صحافة إسرائيلية

محللون إسرائيليون: اغتيال قنطار فرصة ذهبية وإنجاز استخباري

انشغل الرأي العام الإسرائيلي بالتساؤل: هل سيرد حسن نصر الله على اغتيال قنطار ومتى؟ ـ أرشيفية
اتفقت آراء المحلليين الإسرائيليين حول تقييمهم لأهميّة تصفية القيادي بحزب الله سمير قنطار في سوريا، على أنه إنجاز استخباري وفرصة ذهبية اقتنصتها إسرائيل. ففي الوقت الذي رأى فيه المحلل العسكري الإسرائيلي أليكس فيشمان أنها فرصة ذهبية حصلت عليها إسرائيل، إلا أنه أبدى خشية كبيرة من أن الكرة الآن في ملعب حزب الله، بانتظار ما ستسفر عنه الأيام القادمة من تطورات.

أما المحلل العسكري الإسرائيلي يوسي ملمان فمن وجهة نظره، أن أغلب الظن في تصفية قنطار سببه ليس أعماله الماضية النكراء، بل خطره في الحاضر واحتمالاته المستقبلية الكامنة لمواصلة محاولات تنفيذ عمليات ارهابية ضد إسرائيل، على حد تعبيره.

وأبدى ملمان ذات الخشية التي أبداها فيشمان، فأكد أن السؤال الكبير الذي شغل بال إسرائيل بعد تصفية سمير قنطار وبضعة نشطاء آخرين في تنظيم إرهابي هو: هل حزب الله سيرد؟ واذا كان نعم، فكيف وفي أي جبهة؟ الجواب على هذا السؤال ليس منوطا فقط بالمنظمة الشيعية اللبنانية بل وأساسا بأسيادها في طهران، بحسب صحيفة "معاريف".

من جهته، أكد فيشمان في افتتاحية صحيفة "يديعوت" التي أفردها للحديث عن اغتيال القنطار أن العملية إما أن تكون إحباطا ضروريا لقنبلة موقوتة أو أن أحدا ما أخذ مخاطرة محسوبة، وأخطأ، وربما يكلف الأمر إسرائيل تصعيدا في جبهته مع حزب الله.

وقال إن إسرائيل إذا كانت بالفعل هي التي صفت قنطار، كما يدعي السوريون واللبنانيون، فإن الروس، بفضل قدراتهم التكنولوجية، عرفوا بهذه الحملة في الزمن الحقيقي. والدليل: موسكو تسكت.

إقرأ أيضامديح التنسيق مع روسيا بتعليقات إسرائيلية على اغتيال القنطار

وأوضح أن الجواب سيحصل عليه الإسرائيليون في غضون بضعة أيام معدودة، ربما حتى في الساعات القريبة القادمة. عندها فقط سنعرف ما إذا كانت الصواريخ التي أطلقت أمس نحو الجليل الغربي، على ما يبدو من تنظيم فلسطيني، هي رد رمزي لرفع العتب أم إن الأمر هو بداية لجولة عنيفة أخرى على حدود الشمال. بعد جولة دموية قصيرة قتل فيها جنديان من الجيش الإسرائيلي عض حزب الله وإسرائيل على الشفاه، والمصالح منعت استمرار التدهور. فهل هذه ستكون الصورة هذه المرة أيضا؟ في كل الأحوال، فإن قيادة المنطقة الشمالية في حالة تأهب منذ يومين، على حد تعبيره.

وقال فيشمان: "من المعقول الافتراض أن قيادة حزب الله تجري في هذه الساعات حقا تقويما للوضع حول استمرار سلوكها. كما أن حزب الله متأثر بضغوط الشارع. وللمجريات أثناء جنازة قنطار، التي ستعقد في بيروت اليوم ستكون آثار على تسخين الوضع على الحدود".

قنطار سمكة صغيرة أمام مغنيّة


واستدرك بأن سمير قنطار، مع كل الرمزية والرواسب خلف اسم هذا القاتل فإنه ليس عماد مغنية. صحيح أن الإدارة الأمريكية عرفته كإرهابي دولي، ولكن مقارنة برئيس أركان حزب الله الذي صفي في دمشق في 2008، فإنه سمكة صغيرة في بحر من الإرهاب الإقليمي. كان ينبغي أن يتوفر سبب استثنائي كي يأخذ أحد ما المخاطرة ويبذر الائتمان الذي أعطي له للعمل في سوريا وينفذ إحباطا مركزا لهذا الرجل في ضواحي دمشق. والسبب الوحيد الذي يمكنه أن يبرر تصفيته في العاصمة السورية – المحمية من مظلة الدفاع الجوي الروسي التي في مركزها صواريخ أس 400، برادارات الكشف التي لديها والتي تغطي أجزاء واسعة من دولة إسرائيل – هو معلومات استخبارية "مصبوبة من الأسمنت" عن عملية توشك على التنفيذ بشكل فوري.

لماذا تأخرت إسرائيل باغتياله؟


وشدد فيشمان على أنه في سياسة أمنية سوية العقل لا يعد الثأر سببا مقبولا لتصفية قنطار. ولو كانت إسرائيل أرادت تصفية قنطار للثأر منه، لإطلاق إشارة إلى الإيرانيين وحزب الله أو لبث رسالة للسجناء الأمنيين بأن العودة إلى الإرهاب بعد التحرر في إطار صفقة أسرى ستتطلب منهم ثمنا فتاكا – لكان لديها عشرات الفرص لعمل ذلك منذ تحرره من السجن في 2008.

واستدرك بالقول، إنه سواء كانت إسرائيل تقف خلف التصفية أم لا، فقبل كل عملية في سوريا يتعين على وزير الدفاع أن يسأل رجال استخباراته: هل تتجاوز هذه العملية الخطوط الحمراء لحزب الله والتي تستوجبه أن يرد، ومن شأنها أن تؤدي إلى تدهور في جبهة الشمال؟ هذا سؤال أساس إذ إن المصلحة الإسرائيلية هي أن يواصل حزب الله سفك دمائه في سوريا لسنوات طويلة أخرى فيضعف دون تدخل إسرائيلي.

قراءة في سلوك حزب الله 


وقال فيشمان إنه من سلوك حزب الله حتى اليوم، يتبين أنه طالما تتضرر وسائل قتالية للمنظمة على الأرض السورية، فإنه يقبل هذا الضرر كجزء من قواعد اللعب. وبالمقابل، عندما صفي جهاد مغنية، كدنا ننزلق إلى مواجهة عسكرية في الشمال.

وأوضح أن مكانة قنطار في حزب الله مختلفة جوهريا. صحيح أنه أصبح رمزا لمواصلة السجناء الأمنيين الذين تحرروا من السجن الإسرائيلي في الكفاح، كنوع من البطولة الشعبية، إلا أن حزب الله رفع عنه رعايته قبل نحو سنة. رغم ذلك، فقد واصل قنطار عمله بشكل مستقل بتوجيه من ضباط الحرس الثوري في دمشق.

ولكن ليس حزب الله وحده الذي أدار لقنطار الظهر. فالنظام في دمشق أيضا يرى في استمرار نشاطه في سوريا خطرا على مصالح الأسد، إذ إن من شأنه أن يجر إسرائيل إلى مواجهة مباشرة مع سوريا. وحقيقة أن السوريين وحزب الله على حد سواء تحفظوا على نشاط قنطار، كفيلة بأن تكون اليوم عامل لجم في الساحة، وفقا لـ"فيشمان".

وأكد أن التواجد الروسي في سوريا هو مثابة عامل لجم، يمكنه أن يدفع حزب الله إلى تلطيف حدة رد فعله. ففتح مواجهة مع إسرائيل لا تخدم المصلحة الروسية في سوريا.

إقرأ أيضا: برلماني سوري يسرد سيناريو مثيرا لكيفية اغتيال سمير القنطار

وشدد على أن سمير قنطار كان في أغلب الظن تحت الرقابة الشديدة جدا، وإلا لما كان ممكنا تنفيذ إحباطه المركز بنجاح مثير للانطباع بهذا القدر. مثل هذه المعلومات، التي تسمح بتحديد مكانه الدقيق وإطلاق الصواريخ نحوه حين لا يكون في المحيط مواطنون أبرياء، لم تولد بالصدفة. فالحديث يدور عن عمل نمل استخباراتي مهني جدا.

وحول المكان الذي تمّت تصفية قنطار فيه، قال فيشمان إن الرجل صفي في مبنى في دمشق استخدمه بحسب منشورات في سوريا ليس فقط مكان سكن لرجاله، بل وأيضا مركزا لعمليات تنظيمه. هناك توجد، بحسب ذات التقارير، غرفة المداولات التي قتل فيها قنطار، والناطق باسمه وسائقه، وأصيب بضعة أشخاص آخرين، أغلب الظن أنهم أعضاء في التنظيم. 

لماذا صفي قنطار؟ 

أجاب المحلل العسكري الإسرائيلي يوسي ملمان عن هذا السؤال بأنه "بالتأكيد أن أغلب يعود لخشية إسرائيلية من خطر قنطار، واحتمالات كبيرة بأن ينفذ عمليات إرهابية ضد إسرائيل في المستقبل".

وأكد ميلمان في مقالته بصحيفة "معاريف" أنه "قتل في الهجوم، إضافة إلى قنطار، فرحان شعلان أيضا، شريكه في التنظيم الإرهابي وقادة ميدانيون آخرون. وقد أقام الرجلان في السنتين الأخيرتين تنظيما جبهويا يدعى "المقاومة الوطنية السورية في الجولان" بإسناد حزب الله وقوة القدس ومخابرات الرئيس الأسد، وجندوا إليه، أو حاولوا أن يجندوا، في الغالب بلا نجاح، دروزا من الجولان وفلسطينيين يعيشون في سوريا وسوريين موالين للنظام، إذا كانت صحيحة المنشورات الأجنبية".

وأوضح أن الهدف من إقامة البنى التحتية الإرهابية في الجولان السوري أن تشكل ذراع الردع والثأر على الهجمات المنسوبة لسلاح الجو الإسرائيلي ضد نقل السلاح من سوريا إلى حزب الله. بهذه الطريقة سعى حزب الله وإيران إلى العمل بشكل مشابه لعمل إسرائيل على الأرض السورية ودون خرق الهدوء في لبنان. كما أن هذه البنية التحتية الإرهابية تستهدف السماح بفتح جبهة ثانية ضد إسرائيل في حالة اشتعال الحدود في لبنان ومساعدة حزب الله على تفعيل الإرهاب ضد إسرائيل دون ترك بصمات.

إنجاز استخباري 


وأكد ملمان أنه "إذا كانت صحيحة المنشورات الأجنبية فالاغتيال ليل السبت يشير إلى إنجاز استخباري لإسرائيل. فليس سهلا تلقي معلومات في زمن حقيقي عن اجتماع نشطاء إرهاب يعرفون بأنهم مطلوبون ويشكلون لإسرائيل هدفا للاغتيال، في شقة اختباء".

إقرأ أيضا: وزير إسرائيلي عن اغتيال القنطار: ربما اغتالته مخابرات فنلندا

 وأضاف أن تقارير في وسائل إعلام عربية لا تقل تشويقا عما سبق، فيما اذا كانت الصواريخ أطلقت من طائرات حامت على مقربة من الحدود ولكن داخل الأراضي الإسرائيلية، أم أنها تسللت إلى المجال الجوي السوري. اذا كان هذا جرى من داخل أراضي إسرائيل، فالأمر يدل على أنهم في القدس قرروا ألا يخاطروا في مواجهة مع روسيا، أو الامتناع عن الخطر الذي تشكله منظومة الدفاع الجوية والاستخباراتية خاصتها، والمنتشرة في سوريا، عند اكتشافها للعملية.

وتابع القول: "بالمقابل، إذا كانت طائرات سلاح الجو تسللت إلى سوريا، فإن الأمر يشهد على أن التعاون مع الروس أوسع بكثير وأعمق بكثير مما يبدي الطرفان الاستعداد للاعتراف به. يجدر التشديد على أنه رغم ماضي قنطار الإرهابي وضلوعه في قتل داني هرن وابنته عينات وقتل الشرطي يورام شاحر على شاطئ نهاريا في 1979، فإن الاعتبارات التي كانت أمام من نفذ العملية هي أساسا دوره وتواجده في السنة الأخيرة، في محاولات تنظيم أعمال الإرهاب".