مقالات مختارة

الأسباب الموضوعية.. لإفلاس الدولة

1300x600
التصريحات التي أطلقها محمد التويجري، نائب وزير الاقتصاد والتخطيط، في برنامج الثامنة في قناة "mbc"، وقال فيها إن المملكة العربية السعودية تتقدم نحو الإفلاس في غضون ثلاث إلى أربع سنوات إذا لم تتخذ من الإجراءات والحيطة ما ينقذها من الخطر القادم. هذه التصريحات أحدثت بلبلة واسعة في وسائل التواصل الاجتماعي.

ولا شك أن تصريحا كهذا التصريح من مسؤول رفيع المستوى في وزارة مثل وزارة الاقتصاد والتخطيط سوف يفتح شهية المتربصين بالمملكة، ويحفز الإعلام المعادي على حياكة مزيد من الحملات على المملكة ومقدراتها المالية والتنموية، وهي فرصة للمؤسسات المالية المغرضة كي توظف هذا الخبر لنشر مزيد من عدم الثقة بالاقتصاد الوطني السعودي، وموقف محطة CNN من المملكة معروف؛ ولذلك جاء هذا الخبر فرصة لإعادة نشره ودعمه بالتشويهات والمبالغات التي تخرجه من موضوعه الحقيقي.

إن كل الإخوة والزملاء الذين أدلوا بدلوهم، وأكدوا أن المملكة تقترب من الإفلاس بحد أقصى في عام 2018، يبدو أنهم تعجلوا في إطلاق مثل هذه الآراء، والأغرب من ذلك أن بعض المحللين الاقتصاديين قالوا إن إفلاس الدولة الحتمي بعد ثلاث سنوات! كلام غريب وعجيب، ولا يستند إلى مبررات علمية أو موضوعية؛ ولذلك فإن ما توصلوا إليه وتقولوا به كلام مرسل ليس له سند علمي دقيق، ولا يدخل ضمن الاحتمالات الموضوعية التي يمكن حدوثها في المدى المنظور. دعونا نستعرض الأزمة اليونانية، ونحوم حول الأزمة المصرية فهما كافيان لإعطائنا الأسباب الموضوعية لإفلاس الدولة.

بدأت الأزمة الاقتصادية في اليونان حينما بدأت الدولة ترصد أموالا طائلة للتسليح، وفي ظل توجه الدولة نحو التسليح بدأ التسيب الإداري وانتعاش الفساد المالي يدب في كل أوصال الإدارة؛ ما أدى إلى عجز الدولة عن جمع الضرائب، مع انتشار البيروقراطية والمحسوبية وعجز الدولة عن تطبيق القوانين لحسابات نقابية وحزبية، يضاف إلى ذلك أن اليونان لم يكن لديها نظام مصرفي قوي، كما أنها كانت تعاني ضعف البنية التحتية. الأمرّ من ذلك أن الدولة عجزت عن تسديد الأعباء المالية للديون، التي تعد من أقسى الديون شروطا وأعلاها فائدة، وذلك لأنها كانت تتم تحت ظروف اقتصادية وسياسية ضاغطة. 

أيضا من الأسباب التي أدت إلى الأزمة اليونانية فقدان اليونان حصتها من السوق المحلية والأوروبية بعد دخولها الاتحاد الأوروبي، وذلك لضعف القدرة التنافسية للصناعات اليونانية مقارنة بالصناعات الأوروبية، إضافة إلى ضعف السياحة، وذلك بسبب عدم تحديث البنية السياحية لتنافس مراكز سياحية على درجة كبيرة من الانبهار والجاذبية.

نتيجة لما تقدم، استمرت اليونان في سياسة اللجوء إلى الاقتراض دون التمكن من القدرة على تسديد الديون، ولذلك لم تتحمل الديون فحسب بل كلفت الاقتصاد اليوناني بدفع فوائد الديون العالية.

هذا عن الحالة اليونانية أما الحالة المصرية ، فإن الاقتصاد المصري يعاني حاليا حالة من التدهور وعدم الاستقرار في ظل اضطراب الأوضاع الأمنية وحالة التخبط الإداري في اتخاذ القرار، وترتيب الأولويات، ما ترتب عليه غلاء أسعار كل السلع متأثرة بارتفاع معدل التضخم وانخفاض الجنيه، وكذلك انهيار الركائز الأساسية للاقتصاد مثل البنية الصناعية والزراعية والسياحية، حيث بلغ عدد المصانع المتوقفة عن العمل نحو خمسة آلاف مصنع، ما أدى إلى تشريد آلاف العمال، وأصبح الشارع ملجأ لأكثر من ربع مليون عاطل كانوا يوما ما أساس عجلة الإنتاج في مصر. 

كذلك فإن السياحة المصرية كانت في المرتبة الأولى ضمن قائمة القطاعات الاقتصادية الأكثر تضررا نتيجة سقوط الطائرة الروسية ونتيجة لضعف الأمن في المطارات المصرية؛ ما أدى إلى صدور تعليمات من الحكومتين الروسية والبريطانية بعدم السفر إلى مصر. وبالنسبة للدين العام في مصر فإن مصر في المرتبة 138 بنسبة دين بلغت 89.5 في المئة، أي أن مصر من أعلى الدول مديونية، ومع انخفاض احتياطي البنك المركزي إلى 13 مليار دولار أصبحت سياسة تعويم الجنيه هي السائدة، وأصبحت قيمة الجنيه السوقية في أدنى مستوى لها، ونتيجة لذلك أخذت الأسعار ترتفع بشكل أقلق الشارع المصري.

وفي ضوء الأوضاع الاقتصادية في اليونان ومصر فإن السعودية أبعد ما تكون عن هذه الأوضاع، إن هبوط أسعار النفط يعد -بالنسبة للاقتصاد السعودي- عاملا مؤثرا في مستوى أداء الاقتصاد، ولا يمكن أن ننكر هذا العامل المهم لأن إيرادات النفط كانت تشكل نحو 89 في المئة من إيرادات الميزانية العامة للدولة.

ولكن إذا قارنا تكلفة إنتاج البرميل السعودي الواحد بسعر بيع البرميل الواحد من النفط في السوق العالمية، فإننا نلاحظ أن خزانة الدولة تحقق ربحا مجزيا، ولكن المشكلة أن الأرباح ظلت أرباحا ولكنها انخفضت بشكل معياري.

وطبعا هذه المشكلة حقيقية ولكن الدولة لم تنتظر طويلا حتى تهدد هذه المشكلة اقتصادها الوطني، فبادرت وأصدرت "رؤية 2030" ثم بادرت ونفذت عدة إجراءات من أهمها ترشيد الإنفاق والعمل على تنويع مصادر الدخل دون الاعتماد على المورد الواحد، كذلك فإننا لم نلحظ ارتفاعا ملحوظا في الأسعار في السوق السعودية، بل لاحظنا انخفاضا ملحوظا في أسعار بعض السلع. كذلك لم نلحظ في السوق السعودية انهيار سوق المال، وما زالت السوق تعمل في حدود الظروف التي تمر بها وتيرة الاقتصاد في الوقت الراهن. 

وإذا ألقينا نظرة على العملة السعودية، فإننا نلاحظ أن الريال يحتفظ بقوته، ويقف شامخا أمام جميع العملات، كذلك رأينا في الحالة اليونانية والحالة المصرية أن من أسباب إفلاس الدول عجز الدول عن سداد الدين العام، وفي المملكة وصل الدين العام إلى 44.3 مليار ريال، وهو ما يعادل 1.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويعد أقل معدلات الدين العام نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي على مستوى العالم.

ونستطيع القول أيضا إن من أسباب إفلاس الدول هروب الأموال إلى الخارج وسقوط البنوك والمصارف والتكالب على شراء الذهب والمعادن، وهذه الحالة حدثت في مصر واليونان، وهو ما لم نره في الأسواق السعودية ولن نراه بإذن الله.

وبالنسبة لعلاقة المملكة مع الخارج يكفينا أن وزارة الخزانة الأمريكية أصدرت بيانات في 16 مايو 2016 أشارت فيها إلى أن الديون الأمريكية لدى المملكة بلغت نحو 116.8 مليار دولار، وبالتالي دخلت الرياض ضمن قائمة أكبر عشرة دائنين لدى الولايات المتحدة.

مما سبق يتضح لنا أن الحديث عن قضية إفلاس المملكة من قبل إعلام معاد لا يعكس سوى تمنياتهم وهي أبعد ما تكون عن الحقائق الدامغة.

الاقتصادية السعودية