كتاب عربي 21

مصر التي في خاطري لا تخوض حربًا بالوكالة

1300x600
"يجري التنسيق حالياً مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج الشقيقة بشأن ترتيبات المشاركة بقوة جوية وبحرية مصرية، وقوة برية إذا لزم الأمر، في إطار عمل الائتلاف، وذلك دفاعاً عن أمن واستقرار اليمن، وحفاظاً على وحدة أراضيه، وصيانةً لأمن الدول العربية الشقيقة".

هذا نص البيان الذي أصدرته الحكومة المصرية لتؤكد من خلاله المشاركة في الضربة الخليجية لمعاقل الحوثيين في اليمن، يقول الكلام الرسمي إن المشاركة المصرية دافعها دعم الشرعية وصيانة الأمن العربي، ويقول الخبراء إن المشاركة هدفها تأمين مضيق باب المندب لضمان انتظام حركة الملاحة في قناة السويس، ويقول المحسوبون على تيار الإسلام السياسي (الرسمي والمارق) إن المشاركة لمنع إيران من السيطرة الكاملة على اليمن ومن ثم التصدي للمد الشيعي.

ولكي نفهم السبب الحقيقي للحرب، علينا أن نطرح كل هذه الأسباب المعلنة، ونُخضعها لأحكام المنطق.

1- هل تخوض مصر الحرب دفاعا عن شرعية "هادي"؟

الدفاع عن الشرعية آخر سبب يمكن أن يدفع نظام مطعون في شرعيته أصلا لخوض حرب، ثم إن مصر التي واجهت عاصفة دولية تطعن في شرعية عزل محمد مرسي، واجهتها وقتها بأنه شأن داخلي لا يجوز لأحد التدخل فيه، ولو بالتصريح أو التلميح، هي ذاتها مصر التي تحرك جيشها الآن دفاعا عن شرعية رئيس دولة أخرى يواجه أزمة مع قطاع من شعبه.

نعم، فالحقيقة أن اليمن لم يتعرض لغزو خارجي أو حرب من دولة أخرى، وكم من دولة عربية تعرضت لغزو خارجي، ولم تجد من يدافع عنها، السلطة اليمنية تواجه فصيلا من الشعب، فأيًا كان انتماء الحوثيين أو ولاؤهم، فإنهم يبقون مواطنين يمنيين جلس الرئيس عبد ربه منصور بنفسه معهم على طاولة حوار، ووقع وثيقة تضمن إشراكهم في السلطة.

إذن، فالأمر يمني داخلي بحت، وحتى إذا طلب الرئيس اليمني تدخلا عسكريا عربيا لإنقاذ نظامه من السقوط، فإن ذلك لا يعني أن تخوض مصر حربا في من أجل شرعية رئيس عربي في هذا التوقيت، وهي التي قالت لكل من طالب بتحرك عسكري لمواجهة سد النهضة الذي يهدد مصر بالعطش إننا في وضع لا يسمح لنا بخوض حرب، وإن الجلوس على مائدة المفاوضات مع إثيوبيا أوقع وأأمن.

2- هل تخوض مصر الحرب دفاعا عن الأمن العربي؟

منذ متى تواجه مصر والدول العربية أي خطر يهدد الأمن العربي بتحريك الجيوش؟ ولماذا لم تكتف كالعادة ببيانات الشجب ومطالبة كل الأطراف بضبط النفس؟

تتعرض كثير من الدول العربية لأزمات مماثلة، فليس حال ليبيا وسوريا والعراق بأفضل من حال اليمن، وطالما طالب الائتلاف الوطني السوري الذي يعترف به العرب والعالم ممثلا وحيدا وشرعيا للشعب السوري، تماما كما يعترف بمنصور هادي، الجيوش العربية بمساندته في مواجهة نظام بشار الأسد وتنظيم داعش، لكن لم يستجب أحد لهذه النداءات، إلى أن وصلت الأمور هناك لنقطة اللاعودة.

حتى عندما تعرض الأمن المصري لتهديد مباشر من تنظيم داعش في ليبيا اكتفت مصر بضربة جوية واحدة، واكتفت بقية الدول العربية بالمشاهدة، فما الذي تغير الآن لتشارك مصر جويا وبحريا في حرب اليمن، بل وتعرض المشاركة البرية؟

3- هل تخوض مصر الحرب من أجل مضيق باب المندب؟

سألت جريدة "المصري اليوم" محمد علي الحوثي في حوارها معه قبل أسابيع قليلة: تعلمون ما يمثله باب المندب من أهمية استراتيجية لمصر، فهو بوابتها الجنوبية، وأمنه مرتبط بأمن قناة السويس، فكيف تضمنون لمصر الأمن في باب المندب إذا سيطرتم عليه؟

وكانت إجابة الحوثي كالتالي: "مصر هي استراتيجياتنا في الدفاع عن قضايانا وقضايا أمتنا العربية، والمصريون هم من يقومون بالوقوف إلى جانب الضحايا والمستضعفين، وما يقال من أن هناك طموحا للسيطرة على باب المندب (من قبل الحوثيين) لتهديد قناة السويس مجرد حديث مرسل في الصحافة والإعلام، فنحن نعلم جيدا أن لكل شعب مقومات يحافظ بها على سيادته. والشعب المصري هو شعب عظيم وقوي، وتعلمنا على يد رجاله ومدرسيه الذين أتوا إلى اليمن. ونتطلع إلى أن يتفهم الشعب المصري والرئيس عبد الفتاح السيسي أننا لسنا أعداء لأى شخص".

لا يمكن النظر إلى إجابة "الحوثي" على أنها مراوغة، لأن الحوثيين يعلمون أن أي تحرك منهم في سبيل السيطرة على مضيق باب المندب أو تهديد السفن المارة من خلاله، أكبر بكثير منهم، ويعني أنهم سيعادون العالم كله، وسيدفعونه للتحرك دفاعًا عن تجارته الدولية، باب المندب لا يخص مصر وحدها، فإذا كانت مصر مهددة بخسارة رسوم المرور في قناة السويس حال غلق المضيق، فإن تجارة دولية قوامها مليارات الدولارات يوميا ستكون تحت التهديد، وهذا كفيل بتحريك العالم كله ضد جماعة قوامها عدة آلاف.

هو أمر لا تتحمله الجماعة، وقطعا لن تسعى إليه.

4- هل تخوض مصر الحرب لمواجهة خطر المد الشيعي والإيراني؟

في اليوم ذاته الذي بدأت فيه الضربات الجوية على معاقل الحوثيين، كان وزير الخارجية الأمريكي على موعد مع نظيره الإيراني للتباحث حول ملف طهران النووي، هذا يعني أنه سواء سيطر ممثلو إيران على اليمن أو لا، سيبقى الأمر جزءا يسيرا من سياسة طهران الخارجية لا يتوقف عليه طموحها في المنطقة، وحتى إذا خرج الحوثيون خاسرين من هذه الحرب، لن يمثل ذلك خسارة فادحة لإيران، فقط ستخسر أحد أوراق اللعبة دون أن تخسر اللعبة.

إذا كانت مصر راغبة فعلا في مواجهة المد الشيعي، كان يمكنها فعل ذلك من خلال قوتها الناعمة المتمثلة في مؤسسة الأزهر، الأزهر الذي طالب شيخه بوضوح في المؤتمر الإسلامي العالمي في السعودية الشهر الفائت بضرورة إذابة الخلافات بين الملل وعدم التطاحن بين المذاهب في سبيل مواجهة عدو مشترك اسمه الإرهاب، الأزهر الذي يحوّل البلد الذي يحتضنه الصراع في اليمن الآن إلى صراع طائفي مذهبي تُخاض من أجله الحروب.

الساحة اليمنية هي ساحة للصراع المباشر بين السعودية وإيران، ولا تمس مصر بشكل مباشر، والدليل أن كل الاتفاقيات وجولات الحوار السابقة وحتى وثيقة تنازل علي عبد الله صالح عن الحكم كانت برعاية خليجية "سعودية"، ولم يتم إدخال مصر خلالها طرفا فاعلا في المعادلة، فلماذا يتم استدعاؤها الآن طرفا أساسيا في الحرب؟

***

إذا كانت الإجابة على كل الأسئلة السابقة بـ"لا"، فما هو دافع مصر الحقيقي من المشاركة في هذه الحرب؟

لا دافع من خوض هذه الحرب -من وجهة نظري- سوى رد الجميل للخليج على دعمه المالي لمصر، وانتظارا لدعم أكبر بعد خوضها.

12 مليار دولار تعهدت بها دول الخليج في المؤتمر الاقتصادي الأخير ستكون في مهب الريح إذا لم تشارك مصر في الحرب، ومليارات كثيرة أخرى قد تضاف إليها في حالة المشاركة.

يريدون تحويل مصر السيسي إلى "بودي جارد" يحميهم ويتلقى الضربات عنهم مقابل راتب شهري، يملكون طائرات متطورة ودبابات باهظة الثمن، لكنهم جرّبوا كيف يمكن لبأس الجندي المصري أن يحسم المعارك، يدركون حاجتها للمليارات، فيغازلونها بها، وينتظرون المقابل، لكن الأكيد أن مليارات الخليج كلها لا تساوي -إذا ما قورنت بحياة جندي مصري واحد- جناح بعوضة.

مصر كبيرة، مصر قوية، مصر لا تخوض حربا بالوكالة.