قال المحلل العسكري
الإسرائيلي إنه لم يعد لدى إسرائيل لمواجهة ثورة
الفلسطينيين ضد الاحتلال، سوى الاتجار بجثث شهدائهم متجاوزة بهذا كل اعتبار أخلاقي.
وانتقد برئيل في مقالته بصحيفة "هآرتس" الخميس، هذا الأسلوب في التعاطي مع الانتفاضة الفلسطينية، الذي من شأنه أن يزيد موجات الغضب والكراهية ضد إسرائيل.
ونوه إلى أن إسرائيل تستخدم بضاعة باردة مخزنة في غرف التبريد لشرطة إسرائيل وتنتظر أمر البيع.. المشترون بالذات موجودون، ولكن البائعين مفزوعون.. فهم لن يسلموا البضاعة إلا من تحت الطاولة، لكن شرط ألا تحدث البضاعة احتفالات.
وأوضح برئيل أن هذه البضاعة ما هي إلا جثامين منفذي العمليات الفلسطينيين، التي تتطلب جنازة، وفي الجنازة هناك مشاركون مشحونون بمشاعر عاصفة تنفجر ضد من "حيد" منفذي العمليات وضد دولة إسرائيل.. الانفجار الذي يحدث موجات غضب وكراهية إضافية، وكل هذا من شأنه أن يمس بنسيج العلاقات الهادئ والساكن، الذي لولا الجثث لكان واصل الوجود بلا عراقيل.
وتساءل الكاتب: "كيف يمكن على الإطلاق الاعتراض على هذه المبررات؟"، وقال: "حكومة إسرائيل، التي جعلت التحريض السبب الوحيد للثورة الفلسطينية وعمليات الأفراد، ملزمة بأن تتمسك بموقفها المشوه. فليس للتحريض أي خلفية أو علاقة تاريخية. وهو لا يستند إلى "حقيقة" أو إلى "حقائق". هو ضربة طبيعية. بالضبط مثلما أنه لا يوجد لمنفذي العمليات من الفلسطينيين قبل أن يصبحوا جثامين تفسير منطقي. هكذا مجرد هكذا، نهض الفلسطينيون ذات يوم، وخلافا لكل التوقعات وكل التقديرات، بدأوا يقتلون اليهود".
وأضاف برئيل: "هم أفراد، ليسوا أعضاء في تنظيم بشكل عام، وهم لا يعلنون مسبقا أين ومتى سيهاجمون. لا ينطبق عليهم أي نموذج ولا يناسب أفعالهم أي وصف: انتفاضة الأفراد، انتفاضة الأجواء، انتفاضة السكاكين، كيف بالضبط سنسمي هذه العربدة، إذ بدون تعريفات لا يمكن إعداد خطط عمل أو وصف الواقع. من حظنا أن الآلة لم تخيب أملنا هذه المرة أيضا. فمرة أخرى امتشق التحريض كتفسير لكل ظاهرة. هو الذي يحرك المخربين، هو الذي يمنع المفاوضات السياسية، هو الذي يلغي وجود الشريك، بصفته المحرض الرئيس، وبالأساس – يمكن للتحريض أن يخفي تحت أكنافه وجود الاحتلال، ويعطل ذنبه. فليس الاحتلال هو المذنب بل المذنب هو التحريض عليه".
ونوه إلى أن "إسرائيل اتبعت هذا المنطق الحديدي الأعوج الذي يعرف كيف يعثر بدقة موضعية على مراكز التحريض. ذات مرة، قبل وقت طويل من الانتفاضة الأولى، كانت هذه أعلام فلسطين، أو الشعارات التي رشت على حيطان المباني. في حينه أيضا رأى الحكم العسكري في هذه المظاهر الخطيرة تهديدا استراتيجيا. وأجبر الأولاد على تسلق عواميد الكهرباء كي ينزلوا الأعلام، وأخرج الشيوخ من منازلهم في ظلمة الليل كي يمحوا الشعارات. هذا التحريض انتهى. أما الاحتلال فاستمر كالمعتاد. إلى أن جاءت الانتفاضة الثانية التي استندت بالطبع إلى التحريض فقط، ولم تكن ثورة ضد الاحتلال".
واستدرك بالقول: "أما الآن فهذه هي الشبكات الاجتماعية المذنبة في كل شيء. لو كان فقط ممكنا منع خدمات الإنترنت وتصفية الشبكات الخلوية، لو كان فقط ممكنا منع أبي مازن من أن يتحدث عن الاحتلال وعن المستوطنات، لما كان السكان فكروا أو شعروا على الإطلاق بأن وضعهم سيئ. لحظنا، تملك إسرائيل الآن السلاح المطلق: جثامين باردة ومهددة. جثامين محظور تحريرها لأنها ببرودتها قد تشتعل نارا تحرق كل المناطق. فالفلسطينيون يتفهمون قتل منفذي العمليات. فموت
الشهداء هو جزء من ثقافتهم. ولكن الجثامين؟ هذه قصة أخرى. يمكن هنا الضغط عليهم".
وختم برئيل مقاله بالقول: "إن هذا الذخر الأمني المحتجز في الثلاجة يلقي بظلاله بالطبع على كل اعتبار أخلاقي؛ وكالمعتاد، كما يرافق كل فعل غير أخلاقي تعليل أمني لا يمكن الصمود أمامه. إذ إنه حيال حماس وحزب الله يجب العمل بأدواتهم. تجار الجثث، كما ينبغي أن نشرح للمحرضين، ملزمون بأن يتمسكوا بقواعد لعب عادلة. الجثة مقابل الجثة، أو الجثة مقابل الهدوء، الأغلى فيما بينهما. هذه هي اللغة الوحيدة التي يفهمها الفلسطينيون. وهذه هي اللغة التي تتقنها إسرائيل بجهلها".