثية التي تأتينا بين الحين والآخر مهونة علينا مرارة الانتظار، ومخترقة جدار الصمت، ومزاحمة صوت صرصور الحقل.

أتذكر ذلك المشهد من فيلم ناصر 56، حين وقف عبد الله فرغلي ممثلا عن باشوات البلد وساستها القدامى الذين ينتظرون لعبد الناصر سقطة كي يعيدوا تقديم أنفسهم، يظهر فرغلي بعد قرار تأميم قناة السويس وهو يجتمع بزملائه، ويخططون لتشكيل الوزارة الجديدة التي ستحكم مصر بعد مقابلة السفير الانجليزي، والتخلص من البكباشي المتهور، يقسمون الأدوار بمنتهى الدقة، كأنهم بالفعل داخل السلطة، فيما يلعب ممدوح وافي – رحمة الله على الجميع – دور الصحافي الذي يجلس مع الباشوات وقلبه مع ناصر، وقبل أن ينصرف وافي رافضا ما يسمع من تخاريف، يناديه فرغلي ظنا منه بأنه انصرف لأن أحدا لم يمنحه وزارة من تلك التي توزع مثل القرص، رحمة ونور، أمام المقابر، ويخبره بمنتهى الجدية ألا يغضب: "ما تزعلش يا طلعت، هحاول أجيبلك وزير دولة".
نحن لا نريد الإخوان إذن، سنثور وحدنا، ونقضي على الحكم العسكري، ثم نقابل الوحش في المستوى الأخير، ها نحن قد قررنا، وانتهى الأمر، من الآن، لا يوجد إخوان.

أحاول أن أتلقى تصريحات الرفاق بشيء من الجدية، لا أستطيع، أحاول مجددا، ما الذي يعنيه قدرتنا الخارقة على استبعاد الإخوان؟، هب أننا نجحنا بالفعل، لم نقتلهم نفرا نفرا، لكننا استبعدناهم، دسسنا لهم منوما ونزلنا الميادين وحدنا فاستيقظوا ليجدونا في القصر الجمهوري ... تكبير.

ما الذي يعنيه سقوط جسد ضخم مثل الإخوان المسلمين بكل حمولاته النفسية والاجتماعية والسياسية منهارا فوق جسم الدولة والمجتمع؟

كيف يمكننا التخطيط لمرحلة انتقالية عادلة يتجاوز فيها المجتمع ما لحق به من جراء عودة الجنرالات إلى سدة الحكم طوال عام ونصف؟

إلى أين يتجه عشرات الآلاف من الشباب الإخواني الذين يروننا كما نراهم، في الموقف من الثورة، وربما أبشع، فشلنا في غزوة الصناديق فاستقوينا بالعسكر، بعناهم في رابعة والنهضة، ورمسيس، والحرس الجمهوري، لم نكن على قدر المسئولية، تعجلنا، فوضنا، وافقنا على الدم، بررنا، لم ننزل طوال عام ونصف خوفا من الحكم العسكري وحرصا على حياتنا .... ؟؟؟

لماذا ينبغي على الإخواني، أن ينظر إلى مشاكله وحده، وهو يرى طرفا يدعي طوباوية زائفة، فيما يقع في أخطاء قاتلة، لا تقل بحال عما ارتكبه قادة الجماعة منذ 11 فبراير وحتى الآن، أو حتى يوم أن ندس لهم المنوم، ونستبعدهم؟!!

ما هو موقف آلاف الإخوان، وملايين المتعاطفين، من الدولة الجديدة، من مؤسساتها، من توجهها الذي لم يستشاروا فيه ولم يشاركوا، عنوة، في صياغته؟

هل يتحول الإخوان إلى أكراد آخرين، وإذا تحولوا فهل تتساوى النتائج، مع اختلاف السياقات، بالقطع لا، هناك أغلبية تركية، تضطهد أقلية كردية، وتحرمهم امتيازات المواطن، هنا أقلية مستقوية بشرعية ثورية، تحاول اضطهاد أغلبية لا تجد نفسها بعيدة عن هذه الشرعية، فيما تحاول الأقلية اضطهادها باسمها، وتضع "يافطة" الثورة لتبرير الاستبعاد ثم تتهم الآخرين بمحاولة ابتزازها في حال مقاومتهم .. هل يدرك الرفاق إلى أي سيناريو يمكن أن تقودنا معادلة كهذه؟ أم أننا ما زلنا نفكر على طريقة: نمشي مبارك الأول وبعدين ربنا يسهل!!

وإذا تجاوزنا منطق عبد الله فرغلي في ناصر 56، لنتحدث على الأرض، من يستبعد من، ومن يستغني عن من؟، نواجه دولة عسكرية تحكمنا تحت تهديد السلاح، معهم الإعلام، مؤسسات الدولة، رجال الأعمال، ملل الناس ورغبتهم في أي نوع من الاستقرار، معهم كل شيء، ولا نملك سوى حناجرنا، وبعض حلم، لا يتجاوز الأمل الخمسين بالمئة بأي حال إذا تحدثنا عن توحد لكل القوى التي صنعت يناير، فيما نحاول أن نستبعد أكثر من خمسين بالمئة من طاقتنا، تصفية لحسابات سياسية، وتطلعا لمواقف أكثر تطهرية، أم لنقل أكثر "مُحنا" وتوافقا مع أجندة العسكر؟

يحتاج عبد الله فرغلي أن يعلم أن عبد الناصر يحكم البلاد بالفعل، وأن الناس معه، وأن زملاءه الباشوات مجرد كروش تجلس على "فوتيهات" من ورق، ويحتاج الكثير من الرفاق أن يدركوا مبدئيا أنهم بشر، وليسوا مرشحين لانتخابات الألوهية، وأن الإخوان في الشارع منذ عام ونصف، وأن كلاما تافها من شأنه أن يفتش في نوايا آلاف الشباب الذين يدفعون يوميا ثمن أخطائنا جميعا، ويقرر بشكل قيمي لمن ينزلون: للجماعة أم للوطن، للثورة أم لمصالحهم؟، ويقرر أنهم خونة، وأنهم والعسكر سواء، كل هذا وغيره ربما لا يرتقي للمقارنة بوزارة الدولة التي يحاول فرغلي أن يحجزها لممدوح وافي بعد رحيل ناصر.

إن نقدا حقيقيا يطورنا، وينقلنا من المربع "حالم" إلى المربع "منفذ" هو أخطر ما ينتظر الدولة العميقة التي يحرص إعلامها دائما على البحث بين صفوفنا عن نماذج ترسخ هذه التطهرية وتدعمها وتدفع باتجاه عصمة المزاج الثوري، ونحن بدورنا، كبيرا وصغيرا، ننساق، ونردد، ونخشى الحقيقة، خشيتنا للمزايدات، ونصدق بالفعل أننا معصومون، ونتصرف وفقا لذلك.

بعضنا لم يزل في مرحلة الاحتلام السياسي، وهو فعل مشروع، ومتنفس طبيعي لغير القادرين، إلا أن الممارسة شيء آخر، فارحمونا.