أفكَار

أكاديمي سوداني: يسارنا بحاجة للتجديد الفكري ولمرونة قيادية

خالد المبارك: التسوية التاريخية بين اليمين واليسار فكرة ممتازة لكنها مثالية  (عربي21)
خالد المبارك: التسوية التاريخية بين اليمين واليسار فكرة ممتازة لكنها مثالية (عربي21)

الفكرة اليسارية، ارتبطت نظريا بالنضال من أجل الخلاص من الظلم الاقتصادي والاستبداد السياسي، لكنها واقعيا تباينت ليس في فهم الواقع وتحليله، ولكن أيضا في التعامل معه. 

ومع أن أصل مصطلح اليسار يعود تاريخيا إلى الغرب وتحديدا إلى الثورة الفرنسية عندما أيد عموم من كان يجلس على اليسار من النواب التغيير الذي تحقق عن طريق الثورة الفرنسية، فإنه وجد تطبيقه في أوروبا الشرقية، وتحديدا في الاتحاد السفييتي مع الثورة البولشيفية.. ومعه تغيّر وتشعّب استعمال مصطلح اليسار بحيث أصبح يغطي طيفًا واسعًا من الآراء لوصف التيارات المختلفة المتجمعة تحت مظلة اليسار.

عربيا نشأ التيار اليساري (القومي والاشتراكي والماركسي) أواسط القرن الماضي مقترنا مع نشأة الحركات الوطنية المناهضة للاستعمار والرأسمالية الصاعدة يومها.. وبعد الاستقلال تمكنت بعض التيارات اليسارية من الوصول إلى الحكم، وكونت جمهوريات حاولت من خلالها ترجمة الأفكار اليسارية، لكن فكرة الزعيم ظلت أقوى من نبل الأفكار ومثاليتها...

وفي سياق صراع فكري مع التيار الإسلامي المحافظ تحديدا، وسياسي مع الأنظمة العربية التي تسلمت حكم البلاد العربية بعد جلاء المستعمر، استطاع اليساريون العرب الإسهام بفاعلية في تشكيل الوعي الفكري والسياسي العربي الحديث والمعاصر..

وعلى الرغم من شعارات الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، التي رفعها اليسار العربي على مدار تاريخه الطويل، فإنه ومع هبوب رياح الربيع العربي التي انطلقت من تونس أواخر العام 2010 مؤذنة بنهاية صفحة من تاريخنا السياسي الحديث والمعاصر، اتضح أن كثيرا من الشعارات التي رفعها اليساريون العرب لجهة الدفاع عن الحريات والتداول السلمي على السلطة لم تصمد أمام الواقع، وأن اليساريين العرب ورغم تراكم تجاربهم السياسية وثراء مكتبتهم الفكرية، إلا أنهم انحازوا للمؤسسة العسكرية بديلا عن خيارات الصندوق الانتخابي..

"عربي21" تفتح ملف اليسار العربي.. تاريخ نشأته، رموزه، اتجاهاته، مآلاته، في أوسع ملف فكري يتناول تجارب اليساريين العرب في مختلف الأقطار العربية.. 

الكاتب والإعلامي السوداني خالد سعد يحاور اليوم الناقد السياسي السوداني الدكتور خالد المبارك، عن قراءته لتجربة اليسار في السودان.. 

كان مشاركا في الإطاحة بالبشير

قال الناقد السياسي السوداني الدكتور خالد المبارك إن اليسار السوداني ساهم بالتنسيق والتحضير للثورة الشبابية التي أطاحت بنظام الرئيس عمر البشير، ورأى بأن اليسار أمام فرصة ذهبية لمواصلة الصعود إذا تحلت قياداته بالمرونة وبعد النظر، مشيرا إلى أن عامل الدين يظل مهما ومؤثرا في كسب قواعد جماهيرية كبيرة، وذكر أن الزعيم الشيوعي الشهير الراحل عبد الخالق محجوب سبق وأن اقترح فكرة حزب اشتراكي لكنه تراجع عنها، ورأى أن اليسار الآن يحتاج للتجديد.

والمبارك سياسي انتمى للحزب الشيوعي السوداني في وقت مبكر وغادره في مطلع سبيعينيات القرن الماضي، وهو كذلك كاتب مسرحي لديه عدد من المسرحيات والقصص والأبحاث في مجال المسرح والسياسة وحقوق الأنسان.

في هذا الحوار مع "عربي 12" يتحدث المبارك عن مفهوم اليسار وتحالفاته ومستقبله في السودان: 

س ـ هل للسودان مفهوما خاصا لليسار من ناحية فكرية وسياسية واجتماعية، أم أن المفهوم يسري وفقا لتصورات سائدة في علم السياسة؟


 ـ المجتمع هو المجتمع في الصين أو روسيا أو انجلترا أو البرازيل أو السودان أو أمريكا.

الفرق في درجات التطور والتقسيم الداخلي للمكونات... كتب الفيلسوف الألماني هيغل أن الهند والصين تقعان خارج تيار التقدم الإنساني. لكنه كتب في القرن التاسع عشر. الهند تشتري الشركات البريطانية الآن بينما يرعب تقدم الصين الأمريكيين.

كتب فريدريك أنجلز رفيق درب كارل ماركس مؤيدا قضاء الاحتلال الفرنسي على عبد القادر الجزائري وعلل ذلك بأن الجزائري يمثل علاقات اجتماعية أكثر تخلفا من تلك التي سينشرها الفرنسيون.

س ـ ما هي الجذور التاريخية للمفهوم السائد الذي يضع أحزابا وتنظيمات في خانة (اليسار).. أين هي محددات التقارب؟ 


 ـ محددات التقارب هي البرامج المطروحة.. إذا كانت تدعو لتغيير في هيكل السلطة العليا بغرض تغيير القوانين والتشريعات وبغرض الوقوف في وجه التغول الخارجي فهي أسس يسارية.

حركات التمرد في السودان لا تدخل في خانة اليسار لأنها مجرد امتداد فكري واستراتيجي، لدوائر أجنبية وجدت في التنمية غير المتوازنة وعوامل أخرى أرضا خصبة.

كتب (الراحل) جوزيف قرنق عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني الذي أعدمه النميري في أعقاب انقلاب هاشم العطا (1971) أن الجنوب المتمرد لو انفصل سيتحول إلى قاعدة لقوى استغلالية استعمارية.

س ـ إذا تم فهم اليسار كتعبير عن أسلوب (للتحالف السياسي) فقط، ما هي الفروقات الجوهرية التي تواجه الانتقال إلى أيديولوجيا فكرية واحدة ومتماسكة لمكونات هذا التحالف المتقارب سياسيا؟


 ـ إذا تم.. اليسار أوسع من مجرد تحالف سياسي.

س ـ التحولات العالمية والوطنية أضعفت كثيرا من انتشار الفكر اليساري، هل يواجه اليسار أيضا معضلة بنيوية تعطل التجديد؟ أم أنه يشهد تغييرات كبيرة في الأفكار والممارسة؟


 ـ قال ميخائيل غورباتشوف صادقا: إن نموذج الاتحاد السوفييتي انهار وفشل لكن نموذج الرأسمالية يواجه تحديات برهنت الأزمة المالية سنة ٢٠٠٨ صحة ذلك.. نتذكر أن الشيوعيين  فازوا  بعد الاتحاد السوفييتي بمقاعد في روسيا وبولندا وغيرها وأن الصين يحكمها حزب شيوعي.

برهنت الصين على ضرورة استحداث تغييرات جوهرية في الفكر والممارسة، لم تحدث هذه بسهولة ولن تتحقق في اليسار عندنا بيسر.

س ـ ما هي الخيارات المتاحة أمام اليسار السوداني للتعامل مع التحولات العالمية والوطنية حاليا، هل هو مهيأ فكريا وسياسيا للتصدي لها أم أن الفرصة مهيأة لما يطلق عليه بـ(التيار اليميني) للهيمنة على الإرث اليساري؟


 ـ التيار اليميني هزم هزيمة تأريخية بثورة كانون أول (ديسمبر) العظمي وهو غير مهيأ إلا لمراجعة النفس والتراجع عن التوجهات الظلامية والهوس الديني.

اليسار مهيأ للتقدم لكن ذلك يستلزم واقعية وتجديدا وتقف في وجهه بقايا الحكم السابق تسندها قوة عسكرية تحالفت مضطرة مع الثورة .

س ـ لماذا يعجز اليسار السوداني حتى الآن عن كسب قواعد جماهيرية كبيرة، هل كان تأثير الموقف الفكري من الدين كبيرا، أم أن التيارات المضادة كانت هي الأقوى؟


 ـ كتب الروائي السوداني جمال عبد الملك، ابن خلدون، في كتاب "عابر سببل" الذي نشرته ابنته بعد وفاته أنه سمع عبد الرحمن الوسيلة أحد مؤسسي الحزب يقول بعد أن عاد من موسكو وحضر المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي أن نيكيتا خروتشوف اجتمع بالوفد السوداني وامتعض عندما علم أن الحزب اسمه الحزب الشيوعي، وقال لهم إن الاتحاد السوفييتي يعاني مصاعب في الأقاليم الإسلامية جراء الدين.

هذا عامل مهم وقد سبق لعبد الخالق محجوب نفسه أن اقترح فكرة حزب اشتراكي لكنه تراجع عنها.

س ـ هل ثمة فرص لتحقيق الأفكار المطروحة من سياسيين ومثقفين، ما أطلق عليه بـ "التسوية التاريخية" بين اليسار واليمين؟


 ـ التسوية التاريخية فكرة ممتازة لكنها مثالية وفرصة تحقيقها ١% فقط في تقديري.

س ـ الثورة الشبابية التي أطاحت بحكم الرئيس البشير، حققت فرصة كبيرة لصعود اليسار، هل تسهم أيضا في رسم مستقبله لتحقيق مكاسب عبر الآلية الديمقراطية؟


 ـ حدثت الثورة بفضل تنسيق وتحضير اليسار.. الشباب لم يتحركوا دون تنظيم... أمام اليسار فرصة ذهبية لمواصلة الصعود إذا تحلت قياداته بالمرونة وبعد النظر.. نتذكر أن الثورة لم تنتصر إلا جزئيا وسيؤثر هذا على مسارات المستقبل.

التعليقات (0)

خبر عاجل