كتاب عربي 21

عن المرزوقي الذي يشبهنا

1300x600
هذا المقال لن يتحدث عن المرزوقي كسياسي، ولا كرئيس مؤقت له ما له وعليه ما عليه، ولا عن أداء حزبه في الترويكا، ثم في الانتخابات البرلمانية الماضية، ولكنه سيتحدث عن المرزوقي المناضل الذي بقي مناضلا حتى بعد دخوله إلى قصر قرطاج، وعن الإنسان الذي يشبه التونسيين، ولا يتكبر عليهم، وعن العربي الذي يرى فيه الكثيرون من العرب رمزا لشيء يشبههم، ويستحق إعجابهم.

ولد المرزوقي في ريف قرمبالية في العام 1945، ودرس الطب الاجتماعي، ثم درّسه في جامعات تونسية وفرنسية. وإضافة إلى عمله كطبيب؛ فقد مارس النضال الحقوقي منذ ثلاثة عقود، وهو ما أدى لحصوله على عدة جوائز عالمية في مجال حقوق الإنسان.

ونظرا لنضاله الحقوقي، وإنجازه الفكري الذي وصل إلى 24 كتابا في الطب والفكر والسياسة والأدب، فقد اعتبرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية في العام 2012 المفكر الثاني من بين أكبر مئة مفكر على مستوى العالم، فيما صنفته مجلة تايمز الأمريكية سنة 2013 من بين المئة شخصية الأكثر تأثيرا في العالم.

كان المرزوقي محظوظا لأن بلاده تونس قدر لها أن تكون رائدة التغيير والثورة في العالم العربي، ولهذا فقد عاد مع آلاف المهجرين من التونسيين الذين كانوا قد اضطروا للعيش في المنافي هربا من قمع واستبداد نظام بن علي، وكان أن كافأه التونسيون باستقبال حاشد يليق بتاريخه النضالي حين عودته لبلاده بعد رحيل الرئيس المخلوع.

كافأه التونسيون أيضا بانتخاب حزبه الوليد بنسبة جيدة في الانتخابات التأسيسية الأولى التي عقدت بعد الثورة في أكتوبر عام 2011، وهو ما أهله للتحالف مع الحزب الفائز في الانتخابات آنذاك، حزب النهضة، ومع حزب التكتل الديمقراطي الذي يقوده المناضل مصطفى بن جعفر، حيث شكلت الأحزاب الثلاثة ما كان يعرف "بالترويكا" الحاكمة في تونس، ضمن اتفاق منح المرزوقي منصب الرئاسة.

على الرغم من الصلاحيات المحدودة للرئيس وفق "التنظيم المؤقت للسلط العمومية" الذي أقر بالمجلس التأسيسي التونسي، إلا أن المرزوقي سجل حضورا مميزا خلال السنتين اللتين جلس فيهما على كرسي الرئاسة، وظل صامدا وصلبا ومناضلا في مواجهة حملة إعلامية مشددة، صبت نيرانها ضده بشكل غير مسبوق.

خلال فترة حكمه، ظل المرزوقي ذلك المناضل الذي لم تغيره السياسة كثيرا، دون أن يعني ذلك أنه كان بدون أخطاء، أو أنه لم يمارس ألاعيب السياسة المعهودة، ولكنه ظل وفيا لمبادئيه الحقوقية والنضالية في أكثر من موقف، ظهر خلالها أقرب للمواطن العربي منه للرؤساء العرب، وهو ما منحه محبة واسعة، وشعبية كبيرة لدى قطاعات واسعة من الشعوب العربية.

اتخذ مواقف شعبية ضد استبداد النظام السوري، ووقف بشكل واضح ضد الانقلاب في مصر، وأطلق تصريحات واضحة غير مواربة في الأمم المتحدة وفي مناسبات دولية أخرى عن الحريات، والأسرى الفلسطينيين، وانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي، والانقلاب في مصر، وعن حق الشعوب بالتمتع بأنظمة ديمقراطية.

لم تسجل ضده اتهامات بالفساد أو التربح من المنصب، وظل يعيش كما يعيش التونسيون العاديون، ويلبس مثلهم، ويتصرف مثلهم، ولم ينفصل في برج عاجي عن شعبه، بل ظل قريبا منه كما يليق برئيس يشبه التونسيين، ويريد أن يظل كذلك حتى لو أتيح له أن يصل لقصر قرطاج مرة أخرى.

في حملاته الانتخابية الشعبية، لبس المرزوقي الجبة التونسية التي يلبسها التوانسة العاديون، رقص معهم وبينهم، احتضن مؤيديه من الشباب وغنى معهم، قاطعه المؤيدون دون استئذان، خرج على منصاته طلاب وطالبات ومطربون شعبيون وراقصون لم يفصلهم حاجز عن من يرونه رئيسهم ومواطنهم في ذات الوقت، والتحم في أكثر من مهرجان انتخابي مع المواطنين مباشرة، دون خوف مرضيّ من شعبه، ودون بحث عن بناء هيبة مدعاة.

رغم شراسة الحملة الانتخابية، لم يسئ المرزوقي لمن رفض انتخابه من الشعب كما فعل منافسه، ولم يشتم قطاعات من الشعب ومن الشهداء كما فعل منافسه أيضا، ولم ينحز سوى لتاريخه النضالي وللبسطاء الذين لا يبحثون عن رئيس/ نصف إله يصنع المعجزات، بل يحلمون برئيس يشبههم.

قد يكون الأداء السياسي للمرزوقي محل اختلاف، وقد تكون فترة رئاسته الانتقالية مليئة بالمشاكل والتحديات الطبيعية في مراحل الانتقال الديمقراطي، وقد يفشل الرجل في الدخول مرة أخرى إلى قرطاج، ولكنه بلا شك، استطاع أن يسجل اسمه في التاريخ العربي، كأحد الرؤساء القلائل العاديين، الرؤساء البشر غير المتألهين، الرؤساء الذين يشبهوننا، ونشبههم!