مقالات مختارة

فلسطينيو 48 في مواجهة العنصرية الإسرائيلية المتوحشة

نبيل السهلي
1300x600
1300x600

سلط تقرير المنظمة الدولية «هيومن رايتس ووتش» الصادر في أيار / مايو الماضي، الضوء على سياسة إسرائيل في تضييق الخناق على التجمعات السكانية الفلسطينية داخل الخط الأخـضر.
وأكدت أن هذه السياسة تنحاز إلى مصلحة المواطنين الإسرائيليين اليهود، مقارنة مع مواطني إسرائيل من العرب الذين يمنعون بشدة من الوصول إلى أراضيهم؛ بغرض السكن وإتاحة نمو سكاني طبيعي، ومثال ذلك قرية جسر الزرقاء في مدينة حيفا الساحلية، التي يصل عدد سكانها إلى (14،7) ألف عربي فلسطيني، حيث حولتها إسرائيل إلى غيتو.


معطيات وحقائق

 
أكد التقرير المذكور أن قرية جسر الزرقاء لم تشهد الدمار والنزوح الذي حل ببلدتَي الطنطورة وقيسارية المجاورتين خلال قيام إسرائيل في 1948، إلا أنها خضعت للحكم العسكري، مثل جميع البلدات والقرى الفلسطينية تقريبا داخل إسرائيل حتى 1966.
واللافت أن التقرير أشار أيضا إلى دعم الحكومة الإسرائيلية نمو وتوسع البلدات المجاورة ذات الأغلبية اليهودية، التي شُيِّدَ كثير منها على أنقاض قرى فلسطينية دُمّرت عام 1948، كما توجد في العديد من البلدات اليهودية الصغيرة لجان قبول تمنع الفلسطينيين من العيش فيها.


يدفعنا تقرير منظمة «هيومن رايتس ووتش « الذي صدر في أيار / مايو الماضي، إلى سرد مزيد من الحقائق حول العنصرية الإسرائيلية المتوحشة إزاء الأقلية العربية داخل الأخضر. حيث سعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948 إلى قطع اتصال الأقلية العربية مع محيطها العربي، وحاولت في الوقت نفسه استيعابها ودمجها في المجتمع الإسرائيلي، ولكن على هامشه في مناحي الحياة كافة،كما طبقت المؤسسات الإسرائيلية سياسات محكمة لطمس الهوية العربية عبر تفتيتها، فحاولت جعل الدروز والشركس قوميات منفصلة، وفرضت عليهم الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي منذ عام 1958، وحاولت التفريق بين العرب المسلمين والمسيحيين، فضلا عن تقسيم المسيحيين إلى طوائف شرقية وغربية، والمسلمين إلى مذاهب مختلفة.


وقد مرّ العرب في داخل الخط الأخضر بثلاث فترات بين عامي 1948 و2020، وأشير إلى الفترة الأولى (1948-1966) على أنها فترة حكم عسكري نظرا لكثرة الإجراءات والقوانين العسكرية، فتم خلالها إصدار إسرائيل (34) قانونا بغية مصادرة الأراضي العربية الفلسطينية، سواء تلك التي تعود ملكيتها إلى اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، أو إلى أصحابها الموجودين في إسرائيل الحاضرين الغائبين الذين يقطنون في قرى ومدن غير تلك التي طردوا منها. وتبعا لمصادرة الأراضي العربية من قبل الجيش الإسرائيلي تحت حجج وضرورات الأمن، فإن الفلسطينيين رغم أنهم يشكلون (21) في المائة من السكان، فإنهم لا يملكون سوى اثنين في المائة من الأراضي التي أقيمت عليها إسرائيل قبل اثنين وسبعين عاما. وكان الكنيست الإسرائيلي أصدر عشرات القوانين والمراسيم خلال سنوات الاحتلال الماضية، حملت في طياتها أبعادا استراتيجية لقلب الحقيقة وتغيير الجغرافيا والديموغرافيا، من خلال الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية تحت حجج أمنية وتطويرية متعددة.


قوانين عنصرية

 
وقد كانت الممارسات العنصرية للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تجاه الأقلية العربية، إنعكاسا مباشرا لتفاقم العنصرية الإسرائيلية داخل المجتمع الإسرائيلي، حيث أشارت معطيات إسرائيلية إلى أن (40) في المائة من المجتمع الإسرائيلي، أبدوا قلقهم من ارتفاع نسبة الأطباء والممرضين العرب في المستشفيات الإسرائيلية، في حين عبر (15) في المائة عن قلقهم من وجود لاعبين عرب في المنتخب الإسرائيلي لكرة القدم، كما قال (43) في المئة أن سماعهم لمحادثة باللغة العربية في مكان عام تزعجهم أو تزعجهم جدا.
ومن المؤشرات الناتجة عن الممارسات العنصرية الإسرائيلية، سياسة التشغيل للعرب في قطاعات اقتصادية محددة ومنعهم من العمل في قطاعات استراتيجية، حيث ارتفعت معدلات البطالة بين قوة العمل العربية خلال السنوات الأخيرة، لتصبح ثلاثة أضعاف مقارنة بقوة العمل اليهودية، في وقت ترفض فيه الحكومة الإسرائيلية منح العرب حقوقهم المدنية والسياسية، ومساواتهم في هذه الحقوق كالمواطنين اليهود. أما مؤسسة القضاء، فهي تنحاز بشكل جلي لصالح اليهود على حساب الفلسطينيين.
لم تنحصر سياسات إسرائيل العنصرية بمجال محدد، بل تعدت ذلك لتشمل مناحي الحياة كافة للأقلية العربية، حيث أصدرت إسرائيل قوانين جائرة لتغيير مناهج التعليم العربية، وحذف المواد المتعلقة بالتاريخ الفلسطيني والإسلامي، وإجبار فلسطينيي الداخل على الالتزام بالمناهج الإسرائيلية، فضلا عن فرض الضرائب الباهظة على الفلسطينيين بنسبة أعلى من نظرائهم اليهود.
وتمّ إصدار رزمة من القوانين العنصرية خلال السنوات الأخيرة، كان أخطرها قانون القومية. وقد تضمنت حملة الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة شعارات وخطابات دعت بمجملها إلى تهميش الأقلية العربية في المجالات كافة، وذهبت بعض الشخصيات الإسرائيلية إلى أبعد من ذلك عبر دعوتها إلى طرد الأقلية العربية، بغرض فرض وترسيخ فكرة يهودية إسرائيل ديموغرافيا، الأمر الذي يشي بتفاقم العنصرية الإسرائيلية أكثر من أي وقت مضى.
وثمة تحديات تواجه فلسطينيي 48 بعد تشكيل نتنياهو لحكومته الرابعة المدعومة بشكل مطلق من إدارة ترامب، وتتمثل في إمكانية إصدار رزمة متسارعة من القوانين العنصرية ضدهم. 

 

(القدس العربي)

0
التعليقات (0)

خبر عاجل