كتاب عربي 21

الكرة في ملعب الشعب التركي

1300x600
أقر البرلمان التركي أخيرا مشروع التعديل الدستوري الذي تقدم به حزب العدالة والتنمية الحاكم ودعمه حزب الحركة القومية، على الرغم من الجهود التي بذلها حزب الشعب الجمهوري لعرقلة عملية التصويت، وأصبح اليوم حلم الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي أقرب للتحقيق من أي وقت مضى.
 
ما هي الخطوات التي ستعقب موافقة البرلمان على مشروع التعديل الدستوري الذي يتألف من 18 مادة؟ الخطوة الأولى أن يحيل البرلمان حزمة التعديلات إلى رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان. والخطوة الثانية أن يصادق أردوغان على مشروع التعديل خلال 15 يوما. والخطوة الثالثة أن يجرى الاستفتاء الشعبي يوم الأحد الأول بعد 60 يوما من نشر قرار إجراء الاستفتاء الشعبي في الجريدة الرسمية.
 
حزب الشعب الجمهوري أعلن أنه بعد توقيع رئيس الجمهورية على التعديل الدستوري، سيتقدم فورا إلى المحكمة الدستورية بطلب إلغاء حزمة التعديلات، بحجة أن عملية التصويت في البرلمان لم تكن سرية، إلا أن المتوقع أن ترفض المحكمة الدستورية طلب حزب الشعب الجمهوري، كما أن النظر في مضمون التعديلات الدستورية التي يوافق عليها البرلمان ليس من صلاحيات المحكمة.
 
وأما التوقعات حول نتائج الاستفتاء فتشير استطلاعات الرأي إلى أن الشعب التركي سيوافق على التعديل الدستوري المقترح. وكان حزب العدالة والتنمية حصل وحده في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 على 49.5 بالمائة من أصوات الناخبين، فيما حصل حزب الحركة القومية في تلك الانتخابات على 11.9 بالمائة من مجموع الأصوات. ومن المحتمل أن يصوت بعض الناخبين الذين صوتوا في الانتخابات الأخيرة لصالح الحزبين ضد التعديل الدستوري في الاستفتاء، كما أن هناك نسبة من الناخبين لم يصوتوا في الانتخابات لأي من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، إلا أنهم سيصوتون في الاستفتاء الشعبي لقبول التعديل الدستوري. وبالتالي، يتوقع أن يوافق الشعب التركي على حزمة التعديلات، وقد تصل نسبة الأصوات المؤيدة لها في الاستفتاء الشعبي إلى 60 بالمائة، كما يقول عادل غور، رئيس شركة A&G للأبحاث.
 
الجبهة المعارضة للتعديل الدستوري، بما فيها حزب الشعب الجمهوري، تستعد للحملة الدعائية التي ستطلقها للدعوة إلى رفض التعديل الدستوري في الاستفتاء الشعبي. ومن المتوقع أن تبني دعايتها على الترويج بأن التعديل الدستوري يعني التخلي عن الجمهورية والنظام العلماني، وأنه سيؤدي إلى السلطنة والدكتاتورية والفدرالية وربما إلى تقسيم البلاد. ولكن هذه الدعاية لا يمكن أن يصدقها غير الذين يعادون حزب العدالة والتنمية ورئيس الجمهورية أردوغان بشكل أعمى، لأن الجميع يعرف أن النظام الرئاسي المقترح لا يغير على الإطلاق طبيعة النظام العلمانية، وأن تركيا لا تنتقل من الجمهورية إلى السلطنة، كما أن تأييد حزب الحركة القومية للتعديل الدستوري خير دليل على عدم صحة القول بأنه سيؤدي إلى الفدرالية وتقسيم البلاد، لأن حزب الحركة القومية أكثر الأحزاب السياسية رفضا لفكرة الفدرالية وحرصا على وحدة تراب البلاد.
 
أما القول بأن الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي سيؤدي إلى الدكتاتورية فهو اتهام قديم يكرره هؤلاء مثل الأسطوانة المشروخة، ولم يسلم منه عدنان مندريس ولا تورغوت أوزال، لأنهم يعتبرون أي زعيم سياسي يرفض وصايتهم ويلتف الشعب حوله دكتاتورا.
 
وعلى خلاف ما تدَّعيه الجبهة المعارضة للتعديل الدستوري، يعزز النظام الرئاسي المقترح الإرادة الشعبية ويحمي العملية السياسية من الأزمات. ولذلك كان الانتقال إلى النظام الرئاسي حلم الزعماء الأتراك السابقين، مثل تورغوت أوزال وسليمان دميرل. وكان أوزال في برنامج تلفزيوني استضافه عام 1993، دعا إلى الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي وتعيين الوزراء من خارج البرلمان. وحين سئل: "ألا يؤدي ذلك إلى التفرد بالحكم؟"، أجاب قائلا بأن النظام الرئاسي يفصل السلطتين التشريعية والتنفيذية فصلا كاملا وبالتالي يعزز مراقبة البرلمان لأعمال الحكومة.
 
رئيس الجمهورية التركي الأسبق سليمان دميرل هو الآخر سبق أن دعا إلى الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي. وقال دميرل عام 2006، ردا على سؤال عن الأشياء التي كان يتمنى تحقيقها ولكنها لم تتحقق، إنه كان يتمنى أن تنتقل تركيا إلى النظام الرئاسي، وشدد على ضرورة تغيير النظام في البلاد. وهو ما يؤكد أن فكرة الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي كانت تراود معظم الزعماء السابقين إلا أنهم لم ينجحوا في تحقيقها.