لم يكن مفاجئا فوز الكويت بمقعد غير دائم في مجلس الأمن عن العامين المقبلين، بأغلبية ساحقة بلغت 188 صوتا من أصل 192 دولة صوتت في الاقتراع الذي شهدته الأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي، ليتأكد للجميع أن الكويت تمثل صوت العقل والحكمة في عالم يضج بأصوات القنابل والقصف وهدير الطائرات ولغة السلاح.
فالديبلوماسية الكويتية أثبتت ولأكثر من نصف قرن من الزمان علو كعبها، خصوصا أن من أسس بنيانها ودعم حضورها الدولي هو صاحب السمو الأمير، الذي تولى حقيبة وزارة الخارجية زمنا ليس بالقليل حتى أصبح عميد الديبلوماسية في العالم، وها هو بعد تولي منصب الإمارة، جعل الكويت قبلة الباحثين عن حلول سلمية للأزمات التي تعصف بالمنطقة، ليتأكد للقاصي والداني أنها رقم ليس بالهين ولا القليل في المعادلة السياسية للمنطقة والعالم.
وليس أدل على ذلك من لجوء الأمم المتحدة لها لتكون مسرحا لأعمال إنسانية وسياسية باحثة عن حل سلمي لما تشهده بلادنا العربية من مشاكل، فاستضافت 3 مؤتمرات لمانحي الشعب السوري، وكانت اكبر دولة مانحة له. كما استضافت محادثات السلام اليمنية لأكثر من شهرين، وسعت جاهدة لإيجاد حل سلمي للأزمة وتقريب وجهات نظر الأفرقاء في الأزمة. وها هي مرشحة من جديد لاحتضان حوار يمني جديد يؤمل أن يفضي إلى سلام يعيد الأمن والاستقرار لربوع اليمن الشقيق.
وخلال السنوات الخمس الماضية، قاد «أمير الإنسانية» جهودا حثيثة لتقريب وجهات النظر بين الأشقاء في دول مجلس التعاون، ورأينا سموه يتجول بين عواصم دول الخليج، عاكفا على حل القضايا العالقة، حتى عادت المياه لمجاريها من جديد. واليوم يتواصل العطاء الكويتي الذي لا نشك لحظة بأنه سيكون له الدور الحاسم في الأزمة الجديدة التي حدثت أمس، وأدت لقطع العلاقات بين عدد من الدول الخليجية، والتي تهدد بتشتت «البيت الخليجي» وضياع الحلم الذي راود الكثيرين في شأن كيان خليجي موحد، وقد طرح من قبل في قمم دول المجلس بضرورة انتقال الدول من حالة التعاون إلى الاتحاد.
ومهما بدت الأزمة الحالية كبيرة، فإن ثقتنا بقيادتنا الحكيمة أكبر بأن يكون لها دور حاسم في نزع فتيلها وإعادة المياه إلى مجاريها، بسياسة صاحب السمو الذي سيسخر خبرة السنين التي أصلح خلالها بين الغرباء، ليصلح بين الأشقاء، وسموه أهل لذلك وليس غيره القادر على القيام بدور إيجابي.
فنظرة لواقع الدول العربية، تقودنا إلى أنه ليس هناك دولة مؤهلة للعب دور الوساطة بين الإخوة والأشقاء كالكويت، فهي انتهجت منذ تكوينها على إقامة علاقات متوازنة قائمة على الاحترام المتبادل مع الجميع، عربا وغير عرب، وليس لأي زعيم عربي حاليا القدرة على تبني ملف المصالحة كما هو صاحب السمو الذي سيتحرك مدعوما بتأييد محلي كبير لرأب الصدع الخليجي، وبمباركة الأشقاء ممن لا يضمرون لدول الخليج الشر ويسعون لوحدة كلمتها ومواقفها السياسية.
وكما يقال «اشتدي أزمة تنفرجي»، فإن الأزمة بين الأشقاء وصلت ما وصلت إليه، وهو إيذان بانفراجها الذي نأمل أن يكون بتحرك أمير الديبلوماسية والإنسانية، وهو أمر ليس ببعيد المنال بخبرة وجهود صاحب السمو ودعاء المخلصين من أبناء الأمة.