قضايا وآراء

أهداف التحالف التي يسعى لها

1300x600
لم يكن موقف السوريين من ضربات التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة عبثيا أو عاطفيا؛ إذ استشعر السوريون منذ إعلان التحالف المآلات والأخطار التي سينتهي إليها، وأدركوا الأهداف الحقيقية غير المعلنة، والظاهرة للإعلام، وقد أثبتت الإفرازات صوابية موقف الشارع الثوري في سوريا.

وتشير النتائج على الأرض، بعد آلاف الطلعات الجوية التي تكاد تكمل العام، فشلها في تحقيق الأهداف المعلنة، فتنظيم الدولة أقوى من السابق، وما زال يتمدد ويسيطر على مساحات واسعة وثروات تزيد من قوته فضلاً عن ترسيخ التنظيم لسلطته، ولم يقتصر هذا الأمر على سوريا، إنما امتد للعراق.

لن نتحدث عن الأسباب الموضوعية، وخطأ المعالجة الذي أدى لهذه الحال، لأن من يلم بألف باء السياسة يدرك أنَّ تهميش دور أهل السنة بالعراق ودعم الاستبداد أو تركه والتخلي عن الثورة الشعبية في سوريا، واستثناء بشار من ضربات التحالف، بل محاولة إعادة إنتاج نظامه، كانت ستفضي حتماً لفشل التحالف وتمدد التنظيم.

ويبدو أنّ الدول العربية أكبر المخدوعين والمتورطين بهذا التحالف؛ لأنه وبصراحة حقق جملة من الأهداف والنجاحات الأمريكية التي لا تصب في مصلحة الأمن العربي الاستراتيجي، فتنظيم الدولة وصل السعودية وبدأ التفجيرات، وتمدد على حدود السعودية والأردن، وربما يقدم التنظيم على غزوات -كما يسميها- على هذين البلدين.

فلا يصدق عاقل أنَّ التحالف المؤلف من أكثر من 60 دولة بزعامة أمريكا عجز أو فشل في القضاء على تنظيم حديث النشوء نسبياً!. إنّ أمريكا -فيما نزعم- نجحت أيما نجاح -وما زالت- في تحقيق الأهداف الخفية بقدر فشلها في تحقيق الأهداف المعلنة، وإلا كيف نفسر استثناء الأسد من الضربات رغم إقرار أمريكا أنّ زوال التنظيم يبدأ برحيل بشار؟! وكيف نفسر السكوت بل والرضا بالممارسات الطائفية للمليشيات الشيعية في العراق، وقبول الدور الإيراني السلبي وجعل العراق وسورية نهباً لها.

تريد أمريكا صراحة إنهاك تنظيم الدولة دون إنهائه؛ لأنه حقق ويحقق لها جملة أهداف استراتيجية في السياسة الأمريكية فيما يخص مستقبل المنطقة، إذ يسهم التنظيم حالياً باستنزاف إيران من ناحية، وتشكل الحرب عليه ورقة ضغط في يد الولايات المتحدة في مفاوضات النووي، فأمريكا ستحصل من إيران على تنازلات في سبيل إطلاق يدها في العراق ضد تنظيم الدولة، كما يسهم التنظيم في خلق فوضى هدامة في المنطقة تؤدي حتماً لابتزاز دول الإقليم المهددة من قبل التنظيم أمريكياً.

ويبدو أنّ أخطر ما تنجح أمريكا في تحقيقه من إطالة عمر التنظيم زيادة أوار الفتنة العرقية والطائفية بين مكونات البلد الواحد، وستؤدي هذه الفتنة في نهاية مطاف تمدد التنظيم، وانحسار الأسد المهزوم للساحل، لتحقيق المشروع الاستعماري القديم الجديد. وللأسف فإنّ مشروع التقسيم الجديد سيرى النور إذا مضى السيناريو لنهايته المرسومة على يد أبناء الوطن.

فلا غرو أنّ تفاصيل ومخطط ضربات التحالف تعطي مؤشراً واضحاً لهذا السيناريو، فبالإضافة لما ذكرنا بداية نجد عملية انتقائية للأهداف وبحرفية عالية، فالتحالف بقدم دعماً للأكراد ضد التنظيم، وحجم عن تقديم أي دعم للثوار ضد التنظيم، رغم أنَّ الثوار يحملون مشروعاً وطنياً جامعاً خلاف القوات الكردية المدعومة، ورغم خوض الثوار معارك شرسة ومصيرية ضد التنظيم في الريف الشمالي وفي القلمون وفي درعا وفي القنيطرة.

ويلحظ المتتبع لدعم التحالف للقوات الكردية أن الدعم يتبعه تهجير وإفراغ للمنطقة من المكون العربي لوصل المناطق الكردية مع بعضها لإنشاء كيان كردي مستقل ومتماسك، وسيقابل ذلك السماح بتمدد التنظيم في المناطق السنية، ومنع الثوار من التوجه للساحل، وليس إشغالهم بالريف الشمالي والإحجام عن دعمهم إلا خدمة لهذا المخطط، ما يمهد ويمكن الأسد من إنشاء دولة علوية في الساحل، وستدفع اعتداءات التنظيم على الدروز لشعورهم بالخوف على وجودهم، وبالتالي المطالبة بحماية دولية، ودولة درزية.

وبناء الدول الجديدة على انتماءات عرقية وطائفية لن يزيل الاحتقان، بل سيزيده، وسيجعل المنطقة على فوهة بركان قابل للانفجار في أي لحظة، وستبدو إسرائيل حينها مكوناً طبيعياً بين هذه الدول الناشئة، بل ستكون أقدمها وأكثرها تماسكاً، وبالتالي يتحقق أمن إسرائيل المستقبلي.

لا نتشاءم هنا، فواقع الثورات العربية أثيث أنّ الولايات المتحدة لا تؤيد انتصار إرادة الشعوب، لأن ذلك سيؤدي لسير المنطقة على طريق حركة التاريخ الطبيعية، وبالتالي انحسار نفوذ الولايات المتحدة، وتهديد إسرائيل التي تمثل كياناً طارئاً على المنطقة والتاريخ، وما تمسك إسرائيل بالأسد على لسان رئيس الموساد السابق أفرايم هاليفي بقوله " إن بشار الأسد هو رجل تل أبيب في دمشق" إلا دليل على ذلك.

لا نتبنى هنا نظرية المؤامرة، ولا نتنبأ بمستقبل بعيد، إنما نناقش مفرزات واقع نعايشه ونتلمسه، ولا تُلام أمريكا في مسعاها أو مخططها، إنما تُلام الدول العربية التي تسخر ثرواتها لتدمير نفسها من خلال السير وراء أمريكا على غير هدى، أي يجب على الدول العربية والدول الإقليمية التي لا تملك أطماعاً في المنطقة أن تتكاتف مع بعضها لرسم مستقبل المنطقة بما يحقق رخاء أبناء المنطقة.