هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لم تكن هزيمة اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، في مدينة غريان (100 كلم جنوبي طرابلس)، الإخفاق الوحيد لقائد القوات القادمة من الشرق للسيطرة على العاصمة الليبية طرابلس، ولكن سبقتها عدة إخفاقات حرمته من تحقيق هدفه في هجمات متتالية انكسرت على أسوار طرابلس، منذ ثلاثة أشهر.
لكن هزيمة غريان كانت القاصمة لقوات حفتر، بالنظر إلى أنها مركز القيادة والإمداد الرئيسي لقواته إلى محاور القتال السبعة جنوبي العاصمة، وقد تكون منعطفا لمعركة طرابلس، بعد أن خسر حفتر كامل القوس الغربي للمعركة.
وفي ما يأتي عرض لهذه الإخفاقات:
الزاوية تصدم قوات حفتر وتغلق محور الطريق الساحلي
لم تمض 24 ساعة من بداية هجوم قوات حفتر على طرابلس في 4 أبريل/ نيسان الماضي، وسيطرتها السريعة على عدة مدن بدون قتال من بينها صبراتة (70 كلم غربي طرابلس) وصرمان (60 كلم غربي طرابلس)، حتى زحفت نحو مدينة الزاوية (45 كلم غربي طرابلس)، لكنها اصطدمت بكتائبها المتمرسة على القتال، التي ألحقت بها هزيمة قاسية، عندما أسرت العشرات من رجاله وغنمت العديد من الآليات.
لكن الآتي أعظم.. حيث قامت كتيبة من قوات حفتر (الكتيبة 107 التابعة للواء 106 الذي يقوده أحد أبناء حفتر) بالسيطرة على حاجز أمني يدعى "بوابة 27"، يقع بين الزاوية وطرابلس، وخلال ساعات تمكنت كتائب الزاوية من الالتفاف على قوات حفتر، وأسرت 128 من عناصر الكتيبة وغنمت 40 آلية مسلحة، بينما فرّ قادتها من المعركة وتركوا جنودهم في مواجهة مصيرهم، لكن حكومة الوفاق، المعترف بها دوليا، نظرت إليهم بعين الرحمة وأطلقت سراحهم، خاصة أن غالبيتهم شباب يافعون أقل من 18 سنة، تم إغراؤهم بالمال لخوض معركة خاسرة.
ولم تجرؤ بعدها قوات حفتر على الهجوم على طرابلس من البوابة الغربية للطريق الساحلي الدولي منذ نكسة الزاوية.
اقرأ أيضا: قوات "الوفاق" تتجه نحو معقل جديد لحفتر.. هل بدأت مراحل سقوطه؟
الخلايا النائمة تجر قوات حفتر للاستسلام في السواني
لعب حفتر مرة أخرى بورقة الخلايا النائمة، عندما سيطرت الأخيرة على حي السواني (25 كلم جنوب غربي طرابلس)، ووصلها الدعم من قوات حفتر المتمركزة في مدينة الزهراء، بمنطقة ورشفانة (35 كلم جنوب غربي طرابلس)، لكن الكتيبة 166 التابعة لكتائب مصراتة، قامت بهجوم مضاد في 14 أبريل الماضي، قطعت خلاله خط الإمداد عن قوات حفتر في حي السواني، بعد السيطرة على كوبري الزهراء، ثم حاصرت حي السواني، قبل أن تستسلم كتيبة لحفتر مكونة من 25 فردا فقط، وتغنم قوات الوفاق 10 آليات.
وتكمن أهمية السواني، في أنها تقع غربي مطار طرابلس القديم، ومنها تمكنت قوات حفتر من السيطرة عليه، قبل أن تستخدم قوات الوفاق الحي كنقطة هجوم رئيسية على المطار، كما يقع السواني على الطريق المؤدي إلى مدينة غريان، ومنه انطلق الهجوم على غريان في 26 يونيو/ حزيران الماضي (إلى جانب محور العزيزية الكسارات)، لذلك فإن خسارة حفتر لحي السواني، كانت إحدى الإخفاقات التي غيرت مجرى القتال في طرابلس.
طرد قوات حفتر من العزيزية
تعد مدينة العزيزية (45 كلم جنوبي طرابلس) مركز منطقة ورشفانة، والحاضنة الشعبية لأنصار نظام القذافي، المتحالفين مع حفتر، ولم تجد قوات حفتر صعوبة كبيرة في السيطرة على العزيزية، رغم استماتة قوات أسامة الجويلي، قائد المنطقة العسكرية الغربية التابع لحكومة الوفاق، في الدفاع عنها، إلا أنها سقطت بعد 4 أيام فقط من انطلاق الهجوم في 4 أبريل.
لكن قوات الجويلي، استعادت المدينة في أقل من أسبوع، واقتحمت مقر اللواء الرابع وسط المدينة، في 13 أبريل، ومنذ ذلك التاريخ لم تتمكن قوات حفتر، وخاصة مقاتلي ورشفانة من استعادة المدينة، رغم الهجمات المتتالية عليها.
قوات الوفاق تغلق القوس الغربي
سيطرت قوات الوفاق على حي السواني ثم حررت مدينة الزهراء وبقية مدن ورشفانة (الساعدية والكريمية)، والتحمت مع كتائب الجويلي في العزيزية، في 18 أبريل، وطردت قوات حفتر من تخومها، وطاردتها إلى غاية بلدة القواسم على تخوم غريان، التي انتفض أهلها ضد قوات حفتر، والتي كانت قاب قوسين من السقوط، لولا تدخل الطيران، وإخماد قوات الوفاق لانتفاضة شباب غريان، فيما تراجعت قوات الوفاق من القواسم إلى غاية معاقلها في العزيزية تحت ضغط ناري كثيف لقوات حفتر.
لكن في 26 يونيو المنصرم، وبعد أسابيع من هدوء المعارك على مستوى القوس الغربي، وتركز المعارك في محور المطار القديم، قامت قوات الوفاق بهجوم خاطف ومفاجئ انطلق من محورين؛ العزيزية -الكسارات (كتائب الجويلي من الزنتان)، وحي السواني (الكتيبة 166 ولواء الحلبوص من مصراتة)، وتمكنت قوات المحور الأول من السيطرة على منطقة بوشيبة (شمال غرب غريان)، فيما سيطرت قوات المحور الثاني على بلدة القواسم (المدخل الشمالي لغريان).
اقرأ أيضا: دعوة للتحقيق بإرسال الإمارات أسلحة أمريكية لحفتر وواشنطن ترد
وسبق هذا الهجوم 8 غارات لطيران الوفاق، على غرفة عمليات قوات حفتر الرئيسية في غريان، وتمركزاتها العسكرية، تلاها اندلاع انتفاضة مسلحة من داخل المدينة أربكت دفاعات حفتر، مما سهل دخول قوات الوفاق من القواسم شمالا ومن أبوشيبة غربا، والسيطرة على كامل المدينة وخاصة غرفة العمليات ومعسكر القوة الثامنة.
وبالسيطرة على غريان، تكون قوات الوفاق قد أغلقت القوس الغربي، الممتدة من غريان مرورا بالقواسم والهيرة وأبو شيبة، ثم العزيزية ومدن ورشفانة، وصولا إلى الزهراء وحي السواني جنوبي طرابلس، وتمتد هذه المناطق على مسافة تتجاوز الـ80 كلم، ما يعني انتصارا استراتيجيا لقوات الوفاق، سيجعلها تركز أكثر على المحور الشرقي الممتد من ترهونة إلى بلدة سوق الخميس، ومدينة السبيعة، ثم حي قصر بن غشير جنوبي طرابلس، فمطار طرابلس.
معسكر اليرموك.. هزائم متتالية
يعد معسكر اليرموك، أكبر ثكنة في محيط طرابلس، ويقع في منطقة خلة الفرجان، شمالي المطار القديم، وحاولت قوات حفتر مرار السيطرة عليه، ودخلت مرارا لكنها في كل مرة كانت تضطر للانسحاب منه، أولها في 10 أبريل، وأعلنت قوات حفتر السيطرة على المعسكر، وبعدها بساعات تم طردها منه، وصمود القوات المتحصنة بمعسكر اليرموك، كان إحدى العلامات الفارقة في انكسار قوات حفتر وعدم تمكنها من اختراق دفاعات الوفاق حول وسط العاصمة.
وبسبب عجز قوات حفتر تثبيت سيطرتها على أهم معسكر في العاصمة، والذي يقع على الطريق المؤدية إلى وسط طرابلس، قامت السبت الماضي، بقصف جوي عنيف على المعسكر ما أدى إلى مقتل 23 من مقاتلي مصراتة.
اقرأ ايضا: تفاصيل مشروع الإمارات في ليبيا.. هل تتخلى عن حفتر؟
فشل هجوم شامل لاقتحام وسط طرابلس
بعد ثبات جبهات القتال خلال الأسابيع الأولى من مايو/ أيار الماضي، المصادف لشهر رمضان، قامت قوات حفتر بهجوم على عدة محاور مع التركيز على محور طريق المطار، المؤدي إلى وسط العاصمة، في 26 مايو المصادف لـ20 رمضان، ورغم نجاحها نسبيا في السيطرة على معسكر النقلية، الذي يعد أحد أهم المعسكرات في طرابلس، وتقدمها إلى غاية محور صلاح الدين، الأقرب إلى وسط طرابلس، إلا أن قوات الوفاق تمكنت من صد الهجوم ووقفه، ثم استعادة معسكر النقلية، وسقط خلال هذه المواجهة أكثر من 20 قتيلا من رجال حفتر.
وفي يونيو الماضي، وبعد هدوء نسبي في الجبهات، انتقلت قوات الوفاق من الدفاع إلى الهجوم، من خلال تكثيف الهجمات على محور طريق المطار، ثم الهجوم على المطار القديم نفسه عبر ثلاثة محاور (طريق المطار والرملة والطويشة)، وتمكنت من دخوله من بوابته الجنوبية عبر محور الطويشة، وتوغلت في المطار وسيطرت على أجزاء كبيرة منه، وبعد أن سيطرت قوات حفتر على المطار بشكل كامل لأسابيع، تحول إلى نقطة اشتباك بين الطرفين.
وهذه الهزائم الرئيسية كانت وراء تخبط قوات حفتر، ومحاولة إيجاد مبرر لإخفاقاتها المتتالية، من خلال استهداف المدنيين عبر قطع مياه النهر الصناعي على سكان العاصمة، والتضييق على سكان شرق ليبيا بعد قرار وقف رحلات الطيران إلى تركيا، رغم أنها من الوجهات القليلة المفتوحة للطيران الليبي على الخارج، من أجل التجارة أو السياحة أو العلاج، ناهيك عن التهديد باستهداف الشركات والعمال الأتراك، في الوقت الذي تتردد فيه أغلب الشركات العالمية في دخول السوق الليبية بسبب الوضع الأمني في البلاد.