قضايا وآراء

على خلفية خطابه.. طريقة الجنرال في الهيمنة على الحكم

1300x600
فd خطابه الأخير (ومن قبله خطابه الاستجدائي بمناسبة المولد النبوي) دفع السيسي بمؤيديه Yلى حيرة عميقة، وجدد استنكار معارضيه لاستمراره على رأس السلطة في مصر.

فالرجل في سبيل توطيد حكمه فعل كل شيء، من الاعتقال إلى القتل، مرورا بالإخفاء القسري والتعذيب ومصادرة الأموال والممتلكات، ولم يفته حتى التخلص من رفقاء انقلابه ليستمر هو منفردا على سدة الحكم ومتفردا بقرارته وخطاباته.

"اسمعوا كلامي أنا"

حينما يصل الضباط إلى الرتب العسكرية العليا بدون تدرج طبيعي وبدون تراكم خبرات من المناصب المتعددة التي يشغلوها خلال تدرجهم في المستويات العسكرية؛ تكون ثقتهم في حدسهم قد ترسخت لديهم بشكل يتجاوز التفكير المنطقي عند إصدارهم للأحكام بشأن ما، ولذلك فإنهم يميلون Yلى الثقة في كلامهم وأفكارهم أكثر من ثقتهم في المدنيين والسياسيين أو حتى العلم والتفكير.

"إنتو مين"

بدا الجنرال وكأنه في أزمة داخلية مع نظامه تظهر بوضوح في كلماته، فبعد خفوت الأصوات المعارضة وانحسار المظاهرات في الشارع لم يتبق للجنرال إلا صراعاته الداخلية بين أجنحة نظام حكمه، والتي استطاع المجلس العسكري – على ما يبدو – حسمها لصالحه بعد عدة جولات مع رجال الأعمال الداعمين للانقلاب وأجهزة الأمن (تغيير وزير الداخلية وكبار قيادات الأمن) وكذلك مع المخابرات العامة (ولا أدل على ذلك من إقالة السيسي لـ13 وكيلا للمخابرات منذ حوالي شهرين).

من خلال خطوات السيسي نتعرف على الطريقة التي يتبعها لإحداث التغيير الذي أراده، تغيير برؤيته تلك التي تكون قادرة على تلبية طلبات واحتياجات وتطلعات أركان نظامه الجديد، وهي على مراحل:

الأولى: هدم وإزالة النظام المدني (تغير جذري بانقلاب عسكري دموي):

وهو عين ما فعله السيسي. فالرجل لم يضع وقته كثيرا وقام بانقلاب عسكري دموي بعد أقل من عام على تعيينه وزيرا للدفاع وبعد سيطرته الكلية على الجيش، ثم تلى ذلك بتوجيه ضربات متتالية عنيفة لخصمه (جماعة الإخوان المسلمين)، ثم أتبع ذلك (بعد شهور فقط) بالتخلص من أحزاب 30 يونيه بإقالة الحكومة التي شكلتها تلك الأحزاب، والذين كانوا شكلوا غطاء سياسيا لانقلابه، ثم كان مصادرة المجال العام كله ومنع ممارسة السياسة على كل أصحاب التوجهات والإيديولوجيات إلا من حاز رضا الأجهزة الأمنية والمخابراتية، وهو ما ظهر جليا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، فقد شكل أي نشاط سياسي لأي حزب مصدر قلق للأجهزة الحاكمة والمتحكمة في النظام، صاحب ذلك قمع المجتمع المدني والحقوقي.

بل تجاوز السيسي المتوقع منه بإزاحة الإخوان المسلمين من الحكم وتجاوزه إلى تفكيك الدوائر الباقية لنظام مبارك، حتى لا تمثل أي عقبة أو تهديد لنظامه الجديد.

الثانية: وضع الأسس لاستقبال النظام الجديد (القادر على الوفاء بمتطلبات شركاء الانقلاب):

استغرق السيسي وقتا في تهيئة المناخ الجديد الذي يريده لنظامه، فرغم أن خارطة طريقه المعلنة في 3/7/2013 حددت ستة أشهر فقط لوضع دستور وانتخابات رئاسية وبرلمانية، إلا أنه استغرق حوالي سنتين ونصف حتى يُحكم قبضته على الحكم، عبر تغيير في قيادات المجلس العسكري وتغيير أكبر في المناصب، وخلال هذه الفترة حدث تغيير لثلاث حكومات لاستهلاك الوقت ومن أجل ضمان الولاء التام للسطة التنفيذية، كما شمل أيضا تغييرا في جهاز الشرطة (لم يسلم منه محمد إبراهيم وزير المذابح وشريك السيسي في انقلابه).

خلال هذه المرحلة، استغرق السيسي ورفاقه وشركاؤه في تهيئة المناخ لتشكيل نظام جديد قادر على تلبية طموحاتهم وأهدافهم بالسيطرة على السياسة والاقتصاد والحكم.

الثالثة: الهيمنة (بإقامة الهيكل الرئيسي للنظام الجديد):

السيسي مستمر في إقامة نظامه الخاص به والمعتمد كليا على جوقته العسكرية بسيطرتها على كل أجنحة النظام، بتعيين الموالين له والمقربين منه في الأماكن الحساسة (نسيبه في رئاسة أركان الجيش - ابنه في المخابرات العامة وآخر في الرقابة الإدارية)، والسيطرة التامة على وزارة الداخلية وجهاز أمن الدولة.

وفي القضاء سعى السيسي لإحكام السيطرة على السلطة القضائية كلها (بدءا باستمالة المحكمة الدستورية وتعيين رئيسها كرئيس مؤقت، ثم تعيين نائبين عامين مواليين لنظامه، فضلا عن تعيين أحد أسوأ القضاة (أحمد الزند) وزيرا للعدل، وهو الذي يقود حملة التنكيل بالقضاة الرافضين للانقلاب أو الانضواء تحت مظلته).

وتخلل ذلك سيطرة الجيش على الحياة الاقتصادية، وهو الأمر الذي يزعج رجال الأعمال الذين ساندوا الانقلاب وينتظرون الأجر والمكافأة، بدخول الهيئة الهندسية للقوات المسلحة في كل المشاريع الكبرى، بالإضافة لأعمال جهاز الخدمات العامة للقوات المسلحة وحتى منافذ بيع الجيش للمواد الغذائية واللحوم.

بعد مرحلة الهيمنة يسهل تغيير أي من الأدوات، مثل حل البرلمان أو تعيين موالين أو بالتضحية ببعض القضاة أو تقديم بعض رجال الشرطة ككبش فداء إن لزم الأمر، وباستمالة الإعلاميين أو تهديدهم علنا، وبعد أن يكون وصل لمرحلة السيطرة الكاملة. 

في سبيل إقامة العسكريين لنظامهم عبر (هدم وإزالة النظام المدني - ووضع الأسس لاستقبال النظام الجديد - الهيمنة) لا يهم منع السياسة أو سحق المعارضين أو تدمير الاقتصاد أو تجويع الشعب أو التنازل عن مقدرات مصر وثرواتها، كل ذلك لا يشغل بال العسكريين، المهم أن يقبضوا على زمام الأمور ما يمهد لبقائهم لسنوات حسب ظنهم.