مقالات مختارة

تركيا.. بينما ترسم خريطة المستقبل

1300x600
كتبت خديجة قاراخان:  ليس هناك أي مكان آخر نذهب إليه..

We Had Nowhere Else To Go


هذا هو العنوان الذي حمله التقرير المعروض على الرأي العام من قبل منظمة العفو الدولية، موضوع التقرير كان مُتعلقا بالشعب السوري المُهجر قسرا من شمال سوريا. وتطرق التقرير إلى حجم الدمار الذي خلفته المواجهات في تلك المناطق، حيث إن العناصر الرئيسين هم بالطبع حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري قوات الحماية الكردية.

"إما أن تنضموا إلينا وتحاربوا في صفوفنا فتبقوا، أو أن تتركوا هذه المنطقة بأسرع وقت. إذا بقينا هنا ولم نترك قريتنا فإنهم سيبلغون عنا للولايات المُتحدة الأمريكية، وبالتالي فإن القوات الأمريكية ستقوم بضربنا، فبعد يوم جاءوا إلى بيتنا بغية إحراقه وعندما قلنا لهم إنه لا يوجد لدينا مكان آخر نذهب إليه، قالوا لنا: اذهبوا إلى الجحيم".

أغلب المُتعرضين للعنف هم من قوميات تركية وعربية، فشهادة سلطان وحسن ومها وغيرهم، حول هذه الأحداث في مناطقهم تنقل الصورة الحقيقة لما تتعرض له تلك المناطق في شمال سوريا، حيث إن بيوتهم ومقتنياتهم تم حرقها من قبل قوات الحماية الكردية، كما أنه تم منعهم من البقاء في بيوتهم.

لو لم يكن لهم مكان رحيم ليذهبوا إليه مثل تركيا لعايشوا الكثير من الآلام. 

ـ مُجرمو حرب

هذه الحقائق التي أوضحها تقرير منظمة العفو، تحمل رسالتين مهمتين بالنسبة لتركيا. الرسالة الأولى تتمثل في أن العنف المُطبق من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري، قوات الحماية الكردية، ضد سكان المنطقة في شمال سوريا، يُعتبر "جرائم حرب".. أما الرسالة الثانية فتتمثل في أنه بحسب نتائج دراسات منظمة العفو، فإنه يجب على المنظمات الدولية أن تقول لحزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري، قوات الحماية الكردية: "أوقفوا ارتكاب الجرائم".. وأن تقوم بعض الدول بالضغط على التحالف الدولي بقيادة الولايات المُتحدة الأمريكية لإيقاف دعمه لهؤلاء المجرمين.

طبعا، لا أحد يقوم بهذا الدور. وفي هذا الإطار، هناك أحد المواضيع المهمة التي وردت في التقرير والتي يجب تسليط الضوء عليها؛ وهي أنه خلال إفراغ هذه القرى وتدميرها بشكل كامل، لم يكن هناك أي اشتباك سابق مع تنظيم الدولة في تلك المنطقة. والجدير بالذكر أيضا، أن الاتحاد الديمقراطي كان يقوم بإجلاء السكان في تلك المناطق ومن ثم إعلانها مناطق عسكرية مُغلقة، وبحسب ما أفاد به التقرير، فإنه لا يوجد أي سبب يدعو إلى حرق هذه المناطق وإفراغها من أهلها.

هذا التقرير هو بمثابة الوثيقة التي تؤكد نظرية تركيا وقلقها تجاه ما تقوم به هذه الجماعات في شمال سوريا، التي تقوم بإحضار مواطنين أكراد لإسكانهم مكان المواطنين التركمان والعرب، سعيا منهم لإحداث تغيير ديمغرافي في المنطقة، والهدف هو تأسيس مناطق كردية.

الاتفاق مع حزب العمال الكردستاني

أما الموضوع الذي يهم تركيا بشكل كبير، فهو الاتفاق المعنوي المبرم بين حزب الاتحاد الديمقراطي مع حزب العمال الكردستاني، حيث يستمد حزب العمال الكردستاني قوته من تحرك حزب الاتحاد الديمقراطي في شمال سوريا، وبسبب ذلك نجد أن هناك العديد من وسائل الإعلام التركية تناقش كيفية أو إمكانية تأسيس اتفاق مشترك يجمع بين حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحادي الديمقراطي.

وفي حين تحاول تركيا التخلص من بلاء تنظيم الدولة القريب لها، فإنه يجب عليها ألا تغفل عن الاتفاق الجاري بين حزبي العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي، وبالتالي فإنه يحق لتركيا أن تكون متوترة من هذه القوى وتحركاتها في سوريا. وكما قال رئيس الوزراء داود أوغلو؛ فإنه "لا يمكن لأحد أن يُعطينا ضمانات بأن الأسلحة التي سيتم إعطاؤها لحزب العمال الكردستاني من قبل الاتحاد الديمقراطي لن تُستخدم ضد تركيا"، طبعا، فالولايات المُتحدة الأمريكية تغض بصرها عن حجم التوتر الذي تعاني منه تركيا وذلك لأن الاتحاد الديمقراطي يُعتبر القوة الأولى المُقارعة لتنظيم الدولة في المنطقة.. في هذه الحالة يجب على تركيا أن تفهم بشكل أساسي ما تسعى الولايات المُتحدة إلى تحقيقه في المنطقة.

واليوم أصبحت المعادلة أكثر تعقيدا، حيث إن دخول العنصر الروسي إلى سوريا، يبشر بأنه سيستقر طويلا في المنطقة بحجة القضاء على تنظيم الدولة. باختصار، فإن المخاطر المُحيطة بتركيا والمُعادلات المُتغيرة بشكل دائم ستجعلها بحاجة إلى العديد من السياسات التكتيكية الحساسة من أجل التعامل بفعالية مع هذه التغيرات.

ارتكاز ظهورنا

في هذه الفترة التي أصبح فيها الإرهاب مُسلطا علينا، فإنه ما زال حزب الشعوب الديمقراطي يؤكد أنه يعتمد على الاتحاد الديمقراطي ويفتخر بذلك، فالاتحاد الديمقراطي المُعلن على أنه "مجرم حرب، والذي يُخطط إلى إعلان دولة انفصالية مستقلة بالقرب من حدودنا، يشترك مع حزب العمال الكردستاني في خطف أبنائنا وإرسالهم إلى الحرب في سوريا".

هذه التصريحات الخاصة بفيجان يوكسك داغ، زعيمة حزب الشعوب الديمقراطي المشاركة، تُبدي مدى الخطر الذي يُحيط بتركيا من الداخل والخارج.. لحل هذه التعقيدات لا بد لتركيا من إنتاج سياسات قوية قادرة على التعامل مع خطط روسيا الداعمة لنظام الأسد وقادرة على التعامل مع خطط الولايات المُتحدة الأمريكية الداعمة لانفصال الأكراد في شمال سوريا. 

(عن موقع "سيتا"- 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2015- ترجمة خاصة لـ"عربي21")