قضايا وآراء

مقتل النائب العام في ضوء التحولات الكبرى

1300x600
التحولات الضخمة في حياة الأمم والشعوب قد لا يشعر بها من تتحول بهم أي من يعيش ظرف التحول ويتفاعل معه أو ينفعل به، وهذا يفسر سلوك العقل الجمعي الغالب الذي يتوقف عند حدود معينة، وهو يتناول الحدث "حدود آنية" يبحث عن فك الغموض بدافع الفضول أو يبحث عن الانتشاء النفسي أو الفرحة الضائعة لأنه لا يدرك مستوى أو أهمية الحدث.

وربما لا يكون المطلوب من الجماهير عموما أن ترتقي فوق مستوى عاطفتها المثارة أو أن تبذل جهدا في محاولة التعقل، والتحول من ميدان الذات إلي ميدان الواقع للتأثير فيه، والتغيير منه لكن هذا فريضة في حق كوادر الحركات والجماعات والهيئات المضطلعة بالشأن العام.

عدة نقاط تأسيسية ينبغي أن نقررها كمنطلق للحديث عن هذه التحولات، وتجلياتها من الأحداث التي نعيشها كي نحاول ضبطها في أُطر عامة تجعل من تفسيرها أمر ممكن:

(1)

المنطقة العربية التي قسمتها معاهدة "سايكس بيكو" لا تدار كما يؤكد سجلها التاريخي كقطع متناثرة لا علاقة للواحدة بالأخرى، وإنما كمنطقة واحدة تختلف مكوناتها من جزء للأخر، وبالتالي كل حدث في كل قطر لابد من رده لدوافعه الكبرى وللاعبيه الأصليين بإعادته من جديد لاعتباره الكلي حيث أن هناك مجموعة من الأهداف العليا المتعارضة أو المتفقة يريد هؤلاء الكبار فرضها، وبالتالي تهيء الظروف وتصنع الأحداث لتحقيقها؛ فمثلا عندما نتحدث عن حدث مصري أو تحول مزمع علينا أن نخرج خارج الإطار المصري إلى الإطار الإقليمي والعالمي وبدل من التعامل مع مصطلحات مثل؛ "الإخوان" ، "النظام" ، "المعارضة" ، "الجيش" نستبدلها بالأخرى الأكثر تحريكا وفاعليه نحو؛ "إسرائيل"، أمريكا"، السعودية"، حماس"، اليمن"، "ليبيا" فالمعادلة الثانية هنا هي أكثر واقعية من معادلتنا الوهمية الأولي في ضوء الظروف الراهنة، وبالتالي يكون الاعتماد على الثانية أجدى.

(2)

المنطقة لم تعد تحتمل ثوابت ميدانية فهي لا تدار وفق خطة واضحة بالمعنى الكلاسيكي، وإنما وفق أهداف عليا تتغير وسائلها آنيا ولحظيا وفق مبادئ "إدارة الأزمة"، وبالتالي ربما لا يكون للخصم خطط جاهزة للتعامل معك، وإنما هو جاهز دائما للاستفادة من كل حدث وبالتالي فإن كل حدث بالنسبة لك أيضا هو معركة منفصلة يمكن ربحها وبالتراكم قد نستطيع تغيير دفة الأمور فمثلا ربما لم تصنع أمريكا الثورات لكنها كانت جاهزة لتوظيفها، وربما لم يتوقعها الإخوان لكنهم كانوا جاهزيا للتعامل معها لحظيا والنصر في النهاية حليف لمن يملك أهداف عليا أكثر وضوحا من الأخر.

(3)

التحولات تكون ذات تأثير جذري وجمعي يتأثر بها كل أطراف المعادلة الداخلية بشكل ربما يكون مذهلا أحيانا بغض النظر عن موقفهم من الحدث نفسه سواء على مستوى المساهمة في صناعته أو الموقف منه، وبالتالي كل حدث هو مشروع ضربة موجهة لك أو ضربة توجهها لخصمك مهما كان حجمك أو موقعك ومستوى النقلات التي تحدثها يكون كبير إلى الدرجة التي تجعلها تتجاوز تأثير عقود من الأحداث العادية، وبالتالي من يحسن التعامل معها يجني في شهور أو أيام ما يصعب حصاده في سنوات.

(4)

الأسئلة النهائية المتعلقة بأحداث التحولات الكبرى تكون إجابتها صعبة وأحيانا غير مهمة، أو ليست على الأولوية من حيث الأهمية، فسؤال مثل: من قتل النائب العام ؟! قد تكون الإجابة عنه مشوشة جدا في ظل تعدد الأطراف، وضبابية الأهداف ولكن التدقيق في التفاصيل كـ: من يملك معلومات الموكب؟! كيف تم تنفيذ العملية؟! نوعية المتفجرات ومستوي الاحتراف؟! تأثير استهدافه على المشهد العام الداخلي والخارجي؟! كيف ستحاول الدولة أن تستفيد؟! كيف يمكن لباقي أطراف المعادلة أن يستفيدوا؟! ما هي سيناريوهات التجاوز المتوقعة؟! وعند طرح كافة الأسئلة وإجابتها غالبا متاح بيسر يمكن تفكيك المشهد الذي صنعه إعلامهم، وإعادة تركيبه وفق طبيعة الأزمة بعيدا عن الوهم والتضليل.

(5)

إن كان من صفات أخرى حقيقة لأحداث التحولات الكبرى غير جذريتها فهو مستوى الخداع والتضليل الذي يلازمها، فالجميع يمارس عملية تعمية، ويكون المعروض من الوهم أكثر مما هو حقيقي، ويكون ترويج الكذب أكبر بأضعاف، ولذا يجب أن ندرك قاعدة واضحة: ليس كل ما يرضينا ويسعدنا يفيدنا، وليس هناك مفر للتحرر من أسر العاطفة، والعودة إلى أهدافنا العليا؛ فإذا لم يكن ثمة أهداف عليا فأنت يا صديقي القصعة التي قد تتداعى إليها الأكلة.

ختاما: حدث ما حدث، وتم استهداف النائب العام في نقلة نوعية سيكون لها ما بعدها وستصنع مشهد مختلف ضحيته من لا يملك رؤية ولا أهداف عليا، ويعتمد تكتيكات ثابتة في ظل أكبر حالة سيولة عرفتها المنطقة في تاريخها.