مقالات مختارة

سوريا.. إلى السلام دون أوهام

1300x600
لابد أن يكون من الواضح الآن بعد أربعة أعوام دامية في سوريا أنه إذا كنا بصدد إحراز أي تقدم والمضي قدماً لاستعادة السلام، فمن الضروري أن نتخلص من الأوهام والخيالات التي شكلت قدراً كبيراً من النقاش حول الصراع. ومنذ البداية، كان حتمياً، أن يتحول ذلك الصراع إلى حرب بالوكالة بين إيران وكافة الأطراف الأخرى التي تشعر بقلق عميق من طموحات الهيمنة الإيرانية.

وعلى رغم ادعائه أنه «قلب العروبة النابض»، إلا أن نظام الأسد كان على مدار عقود شريكاً رئيساً للمحور الإقليمي الإيراني. ولم يكتف فقط بمجافاة الدول العربية، ولكنه أيضاً أذكى نيران الطائفية في الداخل السوري وفي الدولة اللبنانية المجاورة. ولذا، كانت المواجهة نتيجة متوقعة في سوريا، بينما يرى الطرفان القتال على أنه يمثل تهديداً وجودياً على مصالحهما. وهكذا كان الوضع الحقيقي، أما تلك الحجج التي تقول «إن الأمر كان يمكن أن يختلف لو أن الولايات المتحدة دعمت المعارضة مبكراً» فتبدو جوفاء.

وقد تجاهلت دعوات التدخل الأميركي المبكر عدداً من الحقائق على الأرض. وأولئك الذين زعموا أن الولايات المتحدة لم يكن عليها سوى تقديم مزيد من الأسلحة إلى المعارضة، وأن ذلك في حد ذاته كان في مقدوره تغيير الموازين، مخطئون. فالروس الذين زادت حنقهم الجهود التي قادتها الولايات المتحدة في ليبيا، لم يكونوا راغبين في خسارة موقع قدم استراتيجي آخر لمصلحة الغرب. ونتيجة لذلك، كانت أية زيادة في قدرات المعارضة على شنّ حرب ضد نظام الأسد، ستسارع فقط من الدعم الإيراني والروسي لحليفهما في دمشق.

وعلاوة على ذلك، لم يكن أي دعم إضافي للجيش السوري الحر سيقنع الآخرين بعدم تحريك القتال في اتجاه شديد الطائفية، فوحشية نظام الأسد كانت كفيلة بذلك. وبمجرد أن بدأ ذلك الصراع، كان مقدراً له أن يكون طائفياً، وحرباً إقليمية بالوكالة في النهاية بين حلفاء روسيا والولايات المتحدة.

وبالنسبة لأولئك الذين طالبوا واشنطن بأن تشارك بصورة نشطة في القتال، إما من خلال استخدام قواتها الجوية لإقامة «منطقة حظر طيران» أو استغلال قواتها البرية في إقامة «ممرات إنسانية»، تجاهلوا أيضاً حقائق سياسية كثيرة، إذ إنه بعد الانتهاء من سنوات الحرب الفاشلة في العراق، أصبح شعب وجيش الولايات المتحدة قلقين وحذرين من أية تدخلات أخرى جديدة في الشرق الأوسط. وفي هذه الأثناء، كره الرئيس والكونجرس والشعب الأميركي -على رغم بعض دعوات «الصقور»- الالتزام بخوض صراع جديد لا نهاية له. وفي حين أمكن لمؤيدي الإجراءات العسكرية الأميركية أن يقترحوا تكتيكات، إلا أنه لم يمكنهم ترجمة ذلك في صورة استراتيجية تضمن الفوز، أو كيف يمكن أن ينهي التدخل -على أي مستوى- انزلاق الولايات المتحدة بدرجة أكبر في الصراع.

ومن بين الأمور التي تم تجاهلها أيضاً المفاهيم السلبية عن الولايات المتحدة في الدول العربية، لاسيما أن استطلاعات الرأي تظهر بصورة مستمرة معدلات تأييد أميركا عند مستويات متدنية بدرجة كبيرة في جميع دول المنطقة، وفي بعض الأحيان أقل من مستويات تأييد إيران. وربما أرادت المعارضة السورية وحلفاء واشنطن تدخلاً عسكرياً، ولكن أغلبية قوية، حتى بين أقرب الحلفاء العرب، أعربت عن معارضتها لأي تدخل عسكري تقوده الولايات المتحدة في سوريا. ومثلما شاهدنا في أفغانستان والعراق وليبيا، أياً كانت النوايا الأميركية، فالولايات المتحدة تعمل في ظل تأييد محدود جداً في المنطقة.

وكان لابد أن يكون واضحاً منذ أن بدأ ذلك الصراع، أنه لن يكون من السهل إنهاؤه. بيد أن الأوهام لا تزال موجودة بأن أحد الطرفين يمكنه ويجب أن يسحق الطرف الآخر. فنظام الأسد شيطن كافة أشكال المعارضة والمعارضين ووصمهم بالإرهابيين، الذين تجب هزيمتهم بناء على كافة الحسابات. وبالمثل، أدى إصرار المعارضة المطلق على أنه لا مفاوضات مع النظام إلى جعل الصراع «معركة صفرية»، وساعدت الولايات المتحدة على تعزيز هذا التوجه بإعلانها من البداية أن «الأسد يجب أن يرحل».

والحقيقة أن الأسد فقد الآن شرعيته لدى الأغلبية الساحقة من السوريين، وإن كان من الممكن القول إنه لم يعتبر أبداً رئيساً شرعياً بالنسبة لهم، وإن سلوكه الوحشي حدد مصيره لدى هؤلاء السوريين. وفي الوقت نفسه، لا يزال هناك جزء من السوريين، من بينهم بعض النخب الحضرية والمسيحيون والعلويون وأقليات أخرى، يعتبرون الأسد المدافع عن أمنهم ضد المعارضة التي يخشونها أكثر مما يخشون نظام «البعث».

وفي ضوء ذلك، من الضروري أن نضع الأوهام جانباً بشأن إمكانية انتصار أي من الطرفين، والأسوأ من ذلك، مفهوم أنه في حالة فوز أي منهما سيعم السلام والعدل والديمقراطية أرجاء الأرض، والواقع أن سوريا القديمة انتهت إلى الأبد، ولن يكون من السهل ظهور الديمقراطية على أطلال النظام القديم.

وأفضل ما يمكن أن نأمل فيه بعد أربع سنوات دامية من الصراع، هو أن تتضافر الجهود لوقف نزف الدماء على كافة الأصعدة، لا أكثر.



(نقلا عن صحيفة الاتحاد الإماراتية)