مقالات مختارة

الدكتورة سونيا.. وأهالي شبرا البهو

عماد الدين حسين
1300x600
1300x600

يوم الجمعة الماضي توفيت الدكتورة سونيا عبدالعظيم عارف «64 سنة» في مستشفى الحجر الصحي بالإسماعيلية، بعد إصابتها بفيروس كورونا.


المستشفى قام بتغسيل وتكفين الجثة طبقا للقواعد الصحية الجديدة المتعارف عليها، وذهب ممثلان للطب الوقائي والحجر الصحي برفقة أسرة المتوفية لدفنها في قريتهم «شبرا البهو فريك»، بمركة أجا بمحافظة الدقهلية صباح السبت الماضي.

 

المفاجأة أن عددا من أهالي القرية تجمهروا وقطعوا الطريق ورفضوا دفن الجثمان، بل قاموا بتكسير زجاج سيارة الإسعاف. وظلوا يهتفون بهستيريا «كورونا لا.. الطبيبة لا»!!.

 

زوج المتوفية الدكتورة أحمد الهنداوي، اضطر مع هذا التصرف المفاجئ إلى الذهاب إلى قرية زوجته المجاورة «ميت العامل»، لكن جانبا من أهل هذه القرية أيضا رفض دفنها بحجة أنها ستنقل العدوى للقرية.

 

الزوج وأسرته استعانوا بالشرطة، التي بذلت ومعها مسئولو الصحة والحجر الصحي مجهودا جبارا لحل الأزمة، وإقناع أهالي كل قرية بأن تغسيل وتكفين الجثة تم طبقا للقواعد المتبعة. لم يقتنع الأهالي، وحضر بعد ذلك مدير أمن الدقهلية اللواء فاضل عمار واللواء سيد سلطان رئيس المباحث والعميد عماد المهدي مأمور مركز أجا، وضباط مباحث القسم وشيخ القرية وظلوا يحاولون إقناع الأهالي بدفن الجثة، وأنه سيتم تعقيم المكان قبل الدفن، لكنهم رفضوا.

 

وبعد ست ساعات من انتظار الجثمان داخل سيارة الإسعاف اضطرت قوات الشرطة لاستخدام القنابل المسيلة للدموع لتفريق المتجمهرين، ودفن المتوفية في مدفن أهل زوجها الدكتور أحمد الهنداوي.
الشرطة ألقت القبض على 22 من أهالي القرية، الذين هشموا زجاج سيارة الإسعاف، وأشعلوا النيران في أكوام من قش الأرز، بل وهددوا بإحراق المقابر، كما قال عمدة القرية إبراهيم الشحات في اتصال هاتفي مع الزميلة قصواء الخلالي على قناة «تن».

 

السؤال: كيف يمكننا تفسير سلوك بعض أهالي القريتين الذين رفضوا دفن هذه الطبيبة؟!.

 

حاولت فهم المنطق الذي استند إليه هؤلاء فلم أصل إلى نتيجة منطقية.

 

هل هم يعتبرون أنفسهم خبراء في الطب الوقائي؟!.

 

من سوء حظهم أن منظمة الصحة العالمية تعلن كل يوم في الفترة الأخيرة، أن فيروس كورونا لا ينتقل من الأموات، والخطر الحقيقي هو ما فعله أهالي القرية بالتجمع، وهو ما يمكن أن ينقل العدوى إليهم بالفعل!

 

كان هناك اعتقاد قبل أسابيع، بأن لمس جثة المتوفى المصاب بكورونا، قد ينقل المرض، ومن أجل ذلك، صارت هناك تعليمات واضحة بغسل وتكفين المتوفين بمعرفة خبراء الصحة، وليس أهل المتوفى، حتى لا يلمسوا الجثة أثناء التغسيل، فيمكن أن تنتقل العدوى.

 

الدكتور خالد مجاهد المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة، قال إن الجثمان يسلم مغسلا ومكفنا داخل كيس بلاستيكي مؤمن، لا تنفذ منه السوائل بمصاحبة الطب الوقائي، حتى انتهاء عملية الدفن، وأن وزيرة الصحة د. هالة زايد أمرت بنقل المتوفين في سيارات الإسعاف ضمانا لاتباع الإجراءات الصحية الصحيحة.

 

هذا صحيا أما دينيا فإن الإسلام يأمرنا بأن إكرام الميت دفنه. أغلب الظن أن غالبية هؤلاء المعترضين يصلون ويصومون، لكنهم مثل كثير منا، لا يعرفون من الدين إلا الطقوس والشعائر، وليس الجوهر. وأعجبني البيان الذي أصدرته هيئة الإفتاء يوم السبت الماضي، حينما قالت إنه لا يجوز اتباع الأساليب الغوغائية، في حين أن الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر قال إن ما حدث بعيد كل البعد عن الأخلاق والإنسانية والدين محذرا من «طغيان الأنانية».

 

والتصرف المحترم في هذه القصة هو ما فعله محافظ الدقهلية أيمن مختار بإطلاق اسم الدكتورة سونيا على المدرسة الابتدائية بالقرية، وكذلك النائب العام المستشار حمادة الصاوي الذي أمر بفتح تحقيق في الواقعة. علما بأن نقابة الأطباء دعت إلى توقيع أقصى عقوبة على المتهمين. ورغم فداحة ما حدث إلا أن الواقعة حركت الروح الإنسانية لدى كثيرين، وبعضهم قال إنه سيفتح مقابر أسرته لدفن ضحايا كورونا، كما فعل الفنان عمرو سعد، وغيره كثيرون.

 

هل تعرفون ما هي المشكلة الحقيقية؟!

 

هي أن عددا كبيرا منا يفكرون بنفس المنطق، يتجمهرون ويكسرون ويشعلون النيران من أجل قضية هم لا يعرفون تفاصيلها. مشكلة هؤلاء وأمثالهم، أنهم توقفوا عن تشغيل أدمغتهم وسؤال أهل الرأي والاختصاص، قبل التجمهر والاعتراض. لكن في المقابل وكما قال لي أحد الخبراء: «إنه وبعد أن ندين أهل القرية علينا أن نسأل أنفسنا، وهل قمنا كمجتمع بواجبنا في توعيتهم هم وأمثالهم بالصح والخطأ»؟!!

 

ظني الشخصي أن مثل هذه العقول هي الخطر الحقيقي على المستقبل وربما بأسوأ كثيرا من كورونا وسائر أنواع الفيروسات لكن الواجب علينا جميعا أن نبذل الجهد للتوعية والتثقيف. رحم الله الدكتورة سونيا وكل شهداء كورونا.. وشفى الله جميع المصابين.

(الشروق المصرية)

2
التعليقات (2)
مسلم
الأربعاء، 15-04-2020 02:14 م
السرقة و الاغتصاب لا ينقل حق الملكية
الصعيدي المصري
الأربعاء، 15-04-2020 09:18 ص
..... كواحد من قراء عربي21 وازعم ان كثيرا من متابعي صحيفتكم الغراء يشاركني الرأي .. بأننا نطالع موقعكم لاننا تعودنا فيه المصداقية وتحري الحقيقة والحيادية والصدق .. ولان اغلب كتاب الصحيفة هم اناس على قدر من المسئولية والوضوح والثقافة .. غير ان هذا الخط قد اخذ في الانحراف قليلا .. بنشر مقالات لكتاب .. لا يتمتعون بذات القدر من المهنية والاحترام ... اتمنى لو ان المسئولين عن الموقع يأخذون هذا الاعتبار بعين الاهتمام .. مصداقية الصحيفة امام قراءها على المحك .. ليس هذا فرض من القاريء على ان تكون الصحيفة دائما على هواه .. ولكن لابد من توافر الحد الأدني من المصداقية لمن تختارون له مقالا لكي يتم نشره .. لا اعلم ان كان تعليقي هذا سوف يتم تمريره واعتماده من قبل المسئول عن اجازة التعليقات .. ولكن على الأقل اتمنى ان يصل رأيي هذا للمسئولين عن نشر مقالات الكتاب .. لعله يكون نقدا بناءا كي لا تخسر الصحيفة المصداقية امام قراءها ومحبيها ..