قضايا وآراء

أحداث الكرك في الأردن: شباب محبط وأرقام مقلقة

1300x600
في بداية النصف الثاني من الشهر الجاري، جرت اشتباكات بين الأجهزة الأمنية الأردنية وخلايا تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أسفرت عن سقوط 11 شخص من كوادر الأجهزة الأمنية وثلاثة مدنيين بينهم سائحة كندية، وفي وقت سابق من هذا العام تمكن الأجهزة الأمنية من تفكيك خلية تابعة لداعش في مدينة اربد أسفرت عن مقتل رجل أمن أردني ومقتل جميع أفراد الخلية التابعة لداعش.. لكن هل أحداث الكرك ستكون الأخيرة في الأردن؟

(1) شباب أردني محبط وغير فاعل سياسيا

في استطلاع للرأي أجراه مركز عالم الآراء، تحت إشراف الدكتور سامر أبو رمان،الخبير الدولي في استطلاعات الرأي، حول رأي الشباب الأردني في المشاركة السياسية، كانت نتائج الاستطلاع نتائج كاشفة للواقع المحبط الذي يعيشه الشباب الأردني. الاستطلاع استهدف الشريحة الشبابية التي تراوحت أعمارها بين 18 سنة و35 سنة، وهي شريحة عمرية تشكل 30% من سكان الأردن.

كشف هذا الاستطلاع أن الشباب الأردني عازف عن العمل السياسي، إذ أن ما نسبته 3.88% من الشباب الأردني غير منتم لأي من الأحزاب السياسية المرخصة، وأن 50% من الشباب لا يؤيدون أي من الأحزاب الموجودة والعاملة في المملكة، ويرجعون ذلك لعدة أسباب من وجهة نظرهم، تتمثل في عدم جدوى العمل الحزبي، ونظرتهم السلبية للعمل الحزبي باعتبار الأحزاب عبارة عن شبكة مصالح لأعضاء الأحزاب، إضافة إلى قناعتهم بعدم وجود بيئة سياسية تشجع على العمل الحزبي، وعدم قناعتهم بالبرامج الحزبية التي تخدم القضايا الشبابية، إضافة إلى وجود المخاوف والهاجس الأمني من الانتساب للأحزاب السياسية، مما سيؤثر على حياتهم المستقبلية والوظيفية.

استطلاع الرأي أظهر أن الشباب الأردني مهتم جدا بمتابعة الشأن السياسي إذ وصل إلى 90%، لكنهم بذات الوقت غير فاعلين عمليا في هذا المجال وحتى غير متفاعلين مع الأنشطة السياسية، إذ أن 38% من الشباب لا يتابعون الندوات السياسية ويعتبرونها ثرثرة، كما أن 33% يرون أنه ليس لديهم دور فاعل في الحياة السياسية، ربع هؤلاء يرجعون السبب في عدم فاعليتهم إلى المخاوف الأمنية من ممارسة الحياة السياسية وإبداء الرأي بحرية.

(2) بيئة حاضنة للتطرف وأرقام اقتصادية مقلقة

في تقرير نشره مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية أن 4% من قادة الرأي (النخب السياسية والأكاديمية والدينية والتعليمية) في الأردن يؤيدون داعش، كما أن 7% من المستطلعة أراؤهم يؤيدون داعش، وهي نسبة متقاربة مع النسب التي أظهرها استطلاع الرأي الذي أجراه "منتدى فكرة"، بتكليف من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، إذ أظهر أن داعش لها تأييد في الشارع العربي وصل إلى 5.8% تقريبا، وأن لها تأييد في الشارع الأردني وصل إلى 9% من الذين ينظرون لداعش بشكل إيجابي وإيجابي لحد ما.

يقدر عدد أتباع السلفية الجهادية في الأردن بأكثر من 7500 شخص، وإن كانت تقديرات الخبراء في ذلك التيار تقول إن العدد أكثر من ذلك بكثير. وبذلك تكون السلفية الجهادية أكبر تنظيم في الأردن من حيث عدد الأتباع، وإن كانت تنظيما فكريا وغير هرمي ولا مركزي، إذ يقدر عدد الملتحقين من الأردنيين بجبهة النصرة وداعش في سوريا بين 3000 و5000 مقاتل، وفقا للتقديرات العامة التي تُسرب من أنصار وأطراف مقربة من هذا التيار.

وجود هذه الأرضية والتأييد لتنظيم الدولة الإسلامية في الساحة الأردنية؛ يعود إلى البيئة الاقتصادية الحاضنة لمثل هذه الأفكار، إذ بلغ الفقر في الأردن نسبة 15%، حيث أن خط الفقر في الأردن يساوي 1150 دولار أمريكي، ما يجعل النسبة الحقيقية للفقر بالأردن تتجاوز الأرقام المعلنة من قبل الحكومة بكثير، كما أن البطالة ارتفعت لتصبح 13.8% وفقا للإحصاءات الرسمية الأردنية، وأن هذه البطالة تزيد في الشرائح المتعلمة لتصل إلى 25% بين الإناث. أما من حيث الغلاء، فالعاصمة عمان أصبحت أغلى عاصمة في العالم العربي وأفريقيا، إضافة إلى الفساد المستشري في الأردن، إذ أن الفساد كلف الأردن في السنوات العشر الأخيرة 17 مليار دولار أمريكي، وهو ما يمثل نصف مديونية الأردن الحالية، والذي تطلب فرض أكثر من 100 ضريبة ورسم على المواطن الأردني، إذ أصبحت واردات الدولة من الضرائب تمثل 83% من حجم الميزانية العامة للدولة.

(3) اختلاف في التشخيص المرض

في الوقت الذي تُجمع فيه الدولة والمعارضة الإسلامية في الأردن على الوقوف جميعا في وجه الإرهاب والتطرف، إلا أن الخلاف على أشده ما بين الجانب الرسمي والمعارضة الإسلامية، في توصيف الحالة التي أنتجت التطرف في البيئة الأردنية.

الحكومة الأردنية والنخب العلمانية تذهب إلى أن الإرهاب مولود طبيعي للانحراف الديني والفكري الذي تعيشه الجماعات التكفيرية، بينما ترى المعارضة الإسلامية بمعظم ألوانها؛ أن الفقر والبطالة والغلاء والفساد وعدم الشعور بالعدالة الاجتماعية؛ هي المحرض الأول والرئيسي للتطرف والإرهاب. اختلاف في التوصيف يقود إلى اختلاف في البحث عن حلول لهذه الظاهرة التي تهدد الجميع، فيما تذهب بعض النخب السياسية إلى توصيف الواقع بشكل أكثر مقاربة، إذ يرون بروز التيار المتشدد في الأردن يعود إلى انحراف فكري وديني نتيجة انتشار كتب المقدسي منظر السلفية الجهادية، قبل أن يقوم بإجراء بعض المراجعات على مواقفه في سجنه، إضافة إلى البيئة الاقتصادية الأردنية الحاضنة لمثل هذا التصور الفكري، إذ يرون أن الفقر والبيئة الاقتصادية المختلة عوامل كاشفة لا مُنشئة للمرض، وأن المرض في أصله انحراف ديني وفكري.

في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة الأردنية مكافحة التطرف والإرهاب على نظرية إحكام القبضة الأمنية، ومحاربة التطرف الديني عبر أذرعها الإعلامية المحلية، ومحاولة استثمار تلك الأحداث من قبل الحرس القديم في الدولة للتضييق على الحريات وهوامش الحياة الديمقراطية، تصر المعارضة على استثمار الحدث في محاولة لتحقيق مكاسب سياسية، كل ذلك مترافق مع استقطاب حاد ما بين القوى الإسلامية والقوى العلمانية بجميع أجنحتها، والتي تحاول أن تستثمر الأحداث في محاربة ظاهرة التدين بشكل عام، وتحاول أن تعيد إنتاج ذاتها من خلال الهجوم على التيارات الإسلامية التي تعيش حالة من الالتفاف الشعبي النسبي، والذي تفتقر إليه هذه القوى العلمانية.

الأردن مقبل على أزمة أمنية كبيرة تتعلق في التعامل مع انتشار الفكر السلفي الجهادي الآخذ بالاتساع بين أوساط الشباب والطبقة الاجتماعية المتوسطة، إضافة إلى عودة بعض العناصر المقاتلة مع الجماعات الجهادية المتشددة، مما يستوجب على الجميع نظام ومعارضة تكثيف الجهود والتعاون فيما بينهم؛ لمواجهة هذا المد بروح التشاركية بعيدا عن المناكفات، وذلك بالتعاون على محاربة الفساد الذي ترك آثار كارثية على حياة الناس الاقتصادية وأثقل كاهلهم، وإجراء إصلاحات سياسية حقيقية وإطلاق يد الحريات لإزالة حالة الإحباط التي تسيطر على الشباب، وتعالج عزوفهم عن الانخراط في الحياة السياسية عزوف تستغله الجماعات المتشددة في تعزيز نفوذها لدى هذه الشريحة من المجتمع، إذ كان الهاجس الأمني والخوف على المستقبل الوظيفي نتيجة لممارسة العمل السياسي من أهم العوامل المؤثرة في عدم الانخراط بالعمل السياسي للشباب الأردني، كما أظهره استطلاع الرأي، فالطبيعة لا تقبل الفراغ وطاقات الشباب، إن لم تصرف تحت ضوء الشمس والعمل النافع المفيد ستجد لها سبيل في العتمات وطرق التطرف والتشدد. الأردن أحوج ما يكون إلى توقف النخب العلمانية عن حالة الاستقطاب الاجتماعي ومهاجمة التدين بشكل عام استقطاب يضعف الجميع ويضعف المجتمع، ويجعله أكثر عرضة للاختراقات الفكرية ونمو الخطاب الراديكالي المضاد. كما على الجميع وقف حالة الاستثمار في أحداث الكرك للتهديف ضد بعضهم البعض. ومن المهم أيضا إعادة النظر في المنظومة التعليمية بجميع مراحلها مدرسية وجامعية و التي أثبتت افتقارها إلى المعرفة الدينية والثقافية التي تحصن الجيل من انحرافات التطرف والتشدد، كل تلك الإجراءات الوقائية لا تغني عن اتخاذ الاحتياطات الأمنية اللازمة تجاه العائدين من ساحات القتال، وفقا لمحاكمات قانونية عادلة، وبذات الوقت إعادة تأهيليهم لينخرطوا بالمجتمع من جديد.