أثار تخلي الإدارة
الأمريكية عن فصائل المعارضة في الجنوب السوري، تساؤلات كثيرة حول طبيعة المحادثات
والمكاسب التي حصلت عليها
واشنطن مقابل تركها فصائل المعارضة منفردة في مواجهة
النظام السوري وروسيا وإيران، متراجعة عن تهديداتها السابقة للطرف الذي يخرق اتفاق
خفض التصعيد.
وكانت مصادر في
المعارضة كشفت يوم الأحد، أن الإدارة الأمريكية تخلت عن فصائل الجنوب في مواجهة
الحملة التي يشنها النظام في المنطقة.
وذكرت المصادر أن
المسؤولين الأمريكيين بعثوا رسالة إلى المعارضة قالوا فيها: "إن الحكومة
الأمريكية تريد توضيح ضرورة ألا تبنوا قراراتكم على افتراض أو توقع قيامنا بتدخل
عسكري".
وأضافت الرسالة: "إننا في حكومة الولايات المتحدة ندرك الظروف الصعبة التي تواجهونها ومازلنا
ننصح الروس والنظام السوري بعدم الإقدام على إجراء عسكري يمثل خرقًا للمنطقة".
بدوره، اعتبر الكاتب
الصحفي المختص بالشأن الروسي طه عبد الواحد، أنه "ما كان للنظام السوري أن
يطلق معركة ضد منطقة "خفض التصعيد" جنوب
سوريا دون ضوء أخضر روسي، ولم
يكن الروس ليوافقوا على المعركة دون التوصل إلى تفاهمات مع تل أبيب وواشنطن بصورة
خاصة".
وعن المكاسب التي
جنتها واشنطن من وراء موقفها المفاجئ، رجح عبد الواحد في حديثه لـ"
عربي21" وجود تفاهمات أمريكية- روسية على مسائل معينة.
وفي مقدمة هذه المسائل
بحسب الكاتب الصحفي، أن تكف روسيا عن انتقاد الوجود العسكري الأميركي في مناطق كثيرة
على الأراضي السورية.
مستقبل الأسد
وفي السياق ذاته، أشار
عبد الواحد إلى أنه "قد تكشف الأشهر القادمة عن توافق على مسألة أخرى غاية في
الأهمية، وهي أن تقف واشنطن متفرجة على تكرار سيناريو الغوطة في
درعا والقنيطرة،
وتسمح بعودة قوات النظام إلى الحدود مع إسرائيل، بشرط أن تلعب روسيا في المرحلة
التالية دورا في إبعاد الأسد عن السلطة".
ورأى أنه من المتوقع
"أن تقلل روسيا من دعم الأسد سياسيا على المستوى الدولي لاسيما في ما يخص ملف
الهجمات الكيماوية".
وقال: "في حال
ثبت أن واشنطن ستقف متفرجة على ما يفعله النظام والروس في جنوب سوريا، فإن هذا يدل
على صفقة كبرى بين
موسكو وواشنطن تشمل ما هو أبعد بكثير من مجرد ترتيبات مرحلة على
المدى القريب وضمن جغرافيا محدودة، أي توافقات على كل ملفات التسوية السورية".
واستدرك قائلا:
"لكن بحال لم يكن هناك اتفاق أظن أن الولايات المتحدة ستتحرك بشكل أو آخر،
ولن تسمح بتكرار سيناريو الغوطة، لكن ربما لا تريد لسبب ما إعلان تدخلها لذلك
تعمدت الكشف عن رسالة للمعارضة".
أمريكا مشغولة
بمصالحها
المحلل السياسي جودت
الحسيني، اعتبر بدوره أن ما جرى يدلل بوضوح على أن الأمريكان غير مهتمين سوى
بمصالحهم بالمنطقة.
وقال الحسيني لـ"
عربي21": "ليست المرة التي تظهر فيها أمريكا لاهثة وراء مصالحها، وهناك تجارب كثيرة تؤكد
تنصلها من دعم حلفائها سواء في العراق عبر سنين مضت أو في سوريا".
ماذا عن إسرائيل؟
وفي هذا السياق، رأى
الكاتب الصحفي طه عبد الواحد، أن تل أبيب ستقبل بعودة قوات النظام إلى الحدود وهذا
يخدم مصالحها، غير أنها حصلت على ضمانات
من الروس بعدم اقتراب الإيرانيين وأذيالهم من تلك المنطقة، واحتفظت لنفسها بالحق
في مواصلة الضربات للوجود العسكري الإيراني في سوريا، المباشر وغير المباشر عبر
المليشيات المدعومة من طهران.
ومتفقا مع عبد الواحد،
رأى الباحث في مركز "جسور للدراسات" عبد الوهاب عاصي، أن "الاتفاق
في حال تم، فيجب أن يعطي إسرائيل ضمانات حول عدم وجود إيران في المعارك وبعد سيطرة
النظام السوري على الريف الشرقي وعدم اقترابه من الريف الغربي، بالإضافة لاحتمال
طلب إسرائيل بتقليل قوة جيش النظام في هذه المنطقة مثلما فعلت في سيناء عند توقيع
اتفاقية كامب ديفيد".
وأضاف
لـ"
عربي21"، أن "مطالب واشنطن تتفق مع إسرائيل لكن توجد جوانب أخرى تتعلق
بإيجاد حل أو تفاهم مشترك حول منطقة "التنف" لأن هذه المنطقة تم تشميلها
أصلا خلال توقيع اتفاق خفض التصعيد بين واشنطن وموسكو ما أدى لتراجع الفصائل فيها
إلى قطر 55 كم، بمعنى أنه قد تطالب واشنطن باعتراف بقاعدتها المتقدمة في سوريا بدعوى
محاربة الإرهاب".