كتاب عربي 21

اتبرع بـ 100 دولار لحكومة الانهيار

1300x600
لا أعلم مدى عبقرية السيسي أو من حوله ممن اقترحوا عليه أن يتبرع كل مصري بـ100 دولار لدعم الاقتصاد المصري، والسيسي لم ولن يتعلم من درس صندوق "تحيا مصر" الذي طلب فيه أن يتبرع رجال الأعمال بـ100 مليار جنيه ولم يتبرع له إلا القلة القليلة التي سيعطونها باليمين ويأخذوها بالشمال، لكن هل سأل السيسي نفسه لماذا يحجم الناس عن التبرع؟ وما الفارق بين رجال الأعمال عندنا وفي الغرب.

والحقيقة أن هناك فرقا شاسعا بين رجال الأعمال في بلادنا وبين رجال الأعمال في الغرب، فرجال الأعمال في الغرب رغم أنهم لا يدينون دين الإسلام، الذي فرض على أصحابه أن يدفعوا زكاة أموالهم للفقراء، إلا أنهم يقومون بالتبرع لصالح الجمعيات الخيرية كتبرع مؤسس Facebook بـ 99% من ثروته من الأسهم التي يملكها في شركته والتي تقدر بـ 45 مليار دولار لصالح الجمعيات الخيرية، وقد سبقه من قبل “وارن بوفت” و عملاق مايكروسفت "بيل جيتس" اللذين تبرعا بأغلب ثرواتهما للأعمال الخيرية.

ففي الولايات المتحدة وحدها تشير البيانات في عام 2013 إلى أن مبالغ التبرعات بلغت 228 مليار دولار وأن أغلب المتبرعين في الولايات المتحدة قد تبرعوا بمبلغ 1800 دولار لكل أسرة في المتوسط بما تمثل نسبة 2.2 % من دخولهم، وهي تقريبا نسبة الزكاة نفسها التي فرضها الله علينا، وأغلب هذه التبرعات ذهبت إلى المؤسسات الدينية كالكنائس والمساجد والمعابد. 

وقد يبدو من المنطقي التساؤل لماذا نجد هذا السلوك من رجال الأعمال والمواطنين في الغرب دون غيرهم من رجال الأعمال في بلادنا في الوقت الراهن.

هناك أسباب كثيرة وراء زيادة تبرعات المواطنين في الغرب مقارنة ببلادنا أولها أن الاستقرار السياسي في البلاد الغربية جعل حكوماتها تدرك أنه من الصعوبة عليها تلبية جميع حاجات المواطنين خاصة المرتبطة بإقامة شعائر الدين، فيترك لأتباع الأديان كافة، الإنفاق من جيوبهم لبناء وتشييد المساجد والكنائس، وتشجيعهم بإعفاء جزء كبير من تبرعاتهم من الضرائب، أما الأمر الآخر فهو احترام سيادة القانون، فلا يمكن للحكومات أن تجور على أموال المتبرعين أو تصادرها أو تحجر عليها كما حدث في مصر من سيطرة حكومة الانقلاب على أموال ومدارس ومستشفيات الإخوان وكل من له صلة بالتيار الاسلامي، ناهيك عن عدم الثقة في الحكومة وقناعة المواطنين بفسادها وجمعها الأموال وإتلافها في غير محلها. فلقد قامت حكومة الانقلاب بمصادرة أموال الجمعيات الخيرية كافة.

فالحكومات العسكرية في مصر عملت حثيثا على مصادرة الأوقاف بعد 1952 التي تبرع بها أعضاؤها لأوجه الخير، فأموال الأوقاف، وفق تصريحات المسؤولين، تجاوزت الـ«تريليون دولار»، وهو مبلغ كفيل -في حالة إعادته أو إعادة ربعه- برفع معدلات النمو الاقتصادي وسداد الديون الخارجية والداخلية وحل مشاكل البطالة، ورفع الاحتياطي النقدي إلى أرقام غير مسبوقة، فقد أفادت التقارير الرقابية أنه تم الاعتداء على ما يقرب من 2.3 مليون متر مربع بواقع 1.3 مليون واقعة تعد على أراضي الوقف بعد ثورة يناير.

إن الحرية تخلق من ورائها الإبداع والإنتاج، فمواطن واحد في الولايات المتحدة بفكرة بسيطة كالـ"فيس بوك" يستطيع أن يتبرع بـ 45 مليار دولار، وهو ضعف حجم الصادرات المصرية لـ90 مليون مصري فما أغلى الحرية وما أغلى ثمنها وما أعظم ثمارها؟