صحافة دولية

ليبراسيون: إيران تسعى لاستعادة الإمبراطورية الفارسية

حشود إيرانية تستقبل وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف بعد الاتفاق النووي - أ ف ب
نشرت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية تقريرا حول أبعاد الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران والدول الغربية، قالت فيه إن هذا الاتفاق يعطي لإيران مزيدا من القوة السياسية، ويشجعها على توسيع تأثيرها الثقافي والديني في الشرق الأوسط.

ونقلت الصحيفة عن زعيم الدروز اللبناني وليد جنبلاط قوله، بحسب التقرير الذي ترجمته صحيفة "عربي 21"، أن الحكام العرب يشعرون بعودة الفرس إلى واجهة الأحداث في المنطقة، "فملك الفرس سايروس العظيم وجيوشه يتقدمون في بلاد ما بين النهرين، ويسيطرون على سوريا، ويملكون ذراعا قوية في لبنان، وهم بصدد الاستحواذ على اليمن، كما أنهم جاهزون لإغلاق مضيق هرمز".

وأضافت الصحيفة أن البرنامج النووي الإيراني كان محل متابعة كبيرة في العالم العربي، وأثّر على التحالفات والعلاقات القائمة بين المملكة السعودية والولايات المتحدة و"إسرائيل"، وبقية دول الخليج العربي، "لأن بلوغ طهران لهدف تصنيع قنبلة نووية تعزز من قدراتها العسكرية القوية أصلاً؛ يعد كابوسا مرعبا بالنسبة لهذه الدول".

وذكرت الصحيفة أن إيران تصالحت مع ماضيها التوسعي في عهد الرئيس على أكبر هاشمي رفسنجاني، "فالزعيم الذي سبقه - وهو علي خامنئي الذي شغل منصب الرئيس والمرشد الأعلى - كان يعد مدينة برسيبوليس الأثرية رمزا للحضارة الفارسية القديمة، ورائعة من روائع الإنسانية، ولكنه يراها في الوقت نفسه؛ رمزا للإمبريالية، ووجها مظلما لتاريخ إيران، بسبب ما وصفه بتجبر أباطرتها".

وأشارت إلى أن المعادلة تغيرت مع رفسنجاني بعد أن أصبح في نيسان/ أبريل 1991 أول قيادي ورجل دين من جيل الثورة الإسلامية يزور برسيبوليس، وقد قال حينها: "في وسط هذه الأنقاض التي تعود لآلاف السنين؛ شعرت بأهمية الكبرياء والكرامة الإيرانية، وبضرورة تقوية هذه المشاعر.. يجب على شعبنا أن يعلم أنه ليس بلا تاريخ"، وهي كلمات وصفتها الصحيفة بأنها "ليست لرجل دين، بل تعبّر عن رجل دولة يحلم بإحياء أمجاد بلاد فارس القديمة، على غرار ما حلم به الشاه من قبله".

وأضافت الصحيفة أن "حلقات التاريخ الفارسي لم تدر أغلب أحداثها داخل الحدود الحالية لإيران، وإنما في العراق المجاور الذي كان جزءاً من الإمبراطورية الساسانية"، لافتة إلى أن هذا الارتباط يعود اليوم ليفرض نفسه مع تقدم الميليشيات الشيعية والجيش العراقي لاستعادة مدينة تكريت من أيدي تنظيم الدولة، بقيادة الجنرال الإيراني قاسم سليماني الذي يدير المعركة.

وفي هذا السياق؛ نقلت الصحيفة عن الوزير الإيراني السابق، مستشار الرئيس الحالي، على يونسي، قوله إن "إيران تدافع عن كل شعوب المنطقة؛ لأنها تعتبرهم جميعا جزءا من إيران، وتقف ضد التطرف الديني والإرهاب والإلحاد والغرب والصهيونية".

وصرح علي يونسي خلال مؤتمر حول الهوية الإيرانية؛ بأن إيران أصبحت إمبراطورية كما كانت في العصور الماضية، وأن مدينة بغداد هي عاصمتها الحالية، وأن هذه المدينة تمثل كما كانت في السابق مركز الحضارة والثقافة والهوية الفارسية. ويُذكر أن السلطات الرسمية نفت صدور هذه التصريحات، وأكدت أنها حُرفت وأخرجت عن سياقها.

وقالت الصحيفة إن إيران اليوم في مركز الأحداث بأربع دول عربية، "ففي العراق أدى تدخلها المباشر في معارك تكريت، ودعمها غير المباشر لعشرات المليشيات الشيعية؛ إلى كبح جماح توسع تنظيم الدولة، وإثنائه عن مهاجمة بغداد.

أما في سوريا؛ فإن مليشيات حزب الله والضباط الإيرانيين يمنعون انهيار نظام بشار الأسد، حيث صرح أحد قادة الحرس الثوري الجنرال حسين حامداني قبل عام؛ بأن بشار الأسد يلعب فقط دور المساعد في الحرب السورية، "وهو تعبير أراد من خلاله أن يبين أن إيران هي التي تخطط للعمليات وتتخذ القرارات".

كما أن إيران حاضرة بقوة في لبنان من خلال حزب الله الذي أصاب اللعبة السياسية اللبنانية بشلل تام في الوقت الحاضر، من خلال تعطيل الانتخابات البرلمانية وتعيين الحكومة.

أما في اليمن الذي كان في يوم من الأيام جزءا من الإمبراطورية الفارسية؛ فقد اعتبرت الصحيفة أن التدخل الإيراني يبدو أقل جرأة ووضوحا، "ولكن جدالاً في هذا الشأن يدور الآن داخل صفوف الحرس الثوري، وهناك انقسام بين من يفضلون الذهاب مباشرة لمواجهة مسلحة مع المملكة العربية السعودية؛ لأنهم يعدّون تدخلها في اليمن فرصة ذهبية لمواجهتها والانتصار عليها، بينما يفضل آخرون التزام الحذر وعدم الذهاب لحرب يمكن تجنبها، وخاصة بالتزامن مع التقدم الذي أحرزته إيران في الملف النووي".

وقالت الصحيفة إنه بالإضافة للعزيمة والإصرار اللذين تظهرهما إيران وحلفاؤها؛ فإن تنامي قوة تنظيم الدولة يمثل عاملاً إضافيا مساعدا لإيران، فقد دفعت الهمجية والعنف اللذان أظهرهما هذا التنظيم إلى زعزعة استقرار المنطقة، وتهديد مصالح الجميع، ما جعله يصبح العدو رقم واحد للولايات المتحدة، وبالتالي لم تعد محاربة إيران على رأس أولوياتها.

واستفادت إيران من البرود وغياب الثقة الذي شاب العلاقات السعودية الأمريكية مؤخرا، بسبب علاقة الفكر الديني الذي تصدّره السعودية لكل أنحاء العالم الإسلامي؛ بصعود تنظيم الدولة، وظهور عدة مجموعات مسلحة في أنحاء العالم الإسلامي.

وختمت الصحيفة بالقول إن "الطموحات التوسعية الإيرانية ليست في طريق مفتوح، وإن الإمبراطورية الفارسية تبقى حلما صعب المنال"، بسبب المقاومة الشديدة التي يواجهها المشروع الإيراني في العراق وسوريا واليمن.

* تقرير: جون بيار بيران- صحيفة ليبراسيون الفرنسية، ترجمة حصرية لـ"عربي21"...
الرابط:
 https://www.liberation.fr/monde/2015/04/03/teheran-a-la-reconquete-de-son-empire_1234743