كتاب عربي 21

إلى الجفري لأني أحبه: عن أي دين تحدثوننا؟

1300x600
أيها الحبيب، تعلم مدى احترامي وتقديري، وتعلم أن لك في القلب مكانة، قلت لي بالحرف الواحد قبل 30/ 6 إنك لست ثوريا، لم تُخف شيئا، ولم تدع ما ليس فيك، في اليوم نفسه: قلت إنك بكيت في غرفتك بالفندق حين رأيت الإسلاميين بستاد القاهرة يكفرون معارضيهم، تحركت دموعك غيرة على دينك، كيف يتخذون من الإسلام سلما للوصول إلى مآربهم السياسية، صحت أم لم تصح، لا يجوز لهم، قلت إنك تخشى على قلبك من قذر الكراهية، لكنك لا تملك أن تحبهم، قلت كلاما كثيرا زادني فيك حبا، واحتراما.

كانت رسالة برنامجك في هذا العام هي تجاوز الثنائيات، تلك الاستقطابات التي تجاوزتها الإنسانية، بين يمين ويسار، وديموقراطية وكهنوتية، ومثالية وواقعية، ويقينية ونسبية، وأبيض وأسود، هذه الحديات المتباعدة عن روح المستقبل، كان هذا هو الموسم الثالث من برنامجك الرمضاني آمنت بالله، كنا هناك، نعمل معا، وننظر إلى المستقبل بعين الترقب والأمل.

رأيتك بعدها، ورآك العدو قبل الصديق، محمولا على ظهر دبابات 3/ 7، تورطت بالثنائيات، انحزت لخصوم الإسلام السياسي، لا لمستقبل تجاوز الثنائيات، انحزت لماض آخر، مساو في المقدار ومضاد في الاتجاه، لقوة السلاح، رأيناك ترفع الروح المعنوية للقتلة، رأيناك بجوار شيخ "اضرب في المليان"، رأيناك وقد تجردت لتحريك خطابات ناقدة للإسلام السياسي لا في مسارات البحث العلمي إنما في مسارات تعزيز القتل، وتوطيد العنف والكراهية، أي قذر كنت تخشاه، وهو الآن يعلو ولا يعلو عليه في خطاباتك، وإطلالاتك؟، ثم رأيناك أخيرا وأنت واقف أمام السيسي فيما يتخذ هو من إسلامك سلما لتمرير سياساته مثلما فعل الإخوان من قبل في ستاد القاهرة، الفارق أننا لم نر هذه المرة دموعك الغيورة على دينك الذي لا يستحق أن يبتذل في ساحات القتلة والمجرمين، رأيناك تهش للرجل، ضاحكا مستبشرا، رأيناك.

تخبرني عن اهتمام مركز طابة الذي تشرف عليه بموضوع الإلحاد في الوطن العربي، وتعزو الأمر في معظم مقارباتك وتحليلاتك إلى هوس الخطاب السلفي الوهابي، خصومك الفكريين، والعقديين، تراهم سبب الإلحاد، وهم كذلك، لكنك لا ترى الآن نفسك، وخندقك، وصفك، وانحيازاتك، لا ترى كم من الملحدين يتخذ من مواقفكم مبررا لضياعه، لا ترى كم من المرارات مرت من ثغوركم، وأُتي الإسلام منها.

عن أي دين تحدثون الناس، وتحدثوننا؟ وإلى أي دين تريد أن يهجر الناس التدين الحركي؟ إلى دين السلطان؟ أم إلى دين العزلة والتسليم لمن غلب؟ إلى دين يقلب أصحابه في كتب التراث كي يجدوا نصا لقيطا هنا أو هناك يشرعنون به للطغاة جرائمهم؟ أم إلى دين يضرب على يد الظالم ويأخذ الحق منه للمظلومين، وينحاز إلى المستضعفين في الأرض من الرجال والنساء والولدان؟

إن الله يأمر بالعدل والإحسان، فهل من العدل أن يدفعك أخوك فتقتله؟ وهل من الإحسان أن تكره من دفع بيديه، ولا تكره من قتل ببندقيته؟ من ماتوا في رابعة ليسوا منظري الإسلام السياسي الذي قلت إنك تكرهه، ولا هم حتى من صرخوا بتكفير خصومهم في الستاد فأبكوك، هم الناس، العوام، الذين صدقوا، ونزلوا لنصرة ما تصوروه دينهم، وبدلا من أن نأخذ بأيديهم إلى الفهم، أخذناهم إلى المحرقة، ثم أنت الآن سهم في جعبة من أحرقهم، قل لي بالله عليك، ما الفرق بين حرق الدواعش لمعاذ الأردني، وحرق السيسي للمصريين في رابعة؟

لستَ عالما منفصلا عن واقعك كي أخبرك ماذا فعل الحكم العسكري بالإنسان المصري وماله، وعرضه، ودينه، وأمور معاشه كلها، كما أنك لست شيخا منغلقا على معارفه الشرعية كي ألفت نظرك إلى الانحيازات الاقتصادية، لمن تعزز من مواقفهم وتقف إلى جوارهم، كن غير ثوري كما يحلو لك لكن لا تضع عمامتك في حجر قاتل، لا يراك الناس وقد وقفت بين يدي مجرم، تبادله ابتساما بابتسام، قلبك مع الحسين وسيفك في يد قاتله.

أعرف أن ثمة حيلا شرعية كثيرة يمكنها أن تجعل من الدم المسفوك ظلما وزورا بغير نفس ولا فساد في الأرض قربانا لله، ومحلا لطاعته ورضاه، كذلك فعل كل القتلة والمجرمين عبر تاريخنا من بني أمية وبني العباس، أعرف ذلك وأفهمه، فاعرف أنت وافهم أن الأمر أكثر وضوحا من أي حيلة، شيماء الصباغ ليست إرهابية كي تساند قاتلها، سندس رضا ليست إرهابية كي تقف إلى جوار من أطلق عليها الرصاص، الآلاف من السجناء ومعتقلي الرأي من كل التيارات، ودموع الثكالى، من أمهاتهم، أهلهم، ذويهم، ليسوا على مقاس فتاوى شرعنة الاستبداد، واستئصال شأفة العباد، بما لا يخالف سوى شرع الله، أنت الآن مع هؤلاء، بخطابك، وشرعيتك عند محبيك، والمشكل الذي يستدعي كتابة هذا المقال ليس أنت إنما شرف عمامتك، هذا ما يأخذ الناس عن دينهم، أن يجدوا فيكم ما يعف القلم عن وصفه، وتأبى علي نفسي أن أنسبه إليك، فقلها لله مجردة لعلك تكسب بها مع نفسك آلافا من المصدومين، وترد لهم ثقتهم في كلمة حق لم تضع، وما زالت تجد من يحملها فتحمله، فهل تفعل؟