سياسة عربية

السلفية والسلفيون في المغرب.. لمن "الصوت" اليوم؟

محمد بن عبد الرحمان المغراوي شيخ السلفية التقليدية في المغرب ـ فيسبوك
أقل من 48 ساعة تفصل المغاربة عن الانتخابات الجماعية الإقليمية والجهوية (البلديات والمحافظات)، تتسارع وتيرة البحث عن الدعم والتأييد، مع ارتفاع درجة التراشق السياسي بين الأحزاب المتصارعة، وطالت محاولة كسب التأييد المدرسة "السلفية" بكل أجنحتها التقليدية وحتى الجهادية.

كان من حسنات رفع درجات التسييس في الانتخابات الجماعية والجهوية المغربية في هذا العام، إشراك جميع الحساسيات الاجتماعية في نقاش الاستحقاقات الجارية، وعلى رأسهم "الصوت السلفي" في المغرب.

"السلفيون" و"السلفية" في المغرب، رغم أنهم ينتمون إلى نفس "المدرسة" نظريا، غير أنهم يتميزون بين ثلاث اختيارات كبرى، هي السلفية التقليدية التي تمثلها جمعية "الدعوة إلى القرآن والسنة بمراكش"، ويرأسها عبد الرحمان المغراوي، الاختيار الثاني السلفية الإصلاحية التي تضم مستقلين من الجمعية الأولى، وخطباء ودعاة مستقلين، والثالثة السلفية الجهادية.

تاريخ العلاقة بين "السلفيين" وبين الدولة المغربية، عرف حدثا كبيرا مازال يحكم تطور العلاقة بينهما، حيث قامت السلطات الإدارية بإغلاق دور القرآن في 28 حزيران/ يونيو 2013، دون سابق إنذار، انضاف إليها تنظيم داعش، الذي زكى توجس الدولة من "السلفيين" عموما.

ورقة "دار القرآن"

قرأ الكثيرون قرار السلطات الإدارية المغربية، بإغلاق مقرات جمعية "الدعوة إلى القرآن والسنة"، المعروفة بـ"دار القرآن"، وخاصة مقرها المركزي بمدينة مراكش في حزيران 2013، على أنه قرار عقابي على دعم الجمعية لحزب العدالة والتنمية في انتخابات أيلول سبتمبر 2011.

مصادر مقربة من الجمعية، كشفت لـ"عربي21" أن "محاولات جرت وتجري من أجل دفع الجمعية إلى تبني موقف سياسي صريح داعم لأحد الأحزاب السياسية، وهو ما ترفضه الجمعية لأنها لا تهتم بالسياسية".

وأضافت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن "ملف الجمعية سياسي وليس قانوني، بدليل أن مسؤولين سياسيين طلبوا منا دعمهم في الانتخابات، مقابل أن تعود الجمعية إلى العمل دون عوائق".

ورغم أن مصادرنا رفضت الإشارة إلى الانتماء السياسي للمسؤولين، غير أن هذا إشارته تشرحها ما نشرته الصحافة المغربية في حينها، من أن حزب الأصالة والمعاصرة (المعارض) طالب من مسؤولي الجمعية التصويت عليهم من أجل حل المشكل القانوني لجمعية "دار القرآن".

التصويت لـ"لأصلح"

انطلقت الحملة الانتخابية وحتى تخرج الجمعية من الحرج مع الجميع، أعلن مؤسسها الشيخ محمد عبد الرحمان المغراوي، في صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" دعوته المواطنين إلى التصويت على "الأصلح".

ودعا الشيخ المغراوي، في بيان نشره على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، أنصاره للتصويت على ما أسماه "النزهاء الذين يخدمون الدين والوطن".

وقال المغراوي: "نؤكد دعمنا لكل الفاعلين السياسيين النزيهين الصادقين في خدمة ديننا ووطننا، وندعو للتصويت على الأصلح منهم تحقيقا لما أمكن من المصالح، وتقليلا للشر، ونرى أن هذا التصويت من الشهادة التي ينبغي أداؤها مادامت الانتخابات تمر في جو عليه النزاهة والشفافية".

"الأصلح" لم يكن ليقنع الأحزاب السياسية، فتابعها "الشيخ المغراوي" بخطوة دعم ثلاث مرشحين في مدينة مراكش، ينتمون إلى ثلاثة أحزاب مختلفة، ليس بينها العدالة والتنمية.

كما أن الشيخ السلفي محمد المغراوي، حضر الأحد 30 آب/ غشت الجاري، للتجمع الخطابي، الذي أقامه عبد العزيز الدريوش، مرشح "الحركة الشعبية" بجماعة "تسلطانت"، التي تقع بالقرب من مدينة مراكش.

لم يقف الأمر عن هذا الحد بل يساهم أنصار السلفية  في الحملة الانتخابية بمقاطعة المنارة، مع عبد المجيد الدمناتي، مرشح حزب "الاتحاد الدستوري"، هذا المرشح الذي يعد ابن جمعية الدعوة إلى القرآن، قبل أن يغادرها ويختار العمل السياسي.

وختاما فإن أنصار الشيخ يساندون في دائرة سيدي "يوسف بن علي"، محمد نكيل مرشح حزب "الأصالة والمعاصرة".

       

القباج.. لا للأصالة والمعاصرة

يعد الشيخ حماد القباج من بين الشباب الذين انتفضوا على المواقف السياسية للشيخ المغراوي، وبلغت القطيعة مداها عند التزام "دار القرآن" موقف السعودية من الانقلاب العسكري في مصر، وصلت حد الاستقالة من الجمعية.

الشيخ حماد القباج عكس شيخه، كان حاسما في موقفه الداعي إلى التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية، معتبرا أنه هو الحزب الأصلح.

ودعا الشيخ السلفي حماد القباج، المغاربة إلى التصويت على مرشحي حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الجماعية والجهوية المقررة ليوم 4 أيلول/ سبتمبر.

واعتبر الشيخ القباج، في فيديو نشره على حسابه الخاص على موقع "يوتيوب"، أن العدالة والتنمية هو الأصلح، وعقد الشيخ مقارنة بين ثلاثة أحزاب مغربية هي الأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال، وحزب العدالة والتنمية.

وانتقد القباج في شريطه المصور، حزب الأصالة والمعاصرة "الذي سجل الرقم القياسي في مواقف بالدين الإسلامي"، وأن أمين عام حزب الاستقلال "خرق ثوابت الأمة ومن بينها الخروج عن مسار الحزب في خدمة الثوابت الوطنية وعلى رأسها الدين الإسلامي".

وشدد القباج في المقابل على أن العدالة والتنمية لم يسجل عنه أي قول أو موقف يمس ثوابت الأمة الإسلامية، مسجلا تمسك الحزب بالثوابت وعلى رأسها الإسلام والملكية والبيعة".

حماد القباج لم يقف عند هذا الحد، بل قال في مقال نشره على موقعه الإلكتروني إن "الشيخ المغراوي لا يمكن أن يدعو للتصويت على حزب الأصالة والمعاصرة".

وقال القباج تتناقل بعض الصحف غير الموثوقة أن شيخنا محمد المغراوي يروج للتصويت في حي "سيدي يوسف بن علي"؛ على  محمد نكيل وكيل لائحة حزب الأصالة والمعاصرة، وهذا محال لسبب بسيط؛ وهو أن الشيخ يتكلم بخلفية شرعية

وتابع القباج أن المرشح المعني ينتسب إلى حزب يعلن الحرب على الدين الإسلامي؛ وهو أمر محظور شرعا ودستورا: نذكر هنا بأن الحزب استضاف في رمضان الماضي: الكاتب المصري سعيد القمني في محاضرة جهر فيها بالاستهزاء بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام، ولم يعتذر الحزب ولم يصدر بيانا يتبرأ فيه من كفريات ذلك المفكر".

الخروج من الحصار

سجل خالد يايموت الباحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري، أن "الصوت السلفي في المغرب في تياره العام، غير معارض للدولة، وأنه بعد الربيع الديمقراطي أصبح أكثر قربا من حزب العدالة والتنمية".

وتابع خالد يايموت في تصريح لـ"عربي21"، أن "الشيخ المغراوي مهتم بتحقيق مصلحة الجمعية التي ينتمي إليها، وبالتالي هو حريص على خروجها من حالة الحصار التي فرضت عليها منذ قرار إغلاقها".

واعتبر الباحث، أن "موقف السلفيين في المغرب مرتبط بالدولة ولم يكن يوما معاديا لها، ويمكن قراءة موقف الشيخ المغراوي بالتصويت، خروجا من دائرة "المقاطعة" التي قد تقرأ أنها ضد الدولة مباشرة".

وأضاف إن هناك خطا داخل أجهزة الدولة يقايض الشيخ المغراوي بخصوص جمعية (الدعوة إلى القرآن والسنة) في مقابل الموقف السياسي لصالح حزب الأصالة والمعاصرة".

وشدد الباحث على أن "السلفيين المغاربة أصبحوا يمتلكون وعيا متناميا بأهمية الحركية السياسية التي يمثلونها، خاصة وأنهم تيار واسع وله تجدر اجتماعي".

وأفاد أنه "من خلال المتابعة فإن السلفيين في المغرب يجدون أنفسهم أقرب إلى العدالة والتنمية، رغم أنهم لا يحرصون على الدفاع عنه، أو تأييده أو دعمه".