قضايا وآراء

قراءة في إعلان موسكو

1300x600
يعتبر اجتماع موسكو (روسيا، تركيا، إيران) نقطة تحول هامة على المستوى السياسي تقارب في أهميتها ما جرى في حلب، بل يمكن الجزم أن الاجتماع لم يكن ليبصر النور لولا التطورات الميدانية الأخيرة في مدينة حلب بشكل خاص ومحافظة حلب بشكل عام.
 
حمل إعلان موسكو دلالات ومعان كثيرة في ظل توسط أنقرة المشهد، وبدأت كثير من الأقلام والتحليلات تتحدث عن الانعطافة الأيديولوجية والسياسية لتركيا حيال الأزمة السورية، وكيف أن الاجتماع يشكل منصة سياسية وحيدة تحل محل منصة جنيف من أجل شرعنة النظام وتثبيت وجود حلفائه العسكريين على أرض سوريا وحلفائه السياسيين على طاولة المفاوضات.
 
صحيح أن الإعلان يكرس رؤية موسكو، لكنها رؤية تم التوافق على معظمها مع الولايات المتحدة، فالقرار الدولي 2254 الذي تم التأكيد عليه في إعلان موسكو هو المرجعية الأساسية للحل السياسي في سوريا، وهو القرار الذي شكل وقت صدوره تراجعا عن الصيغة المعتمدة في "جنيف 1" (هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة) لصالح (حكم ذي مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية)، وهي صيغة فضفاضة تحمل قراءات عدة.
 
وإذا كان إعلان موسكو لم يتطرق إلى مصير الأسد، فذلك لأن القرار الدولي 2254 والتفاهمات الدولية السابقة عليه (بياني فينا الأول والثاني) لم تتطرق إلى هذه النقطة التي تركت قصدا إلى مرحلة لاحقة ومتأخرة من المفاوضات، وهو ما لم تفهمه المعارضة إلى الآن في حين فهمته الدول الإقليمية الفاعلة في الملف السوري وفي مقدمتهم تركيا، التي بدأت منذ فترة تعديل خطابها السياسي، ليس بسبب تراجع في مواقفها الأخلاقية من الأزمة السورية، وإنما ضمن حسابات السياسة القائمة على فن الممكن، من أجل الحصول على مكتسبات لم تستطع تحصيلها من حلفائها الغربيين، الأمر الذي انعكس سلبا على مصالحها القومية العليا.
 
ليس إعلان موسكو بديلا عن جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة كما يتصور البعض، بقدر ما يمكن وصفه بإعلان إطار، فالمسألة السورية لا يمكن اختزالها ضمن محور بمفرده، ولا يمكن حلها وفق مصالح محور بمفرده، إنها أزمة تعكس المصالح الإقليمية والدولية المتعارضة، وحلها لا يكون إلا بمظلة دولية، وهو ما أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أثناء المؤتمر الصحفي الثلاثي.
 
 فعلى الرغم من التفاهمات التي صدرت عن الثلاثي الروسي التركي الإيراني، فإن خلافات كبيرة بينهم ما زالت قائمة، فتركيا لم تتخل عن دعمها للائتلاف الوطني كمرجعية أساسية للمعارضة، ولم تتخل عن دعمها لـ "الجيش الحر" وبعض الفصائل الإسلامية كـ "أحرار الشام"، ولم تتخل أنقرة أيضا عن صيغة للتسوية تكون جادة، لا شكلية هدفها إعادة إنتاج النظام من جديد، وإن خفضت من مستوى خطابها السياسي في سوريا.
 
كما بدا التباين واضحا بين موسكو وطهران حيال كثير من التفاصيل، بدءا من القرار الدولي الأخير الخاص بحلب وانتهاء بشكل التسوية المطلوبة في سوريا.
 
بين موسكو وطهران خلافات حول الفصائل العسكرية للمعارضة التي ستدرج في التسوية، وبسبب هذه النقطة تصر إيران على استكمال محاربة فصائل المعارضة لاسيما المعتدلة، في حين تبدو موسكو في هذه المسألة أقرب إلى الرؤية التركية ورؤية المجتمع الدولي الساعي وراء وقف عام لإطلاق النار.
 
أهمية إعلان موسكو أنه سيمضي قدما في تنفيذ التفاهمات الأمريكية ـ الروسية وهذه المرة بدعم من تركيا، وهي:
 
ـ تعديل وفد المفاوضات عبر إدخال فرقاء يعكسون مختلف أطياف القوى السياسية والعسكرية، خصوصا المقربين من موسكو.
 
ـ عدم وضع شروط مسبقة للتفاوض.
 
ـ فصل المعارضة المعتدلة عن تلك الإرهابية وفق تعريف الأمم المتحدة، على أن يترك مصير بعض الفصائل الإسلامية إلى تفاهمات لاحقة، وقد بدت ملامح هذه المسألة بالظهور مع توجه بعض الفصائل إلى التوحد بعيدا عن "جبهة فتح الشام".
 
ـ تحقيق وقف إطلاق النار في عموم البلاد.
 
هذه النقاط الأربعة في إعلان موسكو هي التي ستكون محور اجتماع الاستانة المقبل الذي سيتحول إلى منصة رئيسة تكون أساسا ومنطلقا لمفاوضات جنيف المقبلة وليست بديلا له.
 
غير أن الدرس الكبير الذي على المعارضة الاستفادة منه، هو قراءة المزاج الدولي الذي بدأ بالتغير منذ أشهر، وفشل المعارضة في فهم هذا المتغير الذي بدا واضحا عبر منصة كيري ـ لافروف هو الذي أدى إلى هذه النتائج الكارثية في حلب.
لا يعني ذلك أن المعارضة مطالبة بتغيير مواقفها من الحل السياسي، فهذا أمر لا يختلف عليه أحد، لكنها كانت مطالبة بتغيير التكتيك السياسي ـ العسكري لتفادي الهزيمة، ولتفادي سحب الغطاء الأمريكي.