قضايا وآراء

هدوء يقابله هدوء.. والحصار ثمنه سياسي

أحمد الحيلة
1300x600
1300x600

تكثّفت في الآونة الأخيرة زيارات المخابرات المصرية لقطاع غزة، بذريعة البحث في تخفيف الحصار، ومنع تدهور الوضع الأمني في ظل استمرار مسيرات العودة منذ آذار/مارس من هذا العام.


اللافت في الزيارة الأخيرة لوفد المخابرات المصرية التي استمرت ثلاثة أيام، بدءاً من يوم الخميس في الأول من هذا الشهر،قيام الوفد بمراقبة مسيرات العودة في يوم الجمعة الماضي، 2 تشرين الثاني/نوفمبر، للاطمئنان ميدانياً على ضبط الوضع على حدود قطاع غزة، ما يشير لحصول تفاهمات أوّلية بين القاهرة والفصائل الفلسطينية والهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة، بوقف عنفوان المسيرات السلمية بإبعاد المتظاهرين عن السلك الفاصل بين غزة والأراضي المحتلة عام 48، وبوقف إشعال إطارات السيارات، وإطلاق الطائرات الورقية أو البوالين الحارقة.. لإفساح المجال أمام القاهرة لإتمام مساعيها الحميدة.


في سياق الجهود المصرية المبذولة لتخفيف الحصار عن قطاع غزة،يُلاحظ عدة أمور أهمها:


•أن الوساطة السياسية/الأمنية تكاد تكون حصرية للقاهرة، بالتوازي مع جهود المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط السيد نيكولاي ميلادينوف.


•أن الحراك يأتي بضوء أخضر إسرائيلي ـ أمريكي.


•تراجع حضور السلطة الفلسطينية في المشهد، مع استمرار سيف عقوباتها ضد المدنيين في غزة.


•تراجع الاهتمام بملف المصالحة بسبب تعنت الرئيس محمود عباس، ولأسباب عدّة لا يتسع المقام لذكرها.


•اتّخاذ خطوات تدريجية من الطرفين (الإسرائيلي والفلسطيني) بدأت بتراجع أو وقف وسائل الضغط للمتظاهرين (وقف إشعال الإطارات، وقف الطائرات الورقية والبوالين الحارقة، وقف مجموعات الإرباك الليلي، ابتعاد المتظاهرين السلميين عن الحدود الفاصلة بين غزة وفلسطين المحتلة عام 48)، لوقف سقوط الضحايا تالياً على يد قناصة جيش الاحتلال.


تلك المعطيات، تشير إلى أن الحراك الراهن نحو غزة، يُركّز على فصل مسار المصالحة الوطنية عن مسار تخفيف الحصار، فالمسار الأول متعثر بسبب تعنّت الرئيس عباس، والمسار الثاني قد يشهد انفراجة نسبيّة برغبة إسرائيلية تسعى لرسم معادلة جديدة مع الفصائل الفلسطينية وحركة "حماس"، عنوانها الهدوء مقابل الهدوء،فالاحتلال الإسرائيلي مقابل وقف مسيرات العودة ونزع فتيل التصعيد العسكري المحتمل مع المقاومة الفلسطينية، قد يوافق على زيادة كميات الوقود والكهرباء، إضافة إلى تخفيف القيود على التبادل التجاري أو تزويد غزة بالمواد الغذائية والأدوية، وتسهيل حركة الأفراد عبر الحدود المصرية بشكل أساس، وذلك وفقاً لحسابات إسرائيلية أمنية سياسية تفرضها معطيات الواقع المضطرب في غزة، وانزياح اهتمامات تل أبيب لناحية تطوير علاقاتها السياسية مع الدول العربية، بمعزل عن التقدم في مسار التسوية السياسية، ودون أن يُشكل حصار غزة عائقاً أخلاقياً أمام بعض الأنظمة العربية المُطبّعة.


عليه فإنه يمكن القول أن تخفيف الحصار، في حال حدوثه،يُعدّ إنجازاً تكتيكياً لحركة "حماس" ولفصائل المقاومة وللشعب الفلسطيني الذي صَمَد وقدّم تضحيات كبيرة ودماء عزيزة، رفضاً للحصار الصهيوني ولعقوبات السلطة الفلسطينية، الأمر الذي حافظ على الشخصية النضالية للفلسطيني، وتطلعاته الوطنية التي كادت أن تتلاشى بفعل سياسات فريق أوسلو.


لكن في موازاة ذلك، لا بد من التّنَبُّه إلى أن علاقة القاهرة بغزة، يحكمها مسألتان مهمّتان:


أولاً: أن حركة"حماس" المسيطرة على قطاع غزة واقعياً، تُمثل بالنسبة للقاهرة خصماً سياسياً استناداً إلى تباين الرؤى بشأن فلسفة العلاقة مع الكيان الإسرائيلي، ناهيك عن الخلاف المتأصّل بين المدرسة العسكرية المصرية والإسلام السياسي الذي تعد حركة "حماس" أحد معالمه.


ثانياً: أن الحراك المصري الأخير، يُعد تغيّراً في الشكل دون المضمون، فهو سلوك مدفوع برغبة أو حاجة إسرائيلية ـ أمريكية، ما يجعل الأمر محل حَذَر أو شك أحياناً.


وبالنظر إلى النقطتين السابقتين، يبدو لنا أن مفاعيل الحراك الجاري مجرد حالة ظرفية، أَمْلَتها حاجة الأطراف لبعضها البعض، كل حسب حساباته، ما يعني احتمالية انتهاء فترة "الهدوء" المرتقبة، وليس "التهدئة"، عند حدوث أي تغير في المعطيات الميدانية أو السياسية المتسارعة والعاصفة بالمنطقة أصلاً.


هذا من جانب ومن جانب آخر، فمن المرجّح أن يتطور السلوك المصري نحو غزة مشفوعاً ببعض التسهيلات والمساعدات لتعزيز دور وتأثير القاهرة المتحكّمة بأهم ساحة للمقاومة الفلسطينية ولحركة "حماس". وهذه مسألة مثيرة ومُقْلقة، بفعل الخلاف العميق، كما أسلفنا، بين المدرسة العسكرية المصرية والمدرسة الإسلامية، وتعارض رؤية كلتا المدرستين لطبيعة العلاقة مع الكيان الصهيوني.


وهنا تكمن حساسية أو خطورة الدور المصري المدعوم أمريكياً وإسرائيلياً، والذي قد يجعل من القاهرة راعياً حصرياً بهدف تطويع غزة ومقاومتها، باستثمار تراجع حضور القضية الفلسطينية، وتشرذم الحالة العربية، وبفعل قساوة الحصار الذي لن يُرفع إلا بدفع الثمن السياسي المطلوب حسب الرؤية الصهيونية أو شروط الرباعية الدولية الغائبة الحاضرة. 


0
التعليقات (0)

خبر عاجل