كتاب عربي 21

السيسي يعدكم الفقر!

1300x600
ولى زمان كنا نرهق فيه أنفسنا، لنؤكد للذين في قلوبهم زيغ، أن عبد الفتاح السيسي يعدكم الفقر، وهم الذين قالوا من قبل إن الرئيس الشرعي لم يعدنا إلا غرورا.

لقد ولت هذه المرحلة التي كنا نرهق فيها أنفسنا من أجل إقناع الذين كانوا في حالة سكر بيّن وهم يؤيدون الانقلاب، بأن الرجل فاشل فلم يصدقونا، لأنه كان يأخذهم من "متاهة"، إلى "متاهة"، ومن الحديث المضلل حول ما سيحققه المؤتمر الاقتصادي، إلى "متاهة"، قناة السويس الجديدة، التي ستقطع علاقتنا بالفقر تماما، ليصبح مجرد ذكرى. وقديما قال قائلهم: "الجمل طلع النخلة"!، فقلنا له: "هذا هو الجمل وهذه هي النخلة"!.

الآن لم نعد بحاجة إلى بذل الجهد للتأكيد على أن القوم "اشتروا الترام"، فالحديث عن أن مصر أصبحت على يد المنقلب في خطر، صار ينشر ويذاع في إعلام الثورة المضادة نفسه، وبأدلة تستند إلى بيانات لجهات رسمية، ولتصريحات لمسؤولين كبار في دولة عبد الفتاح السيسي، والأرقام الكاشفة هي التي دفعت الصحفي المؤيد للانقلاب "سليمان جودة" ليكتب من منبر المحب: السيسي في خطر!.

البنك المركزي، وليس المجلس الثوري، هو من أعلن تراجع الاحتياطي الأجنبي إلى درجة غير مسبوقة.

وتقاريره وليست تقارير البرلمان الإخواني، هي التي قالت إن إجمالي الدين الخارجي للبلاد ارتفع إلى 48.062 مليار دولار بنهاية شهر يونيو. وجريدة "المصري اليوم" هي التي دقت ناقوس الخطر، وليست قناة "الجزيرة القطرية"، موضحة أن مصر في مرحلة الخطر. ووزير مالية السيسي، وليس وزير مالية مرسي هو الذي أعلن أن مصر ستحصل على قرض بثلاثة مليارات دولار من أجل دعم الموازنة. ورئيس وزراء الانقلاب، وليس حمزة زوبع، هو من اعترف بعجز الموازنة، وأن بلاده تعاني شحا في الموارد الدولارية!.

ومن الطبيعي، والحال كذلك، أن يختفي السيسي من المشهد، فلم يعد لديه ما يقوله، بعد أن تحول كلامه السابق إلى شبيه بكلام الليل، الذي ورد في الأمثال أنه يكون مدهونا بالزبدة، ما إن تطلع عليه الشمس حتى يتحلل!.

لقد ظل يبشر مؤيديه، ببحور من العسل واللبن، فقط عليهم أن ينتظروا حتى انعقاد المؤتمر الاقتصادي الذي هتف يوما وقال إنه "ذراع مصر"، وكان يضرب على ذراعه هو بعد أن اختزل مصر في شخصه، وصار حكمه "قدرا ومكتوبا"، علينا أن نقبل به، طوعا أو كرها، فهو مصر ومصر هو!.

وانعقد المؤتمر الاقتصادي، فإذا هو "مولد"، انفض وخرجت مصر منه "بلا حمص"، أو أرز، سوى مساعدات أخيرة من ثلاث دول خليجية لا تكفي لإفطار المصريين "فول وفلافل" لمدة شهر، لكنه بعد هذا الفشل سحب جماهيره إلى "مولد" تفريعة قناة السويس، التي أطلق عليها قناة السويس الجديدة، ونصب لها "حلقة ذكر"، وقد شيدها بدون دراسة جدوى، ومع ذلك أصبح من يضعها في إطارها الطبيعي خائن للوطن، ويقوم بالتخابر لصالح أعدائه!.

وقال المنصفون، إن توسعة القناة لن تدر عائدات إضافية لأنها مرتبطة بحجم التجارة العالمية، الذي يعاني أزمة منذ سنوات، لكن السيسي كان له رأي آخر باعتباره الفيلسوف والطبيب الذي يأتي له الفلاسفة من كل أنحاء العالم محلقين ومقصرين، ليعرضوا عليه المشاكل، ويحصلوا منه على "روشتة بالعلاج"، أو كما قال!.

وها هي الأرقام صادمة، بتراجع إيرادات قناة السويس بنسبة 9 في المائة في شهر أغسطس الماضي من العام الحالي، عن نظيره في العام الماضي، ورغم التوسعة!

وأمام هذه "الخيبة القوية"، يتراقص أمام أعيننا قول القائل: قل للطبيب تخطفته يد الردى.. من يا طبيب بطبه أرداك!.

ثم يتلاشي بيت الشعر هذا، بعد أن نقف على أن السيسي ليس طبيبا ولكنه منتحل صفة الطبيب والفيلسوف، فليس إلا إفرازا لذنب أصابنا!.

لقد اختفى السيسي، وربما يضع الآن يده في جرابه، بحثا عن وهم جديد بعد أن تبددت أوهامه، وصار فشله يتحدث به الركبان، وأصبح الحديث عن الدولة الفاشلة، هو حديث أذرعه الإعلامية، استنادا لأرقام رسمية، تعلنها الجهات المبايعة له في المنشط والمكره، فليس له أو لغيره أن يعلقها على "شماعة الإخوان"، التي يعلق عليها فشله في البر والبحر!.

لقد بدا واضحا أن "جراب الحاوي"، صار فارغا، وليس فيه ما يخطف به أعين القوم، كما فعل من قبل، وجاء دول الخليج ما يشغلها؛ "هم ما يتلم"، حرب في اليمن، وانخفاض في أسعار البترول، وقد صدقت نبوءة الرئيس المنتخب محمد مرسي بأنه "سيجيب من قعر الزبالة". لكن حتى هذا "القعر" ليس فيه زبالة!.

لن يختفي عبد الفتاح السيسي طويلا، سيظهر حتما لكنه ظهور المفلس الذي استنفد رصيده، ولم يعد له إلا أن يخاطب العواطف التي تحجرت بالقول: أنتم من أتيتم بي، وأنا لن أنجح إلا بكم!.

في الواقع أن عاقلا رشيدا لم يأت به، فعلى أحسن الظروف فإن خصوم الرئيس محمد مرسي كانوا يطلبون انتخابات رئاسية مبكرة، لكن السيسي تبين أنه يحلم بالمنصب الرئاسي، فدمر المسار الديمقراطي لتحقيق أحلامه. ثم إنه كان صاحب قراره وهو يفكر ويقدر، في أمر ترشحه، فلم تخرج الجماهير لتطالبه بالترشح، لكنه هو من اتخذ قراره، ولم يحكم بالشعب، الذي لم يكن شريكا له في الحكم في أي مرحلة، فهو الحاكم الأوحد، الذي يقيل الحكومة، ويعين حكومة أخرى، والذي يختار رئيسها كما يختار أعضاءها، وهو الذي يصدر القوانين دون أن يضع هذا الشعب "في الصورة"!.

وليس له بالتالي أن يحمل الناس، حتى الذين أيدوه، هذا الفشل، فقد وقع هؤلاء ضحية الحملة الإعلامية التي قدمته على أنه المخلص، وأنه كما قال عن نفسه الطبيب الذي يأتي له الفلاسفة من كل أرجاء الكون، وأنه مرشح الضرورة، وأنه "الدكر"، وأنه مندوب مؤسسات القوة في المجتمع والقادر بحكم ذلك على أن يحل المشكلات بسهولة، كما أنه قادم من دولاب الدولة، فلا أظن أن أحدا كان يعتقد أنه سيكون فاشلا بهذا الشكل، وأنه عاجز عجزا لا يصلح معه "طبلة أو طار"!.

ليس له أن يحيل فشله للشعب ليتحمله، فقد ثبت أنه يحكم بمفرده منذ انقلابه، وفي وجود خيال المآته "عدلي منصور"، وكان من يساعده هو "سكرتيره عباس كامل"، فلم نشاهد غيره من يشاركه حكمه، ومن يشركه في أمره!.

وقد يكون فريق من الشعب صدق أنه الرئيس الطبيب، وها هو يفيق على كابوس، فمصر في خطر، وإن السيسي نفسه في خطر كما كتب زميلنا سليمان جودة، فليس أمامه إلا أن يرحل غير مستأنس لحديث!.

إنها لعنة الدكتور محمد مرسي وقد حلت، لأننا استبدلنا الذي هو أدنى بالذي هو خير!.

azouz1966@gmail.com