أفكَار

اليسار الأردني.. قراءة في البدايات والمسار والمآلات؟ (1من2)

التنظيمات اليسارية الأردنية أغلبها نشأ عن أحزاب قومية- (الأناضول)
التنظيمات اليسارية الأردنية أغلبها نشأ عن أحزاب قومية- (الأناضول)

الفكرة اليسارية، ارتبطت نظريا بالنضال من أجل الخلاص من الظلم الاقتصادي والاستبداد السياسي، لكنها واقعيا تباينت ليس في فهم الواقع وتحليله، ولكن أيضا في التعامل معه. 

ومع أن أصل مصطلح اليسار يعود تاريخيا إلى الغرب وتحديدا إلى الثورة الفرنسية عندما أيد عموم من كان يجلس على اليسار من النواب التغيير الذي تحقق عن طريق الثورة الفرنسية، فإنه وجد تطبيقه في أوروبا الشرقية، وتحديدا في الاتحاد السوفييتي مع الثورة البلشفية.. ومعه تغيّر وتشعّب استعمال مصطلح اليسار بحيث أصبح يغطي طيفًا واسعًا من الآراء لوصف التيارات المختلفة المتجمعة تحت مظلة اليسار.

عربيا نشأ التيار اليساري (القومي والاشتراكي والماركسي) أواسط القرن الماضي مقترنا مع نشأة الحركات الوطنية المناهضة للاستعمار والرأسمالية الصاعدة يومها.. وبعد الاستقلال تمكنت بعض التيارات اليسارية من الوصول إلى الحكم، وكونت جمهوريات حاولت من خلالها ترجمة الأفكار اليسارية، لكن فكرة الزعيم ظلت أقوى من نبل الأفكار ومثاليتها...

وفي سياق صراع فكري مع التيار الإسلامي المحافظ تحديدا، وسياسي مع الأنظمة العربية التي تسلمت حكم البلاد العربية بعد جلاء المستعمر، استطاع اليساريون العرب الإسهام بفاعلية في تشكيل الوعي الفكري والسياسي العربي الحديث والمعاصر..

وعلى الرغم من شعارات الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، التي رفعها اليسار العربي على مدار تاريخه الطويل، فإنه ومع هبوب رياح الربيع العربي التي انطلقت من تونس أواخر العام 2010 مؤذنة بنهاية صفحة من تاريخنا السياسي الحديث والمعاصر، اتضح أن كثيرا من الشعارات التي رفعها اليساريون العرب لجهة الدفاع عن الحريات والتداول السلمي على السلطة لم تصمد أمام الواقع، وأن اليساريين العرب ورغم تراكم تجاربهم السياسية وثراء مكتبتهم الفكرية، إلا أنهم انحازوا للمؤسسة العسكرية بديلا عن خيارات الصندوق الانتخابي..

"عربي21" تفتح ملف اليسار العربي.. تاريخ نشأته، رموزه، اتجاهاته، مآلاته، في أوسع ملف فكري يتناول تجارب اليساريين العرب في مختلف الأقطار العربية.. 

الكاتب والإعلامي بسام ناصر من أسرة تحرير "عربي21"، يفتح ملف اليسار الأردني.. البدايات والمآلات، بمعية ثلة من الخبراء والسياسيين الأردنيين.

باتت الأزمة التي تعيشها تيارات اليسار وأحزابه في الأردن ـ كما في غيره من الدول العربية ـ أمرا يفرض نفسه بقوة عند الحديث عما آلت إليه أحواله في السنوات الأخيرة، وهو ما تتوافق عليه قيادات حزبية يسارية أردنية ويساريون سابقون، وباحثون راصدون لحركات اليسار، الأمر الذي يستدعي برأيهم القيام بمراجعات شاملة لتشخيص أسباب الأزمة أولا، ولتطوير برامج تلك التيارات حتى تتواءم مع التحولات الكبرى والمفصلية التي جرت على مستوى العالم، ولإيجاد أشكال جديدة من العمل ترفع من مستوى أدائها بما يعزز دورها الوطني. 

ومع أن غالب تلك القيادات تميل إلى تحميل السياسات الرسمية، خاصة ما كان منها إبان حقبة الأحكام العرفية مسؤولية تهميش دور الأحزاب والقوى اليسارية في الأردن، الأمر الذي أدّى إلى تآكل شعبيتها وانحسار قواعدها الجماهيرية، بسبب سياسات القمع والملاحقات الأمنية والإقصاء التي مورست بحق قيادات القوى اليسارية وكوادرها إلا أن ثمة من يتحدث بصوت مرتفع عن ضرورة البحث في الأسباب والعلل الذاتية التي أضعفت الأحزاب والقوى اليسارية، وجعلتها تعيش على هامش الأحداث السياسية في المشهد العربي، فكانت هي الأضعف تأثيرا وحضورا في أوساط الشعوب العربية.

أزمة اليسار سياسية وتنظيمية

في هذا الإطار يرى الباحث والمحلل السياسي، الدكتور عصام السعدي أن اليسار الأردني "يعيش منذ عام 1993 أزمة سياسية وتنظيمية خانقة، بعد أن تمكن النظام من تجريف الحياة السياسية في الأردن وشيطنتها، فتراجعت أحزاب اليسار تنظيميا وعمليا على الساحة الأردنية، ففقدت جماهيرها بفعل سياسة النظام، وأصبحت عاجزة عن حمل مشروع التحرر الوطني.

 



وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "كما تمكن النظام من شيطنة الحراك الشعبي الوطني الذي انطلق عام 2010 وما زال، وزجت بقياداته ونشطائه في المعتقلات والسجون بمحاكمات غير قانونية وهو يعيش اليوم كيسار أزمة سياسية وتنظيمية كبيرة" على حد قوله.

 
وانتقد في وقت سابق النائب الأردني في مجلس النواب السادس عشر، خريج مدرسة اليسار، جميل النمري، ما آلت إليه أوضاع اليسار الأردني في ورقة بحثية شارك فيها ضمن حوار نظمه مركز نيسان للتنمية السياسية والبرلمانية سنة 2015، استعرض فيها ما يعانيه اليسار، من ابتعاده عن الناس، وفشله في الوصول إلى البلديات والبرلمان والاتحادات الطلابية والنقابات. 

وجاء في الورقة: "إن اليسار حاليا أضعف الأطراف في المشهد العربي، والأقل تأثيرا على مجرى الأحداث" لافتا إلى أن "كلامه لا يعني فقط اليسار بمعناه الأضيق (اليسار الماركسي أو الاشتراكي) وإنما يعني اليسار التقدمي وحتى الليبرالي".

 


 
وأشار إلى أن "المجتمع لم يعاند اليسار التقليدي فحسب، وإنما عاند اليسار الليبرالي أيضا، وأن الأحزاب اليسارية ضمرت، وتركها أضعاف من بقي فيها من الكوادر، والقيادات فقدت أهميتها بصورة كبيرة، وأصبح المستقيلون من الوسط التقدمي يشكلون الأغلبية الساحقة وهم بلا إطار يجمعهم".
 
وطبقا لأمين عام حزب الوحدة الشعبية (حزب يساري) الدكتور سعيد ذياب، فإن "المدخل السليم للحديث حول هذا الموضوع يكمن في الاعتراف بوجود الأزمة، ثم البحث عن مسبباتها وصولا إلى سبل المعالجة وتجاوز الواقع المأزوم" لافتا إلى أن "هذه الأزمة بقدر ما هي خاصة باليسار الأردني فهي عامة ومشتركة مع أزمة اليسار العربي". 

وتساءل ذياب في ورقته التي قدمها في الندوة التي أقامتها رابطة الكتاب الأردنيين في مقرها العام الماضي بالعاصمة الأردنية عمان بعنوان "هل اليسار في الأردن في أزمة؟": "هل هي أزمة في بنيته التنظيمية والأيديولوجية والطبقية؟ أم أنها تتمثل في كون اليسار لم يعد يشكل حركة الجماهير الواسعة والمؤثرة أم أزمة ناتجة عن عدم تحقيق أهدافه؟ أم هي بسبب انكماشه وتحوله إلى وجود غير مؤثر؟".

 


 
وتابع مستدركا: "ولكن من المثير التساؤل: هل قراءتنا لليسار وتحليل أزمته صحيحة باقتصارها فقط من خلال التركيز على دوره في الأهداف السياسية دون الالتفات إلى طبيعة المنظومة القيمية التي سادت ولا تزال داخل اليسار وأحزابه، بحيث تفشت داخله عقليات يمينية ومحافظة وعصبوية، فغاب الخطاب الاجتماعي عن لغة اليسار وزاد الاقتراب بين اليسار والاتجاهات الليبرالية وضعفت النضالات الداخلية وانتشرت الرؤى التوفيقية وراحت تتراجع السياسات الجذرية؟".
 
ما بين مخاضات ظهور اليسار في الأردن، وتشكل قواه وأحزابه المختلفة، وتشعب مساراته وتعدد تياراته، وما آلت إليه أحواله واستقرت عليه أوضاعه، وما تعيشه أحزابه وقواه من أزمة خانقة، تثور أسئلة حول ما آلت إليه حالة اليسار الأردني، وما أصاب بعض تياراته من تحولات غربية كما يصفها مراقبون، وفي الوقت نفسه التساؤل عما استطاع اليسار الأردني تحقيقه وإنجازه، وما الذي أخفق فيه ولم يستطع إنجازه، وما هي أسباب الإخفاق والفشل كما يراها أهل البيت والباحثون المتابعون لحالة اليسار في شقيها الفكري والعملي. 

بدايات التشكل والظهور

وبحسب الأمين الأول لحزب الشعب الديمقراطي الأردني "حشد" عبلة محمود أبو علبة فإن "نشوء اليسار المنظم في الأردن تزامن مع تطورين أساسيين، أولهما: التطور الطبيعي الذي شهدته الدولة الوطنية الأردنية منذ إعلان الاستقلال عام 1946، على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وثانيهما: مرحلة النهوض الوطني والقومي التي أعقبت تحرر البلدان العربية من الاحتلال الأجنبي في نفس الوقت الذي فرض فيه المشروع الصهيوني نفسه على أرض فلسطين في إطار تقسيم النفوذ بين القوى الاستعمارية نفسها".
 
وواصلت أبو علبة حديثها لـ"عربي21" بالقول: "وقد ترافق هذا التطور مع بدء تشكل الأحزاب السياسية والنقابات العمالية، والنقابات المهنية، وتنظيم الحركة النسائية الأردنية، إضافة إلى عامل التطور في مجالات الصناعة والتعليم والصحة في ذلك الوقت، فقد أدّت المناخات العربية والدولية وانتصار الثورة الاشتراكية ونشوء الدولة السوفييتية إلى إضفاء عوامل كبرى لنهوض اليسار ومنظماته في العالم أجمع". 

 


وأضافت: "لا يقتصر تعريف القوى اليسارية على الأحزاب السياسية، بل إن الأدوار التي قامت بها النقابات العمالية والمهنية والاتحادات النسائية والشبابية في التصدي للمطالب العادلة للفئات الاجتماعية التي تمثله كل منها، كانت تشكل الحاضنة الرئيسية للأحزاب السياسية اليسارية في ذلك الوقت وفي مقدمتها الحزب الشيوعي الأردني الذي أُعلن عنه رسميا عام 1950م".

وفي ما يتعلق بالتطور الثاني أوضحت أبو علبة أن "التدخلات العربية والدولية المعقدة التي نشأت في ذلك الوقت أدّت إلى سرعة تبلور مشروع نهضوي عربي في مقاومة المشروع الصهيوني من جهة، ومن أجل إعادة بناء الدولة الوطنية العربية من جهة أخرى".

وأشارت إلى أن "الأحزاب السياسية اليسارية وكذلك القوى الاجتماعية المنظمة، من نقابات وغيرها، حافظت على وجودها واستمراريتها رغم الظروف الصعبة والخانقة التي مرت بها خلال مرحلة الأحكام العرفية والتي امتدت منذ عام 1957 وحتى عام 1992، وذلك بفعل طبيعة برامجها التي جمعت بين الوطني السياسي والاجتماعي واعتمادها على تنظيم القواعد الشعبية، ودفاعها المخلص عن قضايا التحرر والديمقراطية وقيم العدالة والمساواة. 

إنجازات ومعوقات

وإجابة عن سؤال حول أبرز الأفكار الجامعة لقوى وتيارات اليسار، وأبرز الاختلافات بينها ذكرت أبو علبة أن "قوى اليسار تتبنى القضايا الوطنية والديمقراطية بشقيها السياسي والاجتماعي، بمعنى الدفاع عن استقلال الوطن وسيادته، وعن القضايا المطلبية والمعيشية والديمقراطية المتعلقة بحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والمساواة، وأن ميزة اليسار في تبنيه لهذه القضايا لا تقتصر على تقديم الخطاب السياسي والديمقراطي المتقدم، بل تشكل أطرا تنظيمية لتكون أدوات تواصل مع القطاعات الاجتماعية، وتعد المناضلين من أجل التصدي للقضايا الاجتماعية العادلة والدفاع عنها".
 
وتابعت: "أما عن اختلاف قوى اليسار، فهي تختلف أحيانا في قراءة التحولات السياسية والاجتماعية الجارية داخل البلاد وفي الإقليم، وينسحب هذا الاختلاف على الاستخلاصات والمواقف من هذه القضية أو تلك ولكن ما يجمع قوى اليسار أكثر بكثير مما يفرقها، والحوار دائما سبيلنا لحل أي اختلافات فيما بيننا" وفق عباراتها. 

ونوهت أبو علبة إلى "أننا إذا أردنا أن نجري مراجعة موضوعية لما أنجزته قوى اليسار وأحزابه، فإن الحقائق تشير إلى أنها أسهمت إسهاما كبيرا في بناء الحياة السياسية الأردنية، والدفاع عن استقلال الوطن وسيادته، إضافة لفضل الأحزاب الكبير في إنشاء النقابات العمالية، وتنظيم الحركة النسائية والدفاع عن مصالح العمال والشباب والمرأة..".

وذكرت أن "قوى اليسار وأحزابه تعرضت لمعيقات كبرى في مسيرتها الطويلة، أهمها الأحكام العرفية التي فرضت على البلاد لأكثر من ربع قرن، ومعاناتها من عدم الإقرار الرسمي بالتعددية السياسية وحق الأحزاب في المشاركة السياسية من خلال السلطات التنفيذية والتشريعة، ومثلما شكل وجود الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية قوة دفع كبرى لأحزاب اليسار في العالم العربي وفي الأردن، فإن غيابه قد أفقد هذه الأحزاب مظلتها الأممية، كما أن تدهور الأوضاع الداخلية في البلدان العربية على الصورة المأساوية التي وقعت منذ أوائل التسعينيات حتى يومنا أفقد أحزاب اليسار مظلتها العربية أيضا".

وخلصت إلى القول بأن "المطلوب هو إجراء مراجعة شاملة ودقيقة من قبل أحزاب اليسار تأخذ بالاعتبار التحولات التاريخية والمفصلية التي جرت في العالم عموما، والعالم العربي خصوصا، وذلك من أجل تطوير برامجها، ورفع مستوى كفاءة أدائها بما يعزز دورها على المستويات الوطنية والاجتماعية".
 
أفكار اليسار ومساراته

من جهته رأى الباحث والناشط السياسي الأردني، فرج أبو شمالة أن "الحديث عن اليسار الأردني يحيل إلى سلسلة من الأفكار والمبادئ، وليس بالضرورة أن تجتمع كل هذه الأفكار لدى حزب أو منظمة حتى تجتاز امتحان الدخول إلى اليسار الأردني، بمعنى أن اليسار موضوع كمي وليس موضوعا كيفيا، ولا وجود ليسار "حقيقي" وآخر "مزيف" بل هناك "يسارات" مختلفة تتفق وتختلف فيما بينها".

وأضاف: "إن اليسار، تاريخيا وفكريا هو ابن الحداثة، ويذهب مع العقلانية والتنوير الأوروبي إلى المدى الأقصى، ويرتبط بفكرة المساواة إلى نهايتها، فالمساواة في الفكر اليساري لا تتوقف عند حدود المساواة السياسية التي تقوم على المساواة أمام القانون، بل يدفع المساواة إلى مجال الاقتصاد، وكما كتب جميل هلال في كتابه (إطلالة أولية على اليسار في المشرق العربي): (ولا ضير من مراجعة مواقف اليسار الشيوعي وغير الشيوعي في التغطية على دور أنظمة مستبدة بذريعة موقفها المعادي للإمبريالية وإسرائيل)".

 


 
وتحدث أبو شمالة لـ"عربي21" عن نشأة التنظيمات الأردنية بأن "غالبها نشأ عن تنظيمات (قومية) مثل حركة القوميين العرب، وحزب البعث أو عصبة التحرر، ومنها الحزب الشيوعي، ومما ساعد على ظهورها الدستور عام 1952 الذي أنتج أول قانون للأحزاب 1955، والذي بموجبه أجريت انتخابات الـ56 والتي على أثرها تشكلت حكومة ائتلاف وطني يقودها الاشتراكي سليمان النابلسي، والتي انقلب عليها النظام السياسي بعد عام ومنع العمل السياسي الحزبي لعقود لاحقة، مستثنيا منها تنظيم الإخوان المسلمين".

وعدد أبو شمالة تنظيمات اليسار في الأردن بأنها تشمل "منظمات البعث العراق وتنظيماتها الفلسطينية والأردنية، وتنظيمات فلسطينية: فتح شؤون أردن، الجبهتين الشعبية والديمقراطية، وقد رفعت جميعها شعارات أردنية إلى جانب شعاراتها الفلسطينية، والحزب الشيوعي الأردني الذي انقسم على أساس الموقف من القضية الفلسطينية، وتشكيل الحزب لفصيل عسكري، أسموه قوات الأنصار الذي جرى حله عام 1971، وقبل الحزب تعيين أحد أبرز قياداته رئيسا للاتحاد العام لنقابات العمال الذي جرى حله بعد أن كانت تسيطر عليه القوى الفلسطينية قبل ذلك، لتتوالى الانقسامات على أسس في غالبها نمط إدارة الحزب، وممارسات القيادة".

الأحزاب اليسارية والديمقراطية والربيع العربي

وانتقد "جميع القوى اليسارية الأردنية بأنها في الوقت الذي تطالب فيه بالديمقراطية في البلاد، فإنها توصف بغياب الديمقراطية الداخلية عن صفوفها، والدليل أن فؤاد نصار بقي أمينا عاما للحزب الشيوعي حتى وفاته، ومن المؤسف أن تلك القوى تسعى لإخفاء الخلاف تحت شعار "عدم نشر الغسيل الوسخ" دون إثارة التساؤل: لماذا هو متسخ أصلا؟ وهذا هو الغالب في التنظيمات الأردنية الوريثة للقوى الفلسطينية الأم في طريقة انتخاب القيادة".
 
ولاحظ أبو شمالة ظهور "تشكيلات سياسية ليبرالية على النمط الأوروبي تتسلل إلى أفكار بعض القوى اليسارية على شاكلة الحزب الديمقراطي الاجتماعي، أو حزب التيار الوطني، ولكن الغالب في المشهد يتمثل في الخلاف على الموقف من ما أطلق عليه الربيع العربي، الذي حرك الساكن على الصعيد النظري والسياسي في المنطقة كحد أدنى".
 
وتابع: "وتوجد قوى وأحزاب وتجمعات يسارية تنادي بالدولة المدنية دون أن تطرح مفهومها الخاص والمحلي بهذه الدولة، وهو ما يقود إلى ملاحظة وجود قوى يمكن أن نطلق عليها اليسار أو اليمين بالمعنى السياسي، ليس في الحياة السياسية الأردنية فحسب، ونجد كذلك سيولة عالية بين القوى، فنجد حزب الشراكة والإنقاذ ـ على سبيل المثال ـ يقوم على دمج وتحمل الأفكار الإسلامية مع اليسارية في عضويته".
 
وأنهى أبو شمالة كلامه بالتأكيد على أن "الأهم في ذلك كله عدم وجود حياة سياسية مكتملة التوصيف النظري والسياسي في الأردن، سواء يسارية أو غيرها، فالجميع يدعو لدمقرطة المجتمع دون عناء ممارسة هذا الشعار في الحياة الحزبية الداخلية، ما يشكك في الممارسة اللاحقة لهذا التنظيم أو ذاك".

التعليقات (1)
بشير شريف البرغوثي
الثلاثاء، 14-07-2020 10:42 م
أحيي جرأة أخي الأستاذ فرج أبو شمالة في نقده الموضوعي الشجاع حول انعدام الممارسة الديموقراطية داخل معظم الأحزاب أو التجمعات أو الجماعات اليسارية . لكن على اليسار الأردني - مع عدم التسليم بصحة المصطلح موضوعيا - ورث علله من المصادر التي أنشأته ابتداء : فمن المعروف أن نشوء الحزب الشيوعي الأردني ارتبط تظيميا و برامج إما بالحزب الشيوعي الفلسطيني ( فؤاد نصار - فهمي السلفيتي - سليمان النجاب - بشير البرغوثي و غيرهم) .. عندما أيد الإتحاد السوفييتي قرار تقسيم فلسطين و تشكلت عصبة التحرر الوطني لم يستطع أتباع هذه المجموعات أن يلتحقوا بالعصبة ( خوفا من غضب موسكو و عقابها كما حصل حين عاقبت إميل توما 15 سنة) كما أنهم ل يستطيعوا الجهر بالإنضمام إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي و كانت حرب 1948 فرصة للتوجه نحو الأردن . ( لا بد أن نسجل هنا أن معظم القيادات كانت تتوقع أن لا شيء سوف يحدث في فلسطين !!! كما توقع فؤاد نصار و أما إميل توما فسجل موقفه" الدم سيصل الركب" !( موسى البديري) لما سال الدم فعلا ارتبك موقف الشيوعيين عموما . القسم الآخر من قيادات الحزب الشيوعي قدمت من دمشق بعد أن نظمها خالد بكداش ( كتاب البدايات ليعقوب زيادين) و انتقلت كل فيروسات الحزب الشيوعي السوري بالوراثة إلى الحزب الشيوعي الأردني و بخاصة من حيث تحكم بكداش و عائلته في الحزب .. و كلما كان يحصل تمرد على بكداش ( حركة رياض الترك مثلا) كنا نجد لها خطوطا موازية في بنية الحزب في الأردن. أما الحركات القومية فكان الإستنساخ فيها واضحا بين جماعات البعث و الناصريين بما لم يسمح بأي هامش لاستقلالية التيارات المحلية في الأردن و واضح أن حزبي الوحدة و حشد بنيا تنظيميا على أنهما سليلا حركة مقاومة لا مجال فيها أصلا إلا لشكل محدود من أشكال المركزية الديموقراطية .. صعب أن تقلب تنظيما من حركة سرية إلى حزب علني أما المستقلون فكانت المنظمات غير الحكومية أقدر ماليا على استقطابهم فرادى فزاد الوهن وهنا .. الأردن حمل أحزابه اليسارية وهنا على وهن حملها كرها و وضعها كرها و لم يبلغ سن الفصال بعد