قضايا وآراء

الأمن والاقتصاد.. بوابة التواصل بين أنقرة ودمشق

أحمد الحيلة
1300x600
1300x600

كان لافتاً موقف الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان من اتفاقية أضنة الأمنية الموقعة بين تركيا وسوريا في 20 أكتوبر/نوفمبر 1998، والتي وضعت حداً لدعم دمشق المفتوح لحزب العمال الكردستاني.

 

فتلك الاتفاقية التي نزعت فتيل الصدام العسكري المباشر بين الدولتين، فتحت بدورها باباً واسعاً للتعاون الثنائي في "مكافحة الأرهاب" عبر الحدود بعد إنهاء دمشق كافة أوجه دعمها لحزب العمال، ناهيك عن إخراجها للزعيم الكردي عبد الله أوجلان من أراضيها، إضافة لإعاطائها الحق لتركيا في ملاحقة "الأرهابيين" (حزب العمال الكردستاني) داخل الأراضي السورية حتى عمق خمسة كيلومترات، في حال تعرّض أمنها القومي للخطر.


إن إعلان تركيا تمسكها باتفاقية أضنة الأمنية في هذا التوقيت، عقب إعلان الرئيس ترامب؛ سحب قواته من شرق الفرات، وموافقته المبدئة على إنشاء الأتراك لمنطقة آمنة شمال سوريا لإتاحة المجال لعودة نحو 4 مليون لاجئ سوري، يشير إلى حرص أنقرة على عدم التورّط في العمق السوري، وخشيتها من استحقاقات المنطقة الآمنة، لا سيّما إحكام السيطرة عليها منفردة بعمق 20 ـ 30 كيلو مترا حيث تتواجد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكياً شرق الفرات، وتنتشر الفصائل السورية المعارضة "المتطرفة" و"المعتدلة" على حد سواء في عموم الشمال السوري، ناهيك عن وجود روسيا التي تشكل موافقتها شرطاً لتقدم أنقرة نحو إنشاء المنطقة الآمنة التي يحتاج تأمينها عسكرياً، وأمنياً، وإنسانياً لتنسيق متعدد الأطراف (أمريكي، روسي، إٍيراني، سوري).


وإذا كانت واشنطن أبدت عدم ممانعتها لإنشاء المنطقة الآمنة، شرط عدم مهاجمة تركيا لقوات سوريا الديمقراطية، بمعنى عدم القضاء عليها بذريعة مكافحتها لتنظيم "داعش"، فإن روسيا أيضاً حرصت بدورها على إشراك النظام السوري بوضع الخطوة التركية، إن قُدّر لها النجاح، في سياق قبول دمشق المعلن أو غير المعلن، ولعل هذا ما يُفسر خلفية إعلان أنقرة عن سريان اتفاقية أضنة الموقعة رسمياً مع الدولة السورية بقيادة حافظ الأسد، كمدخل لمنح فكرة المنطقة الآمنة الشرعية عبر البوابة السورية، وهو ما يُشكل في حد ذاته اعترافاً تركياً واقعياً بشرعية النظام السوري الحالي، ويمهد بدوره للتنسيق والتعاون المشترك تحت سقف مكافحة الإرهاب وفقاً لاتفاقية أضنة، الأمر الذي رحبت به وزارة الخارجية السورية بإعلانها تأكيد "التزام دمشق باتفاقية أضنة والاتفاقيات المتعلقة بمكافحة الإرهاب بأشكاله كافة مع تركيا" (وكالة سانا 26 كانون الثاني/يناير).


إذن اتفاقية أضنة الأمنية بعد تأكيد الرئيس أردوغان على أن أحكام الاتفاقية لا تزال سارية المفعول، يُمثل جسر عبور وتواصل بين أنقرة ودمشق برعاية روسية، حيث تسعى الأخيرة إلى تعميق هذا التنسيق خاصة إذا تم الانسحاب الأمريكي، تسهيلاً وتسريعاً لتسوية الأزمة السورية بإسهام أنقرة في الضغط على الفصائل المعارضة للتقدم نحو المعالجة السياسية ابتداءاً من اللجنة الدستورية مقابل إسهام النظام السوري بضبط أنشطة الأكراد العسكرية شرق الفرات.


وعلى صلة بالموضوع، فإن أحد دوافع أنقرة لتنشيط خط التواصل مع دمشق، بالإضافة لتأمين حدودها الجنوبية مع سوريا؛ هو خشيتها من مساعي الرياض وأبوظبي المبكرة لترميم علاقتهما بدمشق، حيث قامت الأخيرة باستعادة علاقاتها السياسية بالدولة السورية عبر افتتاح سفارتها هناك، كما تحاول السعودية هي الأخرى تنشيط اتصالاتها بالنظام السوري عبر وفود غير معلنة لتذليل العقبات بين الطرفين، بُغية مواجهة الوجود والنفوذ الإيراني والتركي على حد سواء، بعدما نجح الاحتلال الإسرائيلي في قلب معادلة الصراع، بجعل طهران هي العدو الأول في أعين بعض الدول العربية، كما نجح أيضاً في التحريض على تركيا التي ساءت علاقاتها بالرياض مؤخراً بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، ما شكّل أحد مظاهر أزمة العلاقات السياسية المعقّدة أصلاً بين البلدين على خلفية اختلاف مواقفهما من الربيع العربي وخاصة في مصر. 


في ذات السياق، وبنكهة اقتصادية، فإن أي تقدم على المسار السياسي لحل الأزمة السورية سيعني بالضرورة تقدماً في الجانب الاقتصادي لإعادة إعمار سورية وتأهيل المناطق التي سيعود إليها نحو 12 مليون لاجئ ونازح سوري. وإذا كانت تكلفة إعادة إعمار البنى التحتية في سوريا يُقدّر بنحو 400 مليار دولار أمريكي حسب ما أعلنته اللجنة الاقتصادية التابعة للأمم المتحدة، المنعقدة في بيروت في أغسطس/آب 2018 ، وإذا كانت تركيا تمثّل الحاضن الأكبر للاجئين السوريين بتعداد يقرب من 4 مليون إنسان، وبتكلفة على الدولة التركية قاربت الـ 35 مليار دولار أمريكي لحد الآن، حسب بيانات الأمم المتحدة، فإن أنقرة ستبدو أكثر حرصاً على حفظ نصيبها من كعكة إعادة الإعمار عبر تقاربها مع النظام السوري الذي سيكون له النصيب الأكبر والحضور الأبرز في تشكيلة النظام السياسي السوري الجديد برعاية أمميّة. 


وهذا بدروه سيُعزز شرعية النظام السوري، وسيساعده في استرجاع دوره الإقليمي عبر البوابة الأمنية تحت مظلة مكافحة الإرهاب والتطرف، والإسهام في ضمان الأمن القومي لتركيا ولدول الجوار شرط تعويم النظام السوري مجدداً.


0
التعليقات (0)