قضايا وآراء

فتنة السجون "وتسمين داعش"

1300x600
تحولت السجون المصرية إلى "محاضن لتفريخ وتسمين الدواعش" أي لصناعتهم وتنميتهم رأسيا وأفقيا، وهي كانت كذلك حتى قبل ظهور داعش، ولنتذكر هنا أن سجون ناصر في الستينيات هي التي أفرخت جماعة التكفير والهجرة التي كانت تطلق على نفسها جماعة المسلمين، وهي الوظيفة ذاتها التي قامت بها سجون أخرى في بلدان عربية، مثل أبو غريب في العراق، وأبوسليم في ليبيا، وتدمر في سوريا، والرزين في الإمارات.. الخ.

فتنة تتسع، كمّا وكيفا، حاليا داخل سجون مصر بين سجناء التيار الإسلامي تحديدا، فإدارات تلك السجون تسمح للدواعش بحرية الحركة نسبيا والاشتباك فكريا مع السجناء الآخرين والسعي لإقناعهم بأفكار التنظيم باعتبارها هي الكفيلة بالقضاء على دولة الظلم والطغيان وحكم العسكر بعد أن فشلت الحلول السلمية، ومع احتداد النقاش يتطور الوضع إلى تشابك يدوي وعراك تستخدم فيه ما تتوفر من آلات حادة، وتحدث إصابات بالغة وتنزف الدماء، وهو ما حدث بالفعل عدة مرات حسبما بلغني شخصيا من بعض السجناء عبر ذويهم، ويحدث كل ذلك أمام بصر رجال الشرطة من حراس السجون الذين لا يتدخلون لفض الإشتباكات إلا بعد وصولها إلى مراحل متقدمة تهدد بإحداث فوضى داخل السجن، بل إن أولئك الضباط يحرصون على إظهار شماتتهم في المتعاركين، مرددين "اللهم أهلك الظالمين بالظالمين" فالجميع في نظرهم ظالمون طالما أنهم خرجوا على سلطة السيسي.

ووفقا للمعلومات أيضا، تزايدت أعداد الشباب الذين انضموا لفكر وتنظيم داعش داخل السجون، ورفض بعضهم حضور المحامين الموكلين بالدفاع عنهم أمام المحاكم حيث تم تصنيفهم كمرتدين لاتقبل مرافعتهم، وهو ما يذكرنا بتطور فتنة التكفير في الستينات والسبعينات، والتي بدأت باستهجان عمليات التعذيب البشعة التي تعرض لها سجناء الإخوان في سجون ناصر والتي شارك في الإشراف عليها قيادات عليا في الدولة حينئذ، وتطور استهجان التعذيب إلى نزع صفة الإسلام عمن يقوم به وتكفيرهم، ثم إلى استهجان موقف الإخوان الذين لم يكفروا عبد الناصر ونظام حكمه وسجانيه، ثم إلى القول بأن من لم يكفر الكافر فهو كافر، وبالتالي تم تكفير بقية زملائهم من سجناء الإخوان الذين يقيمون معهم في الزنازين ذاتها، والذين حبسوا معهم بالاتهامات ذاتها، ورفض هؤلاء الشباب الذي قادهم حينئذ الدكتور شكري أحمد مصطفى الصلاة خلف شيوخ الإخوان، وأقاموا صلواتهم الخاصة بهم، ووقعت نقاشات خشنة بين الطرفين، واضطر الإخوان وقتها لإصدار كتاب "دعاة لا قضاة" للرد على فتنة التكفير تلك، وهذا الكتاب كان مجموعة أبحاث قام بها عدد من قادة الإخوان وقام المرشد السبق حسن الهضيبي بتجميعها وإعدادها في صورتها النهائية، وقد حافظ ذلك الكتاب على قواعد الإخوان السجناء بشكل عام، لكنه لم ينجح في إنهاء فتنة التكفير تماما، إذ بمجرد خروج السجناء في العفو الساداتي منتصف السبعنات أعاد هؤلاء التكفيريون تنظيم أنفسهم في جماعة إعتمدت الجهاد المسلح ضد السلطة، وقتلت الشيخ الذهبي وزير الأوقاف الأسبق يوم 3 يوليو 1977، وبعدها أحالت السلطات قادة الجماعة وعلى رأسهم شكري مصطفى للمحاكمة وقضت بإعدام بعضهم والسجن لبعضهم، وتراجع نشاط جماعتهم لكنه لم يتوقف تماما بل تطور لاحقا في شكل تنظيمات جديدة منها القاعدة وداعش.

ما يحدث الآن في السجون المصرية من تفريخ وتسمين (تنمية) لداعش يؤكد أن النظام يتغذى على وجود هذه التنظيمات المسلحة حتى يبرر أمام العالم قمعه لجميع الإسلاميين في مصر، بل وقمعه لكل الحريات والحقوق لجموع الشعب، ولا يأبه هذا النظام بتداعيات جريمته على المجتمع ككل بل على السلم والأمن الدولي، فهذه الخلايا المسلحة التي رعاها النظام ورباها وثمنها داخل سجونه هي المدد الحقيقي لتنظيمات داعش المنتشرة في العديد من الأقطار والتي غزت أوروبا والأمريكتين، ويدفع العالم كله ثمن عملياتها هنا وهناك، وفي الواقع فإن الغرب يدفع ثمن دعمه للنظام العسكري القمعي في مصر الذي يصدر لهم هذه المنتجات الفتاكة.

وما يحدث في السجون المصرية من تفريخ وتسمين للدواعش يؤكد أيضا نفاق العواصم الغربية، وعدم جديتها فيما تسميه الحرب على الإرهاب، فهي في الحقيقة تتحرك لمحاربة الإسلام ذاته تحت هذا الغطاء بينما تترك النظم القمعية مثل نظام السيسي وبشار وبن زايد ليفرخوا لها المزيد من المقاتلين الذين تتذرع بهم في حربها تلك ضد الإسلام والعالم الإسلامي بهدف إخضاعه مجددا، وإعادة استعماره بطريقة عصرية لنهب ما تبقى من ثرواته.

رغم أهميتها ومع الترحيب بها لم تعد بيانات منظمات حقوق الإنسان الغربية المنددة بالتعذيب داخل السجون كافية لوقف هذا التعذيب الذي ينتج تلك المنتجات القاتلة، وأصبح من الواجب على الحكومات الداعمة لنظام السيسي ان توقف دعمها فورا إذا ارادت أن تتجنب فعلا المزيد من عمليات القتل والتخريب داخل بلدانها، فمن يلعب بالنار حتما سيكتوي بها.