مقالات مختارة

حرب الهويات دخلت تركيا بعد 7 حزيران

1300x600
كتب إبراهيم قرة غل: يجري في جنوب تركيا العمل على مشروع يسعى لقطع الاتصال بشكل نهائي بين تركيا وسوريا والعالم الإسلامي ولا يترك لتركيا أي مجال حتى للتنفس. ويبدو أن الانشغال المكثّف في الداخل التركي قبل 7 حزيران والنتيجة التي ظهرت في 8 حزيران والإبهام الذي يحيط بالحكومة التي ستُشكّل والإشارات التي تدل على أن تركيا ستنشغل بنفسها لفترة قد تطول واكتساب حزب الشعوب الديمقراطي/حزب العمال الكردستاني قوة سياسية.. كل هذا سيقود تركيا نحو المجهول.

هذا المشروع الذي بدأ تطبيقه مباشرة بعد الانتخابات أصبح يرسم هلالا في المنطقة الممتدة من العراق حتى البحر المتوسط. وتجري الآن تهيئة المنطقة للخطوة التالية، وهي التنظيمات الديموغرافية والتهجير، ويجري العمل على تخليد هذا الهلال. إنها ليست احتلالا لمناطق البترول بل هي مشروع تدخّل سياسي جغرافي.

فمن الخارج، يبدو أنه مشروع يسعى لنقل تمديد بترول العراق حتى منطقة البحر المتوسط، ولكنه في الحقيقة مشروع طويل الأمد يسعى لتغيير خريطة القوى في المنطقة بأكملها وتحديد قوة الدول القوية كتركيا. وهو مشروع يتعدى القومية الكردية فقط.

وإذا نجح هذا المشروع فإنه سيكون الفخ الأكبر الذي نُصِب لتركيا منذ احتلال العراق. ومن جهة أخرى فإن هذا المشروع سيُضعف المعارضة السورية ويوحّد النظام السوري وحزب الله وحزب الاتحاد الديمقراطي وداعش في جبهة واحدة. وهنا يظهر لنا أن الأمر يتعدى القومية الكردية ليصل إلى اتحاد التنظيمات.

ماذا يمكن لتركيا أن تفعل مقابل ذلك؟

تركيا التي كانت تتبع سياسة خارجية ذكية جدا منذ عشر سنوات، هل ستتمكّن من اتّباع السياسة نفسها بعد الآن؟

هنا يكمن جواب السؤال. إذا تم تشكيل تحالف بأغلبية حزب العدالة أو أُجريت انتخابات جديدة وفاز بها حزب العدالة والتنمية، فيمكن القول إن تركيا ستتمكّن من التعامل مع المشروع بحزم.

لماذا يهاجمون تركيا لهذه الدرجة؟

ولكن إذا تم التسليم لمفهوم المعارضة للسياسة الخارجية وتم اللجوء إلى هذه السياسة الضعيفة المنطوية على نفسها، فيمكن القول إن البلد ستعود لتنغلق على نفسها وإن هذا المشروع سينجح، بل إنه سيتم التخطيط لمشاريع أكبر في القومية الكردية، وإن تركيا ستنحبس في الأناضول وستدخل في مرحلة الخطر كما في سوريا والعراق.

فلماذا يهاجمون تركيا إلى هذا الحد؟ وكيف تتمكّن قواهم الخارجية من السيطرة في الداخل؟ ولماذا يسعون لسحق سياسة حزب العدالة والتنمية وأردوغان وداود أوغلو؟ ولماذا يخطّطون لمشاريع كأحداث تقسيم وانقلاب 17 ديسمبر؟ وإلى أين يسعون للوصول؟

حين نجد الأجوبة سنتمكّن من معرفة الحقيقة.

لأنهم يريدون القضاء على عقل الدولة

هذه الحقيقة أبعد من مجرد احتجاجات المعارضة، وأبعد من صراع السلطة، تصل إلى سحق مستقبل تركيا وإعادة تشكيلها من جديد تحت نظام الوصاية.

لقد رأينا في مصر كيف تمّت تصفية كادر سياسي كامل عن طريق الإعدامات بعد الانقلاب.

وهذا ما كانوا يريدونه من انقلاب 17 ديسمبر.

فهم لم يكونوا يريدون إبعاد حزب العدالة والتنمية وإنما كانوا يريدون تدمير العقل السياسي الذي طوّر تركيا وجعل منها نجمة وأوقفها على أرجلها وجعلها تحاكي العالم بأكمله.

وهذا لم يكن صراعا على السلطة بل كان صراعا على المنطقة يسعى لمنع تركيا من الخروج إلى منصة التاريخ.

واليوم أولئك الذين مزّقوا الدولة العثمانية يقفون بنفس الجبهة ويحيكون نفس السيناريو لتمزيق تركيا.

 للأسف، معارضتنا لا تعي أن مواطني الأناضول قد كشفوا حقيقتهم. ما زالوا يعيشون حلم السلطة القديم في عقولهم ولم يتمكّنوا من التخلي عن فكر الوصاية.

لقد قاموا بالخطوة الأولى.. الخطوة الثانية هي الاشتباك

إن استمر هذا السكوت وجاءت نهاية عصر السمو والازدهار فسيكون هناك مستقبل حزين بانتظارنا. فحين النظر إلى قائمة مرشحي حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي وإلى الهويات التي أدخلوها إلى البرلمان فيمكن القول إن الخطوة القادمة هي ابتداء مرحلة جديدة بالتعاون بين العلويين والقوميين الأكراد.

ومع نتائج انتخابات 7 حزيران/ يونيو بدأ هذا المشروع. وأُدخلت حرب الهويات التي تهز الشرق الأوسط بأكمله إلى تركيا. أما الخطوة القادمة فهي الاشتباكات.

أما الآن، فهم يسعون إلى إفساد التحالف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية وتصفية الإسلام السني لتهيئة الوضع لمخططاتهم.

على الإعلام أن ينتبه أكثر

للأسف، فإن الإعلام أيضا يلعب دورا مؤثرا. هذا الإعلام الذي لا يبحث ولا يسأل ولا يهتم للحقيقة، لا يستطيع فهم هذا المشروع المرعب الذي تم إدخاله إلى تركيا. لقد عجز عن فهم سبب إغلاق الحدود الجنوبية لتركيا بعد الانتخابات بيومين. وبعض الإعلاميين هم جزء من هذا المشروع في الأصل.

تركيا دولة قوية. ولقد عرفت كيف تتغلّب على أشد الأزمات. وستجد حلا لمواجهة حبسها من الجنوب وحرب الهويات. هذا ما نأمله.

ولكن إن حدث العكس فحقا سينتظرنا مستقبل حزين ومؤلم. وستمزق الهوية التركية الموحّدة. وستتم تصفية الإسلام السني. وربما سنضطر لبناء الجدران السميكة بين بيوتنا كما حدث في شوارع بغداد. وهم الآن يحاولون بناء تلك الجدران في عقولنا وقلوبنا. وسيغيّرون حتى اللغة التي نتكلم. وهم الآن يسوقوننا لوضع يشبه وضع العراق وسوريا.

وحين يصفّون عقل حزب العدالة والتنمية من السياسة، فلن نتمكّن حتى من التقاط أنفاسنا. ولقد قاموا بالخطوة الأولى. فاقرأوا نتائج الانتخابات بشكل جيد. واقرأوا مخططات التحالفات بشكل جيد.

فلنكرر:

لا يجب أن تتم تصفية عقلية حزب العدالة والتنمية. لا يجب أن يُعاد النظر في مسيرة السلام. يجب أن يتنبه الجميع إلى أن الخطوة الأولى من حرب الهويات قد تمّت بعد 7 حزيران.

(عن صحيفة "يني شفق" التركية- ترجمة وتحرير: تركيا بوست، خاص لعربي21)