مقالات مختارة

الإرهاب والإنسانية

1300x600
كتب تولو قومش تكين: رغم أن الإنسانية لا زالت موجودة، إلا أن العمليات الإرهابية ارتُكبت، وللأسف لا زالت ترتكب!

واليوم بعد أن صغر العالم، وتوفرت وسائل الاتصال للجميع، صار بإمكاننا متابعة الجرائم السياسية فور وقوعها، كما أن عددها يزداد يوماً بعد يوم.. تزداد وسائل نقل الخبر، وتختلف نسبة نقل الخبر الصحيح، وتزداد نسبة نقل الخبر الخاطئ بشكل كبير. 

هجوم "تشارلي إيبدو" أصبح سبباً لانفعال العالم بشكل عام، والغرب بشكل خاص... هذا القسم مفهوم، ولكن المسألة لم تتحق عن طريق قيام منظمة إرهابية بالتخطيط لعملية كبيرة في الخارج، ثم التنفيذ داخل فرنسا.

لقد تحققت عن طريق أشخاص مهمشين ولدوا ونشؤوا في فرنسا، ولا يملكون إمكانية السفر إلى الخارج، ولكن يتواصلون عبر الإنترنت.

في دول الاتحاد الأوروبي تعيش أقلية مسلمة، وعلى رأس هذه الدول فرنسا، وألمانيا، وإنجلترا. ويمكن ضم بلجيكا، وأستراليا إلى هذا التصنيف؛ حيث تزيد نسبة السكان، وتقل نسبة المسلمين. أغلب هذه الأقلية المسلمة التي تعيش في هذه البلدان مندمجة مع الأغلبية، ولا ترغب بالتخلي عن جنسيتها، وتعمل على خدمة مجتمعها، ويستخدمون الجوامع والمساجد مقرات تنشئة اجتماعية في الوقت ذاته.

إن الاعتقاد بخروج منظمات إرهابية من هذه الأماكن هو اعتقاد صادر عن أشخاص لا يعرفون طبيعة المجتمعات الأوروبية.

فالأشخاص المنتسبون لمنظمات إرهابية، هم أشخاص لا يذهبون إلى الجوامع بشكل جماعات، بل هم أشخاص منبوذون في هذه الأماكن، يتواصلون عبر الإنترنت ولهم سوابق جنائية.

لقد تبين هذا في إنجلترا في أحداث 2005، والأمر ذاته حدث الآن في فرنسا، فعندما ننظر من هذه الناحية نجد أن القضية ليست قضية دينية.

أعداء المسلمين يحاولون استخدام مثل هذه العمليات الإرهابية لنشر الخوف من الإسلام بين المجتمع، ولكن من الواضح أن الجزء الأكبر من المجتمع الأوروبي يرفض فكرة "الخوف من الإسلام".

المشكلة الحقيقية يمكن تلخيصها بأنها انعكاس الظلم على كل المجتمعات. الإرهاب لا تمارسه الميليشيات القليلة، بل يمكن للدول أيضاً أن تمارس الإرهاب.

لقد سبب مقتل الأشخاص في باريس، ومقتل أكثر من ألفي شخص في نيجيريا، ومقتل المئات تحت القصف في غزة صدمة قويةً للعالم.

بعض هؤلاء الأشخاص الذين أصابتهم الصدمة، المنبوذين في المجتمع، والمريضين روحياًن استخدموا "الانتقام للقتلى" مبررا، واجتمعوا بشكل منظمات إرهابية، وهذه المنظمات الإرهابية التي تصنعها الدول قد تكون أكثر إجراماً.

أكثر الأشخاص الذين يقومون بعمليات إرهابية بشكل منفرد هم أشخاص فقراء، لا يستطيعون تأمين احتياجاتهم الأساسية، لكنهم يسافرون عبر البحار، ويحملون أسلحة باهظة الثمن، فهذا الممول لا بد أنه من الطبقة الغنية التي تمتلك أسهل أنواع الدخل المتمثل بالبترول.

عندنا ننظر من هذه الناحية في هذا العالم الذي يصغر يوماً بعد يوم، نرى أن الدول الديمقراطية المتقدمة لكي تستطيع حفظ أمنها وسلامها لم تعد تستطيع ألا تتدخل في الدول النامية.

إن دمار سورية وتحولها إلى بحيرة دماء يستطيع أن يختلق المشاكل على بعد آلاف الكيلومترات في فرنسا.

لقد أصبحت الحرب مع الإرهاب تعني بشكل عام الحرب مع الظلم والعنف والرعب في أي مكان في العالم. أصبح بإمكاننا تقدير القرن الواحد والعشرين بهذا الشكل.

(عن صحيفة صباح التركية 19 كانون الثاني/ يناير 2015، مترجم خصيصا لـ"عربي21")