سياسة عربية

هل هناك أخطاء وقع فيها الصحابة؟ أم هم مبرؤون من المعاصي؟

الداعية السعودي عائض القرني
سارع الداعية السعودي المعروف، عائض القرني، إلى الاعتذار عما ذكره عن الصحابي معاوية بن أبي سفيان في محاضرة له، حتى لا يفهم كلامه على أنه إساءة منه لمعاوية. 
 
 وكان القرني قد أورد في محاضرته قصة ذكرها الحافظ ابن عساكر في تاريخه، عن معاوية جاء فيها “أن عمر بن الخطاب قال لأبي سفيان: تسرق أنت هنا ويسرق ابنك في الشام”.
 
 وقال القرني في اعتذاره الذي نشره عبر مقطع فيديو “أستغفر الله، وأعتذر إليكم أوردت قصة واهية ذكرها ابن عساكر في التاريخ.. وأنا أستغفر الله وأجل معاوية وأترضى عليه، وهو كاتب من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخال المؤمنين، وعقيدتي هي عقيدة أهل السنة والجماعة، احترام الصحابة والترضي عنهم، والذب عنهم بما فيهم معاوية”.
 
 عكست ردود أفعال نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، والمواقع الإخبارية المختلفة، على اعتذار القرني تباينا واضحا في تقدير الموقف منه، فكثير منهم أشاد به، ومدحه وأثنى عليه، والبعض الآخر عاتبه على إيراد القصة ابتداء، وبعضهم: تساءل هل تناول أخطاء الصحابة والحديث عنها يعد قدحا فيهم، والحط من مكانتهم؟
 
 وقال أحد المعلقين على موقع إخباري نشر خبر الاعتذار “عجيب أمر بعض المشايخ أحيانا يدلون بأقوال يعتذرون عنها فيما بعد، لماذا الكلام ثم الاعتذار؟ موجها كلامه للقرني: “هل كنت تحت تأثير شيء معين مثلا؟”.
 
 ووفقا لباحثين شرعيين، فإن الحديث عن أخطاء الصحابة حتى وإن وقعت منهم، وثبتت نسبتها إليهم، فينبغي أن يتم تناولها بحذر شديد، نظرا لما يقع فيه بعضهم من اتخاذ تلك الأخطاء ذريعة للتهجم على الصحابة، والطعن فيهم، ومن ثم إسقاط عدالتهم، ورميهم بما يقدح في دينهم.
 
 القرآن مدح الصحابة وانتقد أخطاءهم
 
 من جانبه، بيّن أستاذ الحديث النبوي وعلومه في جامعة مؤتة الأردنية، محمد سعيد حوّى، أن القرآن زكى الصحابة وعدلهم، وأثنى عليهم في مواضع كثيرة، وأشاد بمناقبهم العالية، وحينما وقع بعضهم في مخالفات واضحة، نزلت آيات قرآنية تتحدث عن تلك المخالفات، وتوجههم إلى منهج التصحيح والتصويب. 
 
 وقال حوّى لـ”عربي 21": “قد يتهيب أحدنا وصف بعض الصحابة بأوصاف شديدة وقاسية (كالفشل والمعصية والتنازع.. وإرادة الدنيا..) لكن تلك الأوصاف أطلقها القرآن في سياق تأديبه وتعليمه حينما وقعت الأخطاء منهم”. 
 وأضاف “نقرأ في القرآن قوله تعالى {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ..} وهي تتحدث عما وقع من بعض الصحابة في معركة أحد، من تنازعهم ومعصيتهم لأمر الرسول لهم بملازمة مواقعهم، ما أفضى إلى فشلهم”.
 
 وتابع “ثمة وقائع أخرى سجلها القرآن في آيات تتلى إلى يوم القيامة، أظهرت أخطاء بعض الصحابة، وبينت ما يجب عليهم أن يفعلوه، كما في قصة الأنفال، والتي يقول فيها عبادة بن الصامت “فينا معشر أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النَّفل وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا وجعله إلى الرسول..”.
 
 وأشار حوى إلى أننا قد نجد أحد الصحابة يخطئ في حق صحابي آخر، كرميه بألفاظ غير مناسبة، وغير صحيحة، كما صدر من العباس في حق علي، إذ يقول العباس لعمر رضي الله عنه (اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن) كما في صحيح مسلم، وقطعا لم يكن علي رضي الله عنه كذلك، وربما صدر ذلك من العباس في لحظة غضب، أو لكونه له دالة على ابن أخيه.
 
 وأضاف حوّى “ينبغي أن نتعامل مع الصحابة بصفتهم البشرية من جهة، وبصفتهم أعظم جيل خرجه التاريخ، وبصفتهم تلاميذ تربوا في كنف النبي عليه الصلاة والسلام، وترعرعوا في مدرسته النبوية، نتعامل معهم بكل توقير وحب واحترام لما قدموه من أعظم أثر في التاريخ، ولصحبتهم للنبي الكريم عليه الصلاة والسلام”. 
 
 وانتهى حوّى إلى القول “ومع تعظيمنا للصحابة وتوقيرنا لهم إلا أنهم بشر يمكن أن يقع الخطأ منهم، لكن لا ننتقصهم، ولا نذكر تلك الأخطاء إلا للعبرة والفائدة والارتقاء بأنفسنا لما هو أسمى وأعلى، وليس للانتقاص منهم رضي الله عنهم أجمعين”. 
 
 بدوره تساءل الداعية والباحث الشرعي الأردني، سمير مراد، عن مغزى إثارة الحديث عن أخطاء الصحابة، الذي يوظفه بعضهم توظيفا سيئا للطعن فيهم، والحط من مكانتهم، وإلا لو كان الأمر بلا توجهات مسبقة حاكمة فإن الحديث عن أخطاء الصحابة يدخل في إطار الحديث عن أدائهم البشري، الواقع في دائرة الخطأ والصواب، ومن المؤكد أنهم ليسوا معصومين، ويقع لهم ما يقع للبشر.
 
 وردا على سؤال “عربي 21” هل الحديث عن تفاصيل ما جرى بين الصحابة في خلافاتهم السياسية يعد قدحا فيهم، مع أن ابن تيمية خطّأ معاوية في بعض مواقفه وتحركاته؟ أوضح مراد أن المباحثة العلمية كما فعل شيخ الإسلام ابن تيمية مقبولة من أهلها ذوي الأقدام الراسخة في العلوم الشرعية، ولا بأس من دراسة ما حدث ومعرفة خلفياته، وتحقيق ما جرى بينهم. 
 
 للصحابة مكانتهم وللمبادئ قدسيتها
 
 في السياق ذاته، لفت أستاذ تاريخ الأديان في الجامعات القطرية، محمد مختار الشنقيطي، إلى أن المدخل الأسلم لمقاربة هذا الموضوع الحساس هو “انتهاج نهج علماء الجرح والتعديل، لا في تثبتهم في الرواية والنقل فحسب، بل في منطلقهم الفكري الذي تأسس على الإيمان برجحان المبدأ على الشخص، على نحو ما برر به الإمام مسلم جرح الرواة في مقدمة صحيحه، من أنه (ليس من الغيبة المحرمة، بل من الذب عن الشريعة المكرمة)”.
 
 وأكدّ الشنقيطي لـ”عربي 21" أن “احترام الصحابة الكرام لا يكون بالغلو فيهم، أو إضفاء صفة غير بشرية عليهم، وإنما بالتزام قواعد الشرع، الذي جعل للسابقة فضلا، ومنع من إهدار ذلك الفضل بمجرد وقوع هفوة أو ذنب من هذا الصحابي أو ذاك”، مقررا “أن الدفاع عن الهفوات وتبريرها لا يستساغ شرعا، لكن إهدار فضل الأكابر بها لا يستساغ كذلك”. 
 
 ونوه الشنقيطي إلى ضرورة التنبه لمنهج دقيق في تقييم أفعال الصحابة، بلوره ابن تيمية حينما ميّز بدقة بين “الذنب المغفور والسعي المشكور” وهو وفقا للشنقيطي “أمر دقيق المسلك، وعلى قدر كبير من الأهمية، لأن بعض المتحمسين الذين لم يلتزموا منهج العلم والعدل حولوا الذنب المغفور (الواقع من الصحابة) هنا إلى سعي مشكور، وهذا أمر خطير”.
 
 وتابع الشنقيطي بيانه قائلا “لأنه يؤثر على وضوح القاعدة والمبدأ الشرعي في أذهان أجيال المسلمين، والمنهج العدل يقضي بتسمية الخطأ أو الذنب باسمه دون مواربة، ثم بيان البشارة المتضمنة للمغفرة بالنسبة لمن وردت في أشخاصهم، وبذلك يتم سد الباب أمام الذين يستسهلون الاقتداء بأخطاء الأكابر وذنوبهم، وأمام الذين يريدون القدح فيهم والتطاول عليهم، ويتم إنصاف الشخص والمبدأ كليهما”. 
 
 غالبا ما تستدعى مقولة “الكف عما شجر بين الصحابة” لإسكات من يتحدث عما وقع بين الصحابة من اختلافات وقتال، فكيف يمكن فهم هذه المقولة؟ وهل تعني عدم الخوض فيما وقع بين الصحابة من خلافات سياسية؟
 
 أجاب أستاذ الحديث النبوي وعلومه في جامعة الزرقاء الأردنية، أسامة نمر، بأن هذه المقولة لا تعني عدم دراسة تلك الأحداث وتمحيصها ومحاولة فهمها على وجهها، وتخطئة من أخطأ من الصحابة في رأيه وموقفه في تلك الأحداث.
 
 وأضاف في حديثه لـ”عربي 21": “ما أفهمه من تلك المقولة هو عدم لعن الصحابة أو تفسيقهم والطعن بهم، وهو ما يتطلب منهجا متوازنا، لا يبرر خطأ من أخطأ منهم، مع تحميله مسؤولية خطئه، من غير أن يجرنا ذلك إلى الطعن فيهم، أو لعنهم والانتقاص منهم”.
 
 ورفض “نمر” مسلك بعض الوعاظ والمدرسين في استشهادهم بقصص ضعيفة وواهية، من غير تحقيق ولا تدقيق، وهو ما يجب فعله ابتداء بالبحث عن ثبوت تلك الروايات ومدى صحتها، ولو أن الشيخ القرني فعل ذلك ابتداء لما احتاج إلى البيان والاعتذار لاحقا. 
 
 وخلص “نمر” إلى القول: “إننا حين الحديث عن أخطاء الصحابة، نقع بين فكي كماشة، فثمة من يريد توظيف تلك الأخطاء للعن الصحابة والانتقاص منهم، والطعن فيهم، وثمة من يريد إخفاء تلك البقع السوداء، ويغطي عليها، ويبرر ما لا يمكن تبريره، ويسوغ ما لا يحسن تسويغه، والمنهج العدل يتمثل في حفظ مكانة الصحابة وسابقتهم، مع تخطئة من أخطأ منهم، وترك الحكم عليهم لعالم السر وأخفى”.