ملفات وتقارير

التهجير والعزل يهدد الفلسطينيين القاطنين بمناطق الضم

تقدر الإحصاءات الفلسطينية أن الضم وفقا للخطة الأمريكية ينتزع 30 بالمئة من مساحة الضفة الغربية المحتلة- جيتي
تقدر الإحصاءات الفلسطينية أن الضم وفقا للخطة الأمريكية ينتزع 30 بالمئة من مساحة الضفة الغربية المحتلة- جيتي

لا يزال مخطط ضم الاحتلال أجزاء من الضفة الغربية المحتلة سيفا مسلطا على رقاب الفلسطينيين القاطنين بالمناطق المنوي الاستيلاء عليها إسرائيليا.


ورغم تأجيل قرار الضم، الذي كان مقررا البدء بتنفيذه مطلع الشهر الحالي، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل التضييق على الفلسطينيين بالمناطق المراد ضمها، لدفعهم نحو هجرة أماكن سكناهم وأراضيهم.


وتعد معضلة "التعامل مع الفلسطينيين القاطنين بمناطق الضم" أحد نقاط الخلاف في الأوساط السياسية الإسرائيلية، حيث يرفض وزير الحرب بيني غانتس دعم خطة ضم مناطق بها "العديد من السكان الفلسطينيين"، فيما تعهد نتنياهو بأن الفلسطينيين بهذه المناطق "لن يحصلوا على المواطنة الإسرائيلية".

ويثير ذلك تساؤلات حول الخيارات المطروحة أمام الاحتلال للتعامل مع الفلسطينيين القاطنين بمناطق الضم، والبالغ عددهم حوالي 140 ألف نسمة ويعيشون في 73 تجمعا، وفقا لتصريحات منسق اللجنة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان، صلاح الخواجا.

 

اقرأ أيضا: هل نجح الأردن في "إفشال" خطة الضم الإسرائيلية؟

وينوه الخواجا في حديثه لـ"عربي21" أن هؤلاء الفلسطينيين مهددون بـ"التهجير القسري"، ويقدر جهاز الإحصاء الفلسطيني أن نحو 330 ألف نسمة يسكنون في 178 تجمعا فلسطينيا معرضون لـ"العزل"، وذلك في حال انتزع الضم (وفقا للخطة الأمريكية) ألفا و860 كيلو متر مربع من أراضي الضفة الغربية المحتلة (أي نحو 30 بالمئة من مساحتها الإجمالية).


"التهجير القسري"

 

وبين الخواجا أن الاحتلال يصرح بأن الضم يستهدف 43 تجمعا فلسطينيا يقطنها 110 آلاف نسمة، وذلك "بخلاف الحقيقة"، حيث يصل عدد التجمعات المستهدفة 75 تجمعا يقطنها نحو 140 ألف نسمة، "لكن تقديرات الاحتلال لا تعترف بـ32 تجمعا بدويا تقع بمحيط منطقة القدس". 

ويؤكد الخواجا أن "التطهير العرقي والتهجير وتفريغ السكان الفلسطينيين" بدأ منذ سنوات وقبل الإعلان عن خطة الضم، و"عمليا" بدأ الضم منذ عام 1967 بعد احتلال الضفة الغربية وضم شرقي القدس، وفي 1990 ضم الاحتلال 10 آلاف دونم بمنطقة البحر الميت، ونهاية عام 1999 أزالت حكومة إيهود باراك أكثر من 12 قرية جنوب شرق جبال الخليل، كان يقطنها قرابة 700 نسمة. ومع بناء الجدار في عام 2002 قضم نحو 20 بالمئة من أراضي الضفة المحتلة.

ولم تتوقف سياسة الاحتلال بالتهجير القسري للفلسطينيين تمهيدا للسيطرة على أراضيهم، ففي عام 2018 حاولت سلطات الاحتلال تهجير نحو 2500 فلسطيني يسكنون في 24 تجمعا بمنطقة الخان الأحمر شرقي القدس، إلا أن الفلسطينيين أحبطوا المخطط باعتصام استمر 7 شهور متواصلة، وفقا للخبير بشؤون الاستيطان.

ويقول الخواجا: "هذا الكفاح بمواجهة خطة التهجير كانت نتائجه البقاء على الأرض، ومما ساعد في تباطؤ عملية التهجير أو تأجليها قرار محكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق بالجرائم في الأراضي الفلسطينية.."، منوها: "لكن خيار التهجير لا زال قائما لدى الاحتلال إلى الآن".

وبعد نحو عام، وعلى مقربة من منطقة الخان الأحمر (21 كيلو مترا جنوبا)، وقعت أكبر عملية تهجير للفلسطينيين، حيث هدم الاحتلال في تموز/يوليو العام الماضي 10 مبان بحي وادي الحمص ببلدة صور باهر جنوب شرقي القدس، استغرقت عملية الهدم 13 ساعة لكنها كانت مساوية لإجمالي ما هدمه الاحتلال بالبلدة خلال عشر سنوات.

 

ويعتبر حمادة حمادة، رئيس لجنة الدفاع عن أراضي وادي حي الحمص، أن هدم البيوت وتهجير سكان بالمنطقة "كانت خطوة أولى تمهد لعملية الضم"، موضحا أن صور باهر تعتبر من "أراضي السلطة فلسطينية التي عزلها الاحتلال بالجدار عن مناطق السلطة بهدف الضم".

ويقول حمادة لـ"عربي21": "هذه من المناطق المرشحة للضم بقوة كونها معزولة عن المحيط الفلسطيني، فلا السلطة الفلسطينية ولا سكان مناطق السلطة يستطيعون الوصول لها لأنها عزلت بالجدار".

 

اقرأ أيضا: MEE: اللوبي الإسرائيلي يصطدم مع الديمقراطيين بسبب الضم

ويعمل الاحتلال في الوقت الحالي على "الضغط على الفلسطينيين بقوة عبر إصدار قرارات الهدم، وعلميات الإخلاء المستمرة"، وأوضح حمادة أن الاحتلال "أصدر قرارات هدم جديدة في صور باهر، ورفض طلبات الفلسطنيين للبناء بهذه المنطقة، ومنع السكان من الانتفاع من أراضيهم" ما دفع ببعض السكان للبحث عن بدائل "لإيوائهم في مناطق أخرى".

ويغطي الاحتلال عملية تهجير الفلسطينيين "بغلاف قانوني"، بحجج مثل: عدم ترخيص البناء أو عدم ملكية أصحاب الأرض لها، ويقول حمادة: "يستخدم القانون الإسرائيلي الجائر في سبيل منع الفلسطينيين من الانتفاع من أراضيهم والسكن فيها. هي إحدى الطرق لعملية التهجير من أجل تنفيذ الضم بهذه المنطقة".


ويوضح أن الاحتلال أصدر قرارات هدم حديثة بحق 12 شقة بمنطقة صور باهر، وأن ما عطل تنفيذ الهدم هو تفشي فيروس كورونا في المنطقة"، وأضاف: "من المتوقع في الأشهر القليلة القادمة حدوث عملية هدم واضحة".

ولا تقتصر أوامر وعمليات الهدم والتهجير على منطقة "صور باهر"، فحسب حمادة، تطال هذه الإجراءات جميع المناطق المحيطة بجدار القدس والتي تتبع السلطة الفلسطينية في مناطق الشيخ سعد وسلوان وغيرها، ويقول: "عمليات الهدم والتهجير وصلت لمناطق داخل القدس المضمومة أصلا من قبل الاحتلال".

 

ومخاوف التهجير ليست محصورة بالفلسطينيين القاطنين بمناطق الضم، بل تمتد لتطال 3 ملايين فلسطيني يسكنون الضفة الغربية المحتلة، حيث تعتبر الأحزاب الإسرائيلية اليمينية، ومنها "الليكود" الحزب الحاكم، أن جميع الضفة الغربية "تتبع السيادة الإسرائيلية".

 

وفي هذا الإطار، نبه صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خلال مؤتمر مشترك مع حركة "فتح" في 2 تموز/يوليو الحالي إلى أن تمرير خطة الضم سيمهد لرغبة إسرائيلية بـ"التخلص من سكان الضفة (...) عبر التهجير القسري والضغوط الاقتصادية والحياتية".

 

"العزل في كانتونات"

 

وإلى جانب "التهجير القسري"، يشير صلاح الخواجا إلى أن من المقترحات المطروحة لدى حكومة الاحتلال للتعامل مع الفلسطينيين القاطنين بمناطق الضم، وضع الفلسطينيين في مناطق معزولة "كانتونات كبيرة"، أو ما أسماه "السجن الكبير".

وقال: "نحن نعيش هذا الواقع بتجارب ملموسة في الضفة الغربية، على سبيل المثال، منطقة شمال غرب القدس يوجد فيها 12 تجمعا فلسطينيا بها 75 ألف نسمة، وهي محاطة بالكامل بالجدار والمستوطنات، ويوجد لها فقط بوابة واحدة عبارة عن نفق بطول 400 متر".

 

وتابع في داخل هذا السجن الكبير توجد قرية "بيت إكسا" على مدخلها حاجز عسكري وجهاز حاسوب لا يمكن الدخول أو الخروج لهذه القرية إلا بالتنسيق مع رئيس مجلسها الذي ينسق مع الاحتلال ليعطي الإذن بذلك من خلال البوابة العسكرية.


ويعرض مشهدا "أسوأ من ذلك" بحالة قرية "النبي صموئيل"، حيث وضع حاجز عسكري عليها ولا يستطيع الدخول إليها إلا سكان القدس، أو الأشخاص من أراضي المحتلة عام 1948، أو بتسريح خاص من "الإدارة المدنية" التابعة للاحتلال.


ويقول: "نحن نعيش واقع الأبارتايد والفصل العنصري، توجد دائرة في جيش الاحتلال تريد أن تحول البلدات والقرى الفلسطينية إلى 224 كانتونا ومعزلا، عبر تقطيع أوصال المناطق الفلسطينية، وتعزيز الترابط بين المستوطنات على حساب عزل المناطق الفلسطينية".

 

وبلغ عدد المواقع الاستيطانية والقواعد العسكرية الإسرائيلية في نهاية العام 2018 في الضفة الغربية المحتلة 448 موقعا، منها 150 مستوطنة و26 بؤرة مأهولة تابعة لمستوطنات قائمة، و128 بؤرة استيطانية، ويبلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة 671,007 مستوطنا، بحسب إحصاءات فلسطينية. 

 

اقرأ أيضا: أكبر 4 مستوطنات بالضفة الغربية.. الضم يستهدفها (خريطة)

وحسب خطة ترامب المعروفة بـ"صفقة القرن" والمعلن عنها نهاية كانون ثاني/يناير الماضي، فإن فلسطينيين بقرى الجليل والمثلث في الداخل المحتل عام 1948 معرضون لسياسة "التبادل السكاني".

 

وأوضح الخواجا أن الخطة تقترح "التعامل مع سكان هذه المناطق (نحو 300 ألف نسمة) وفقا للمناطق المصنفة (ج) في الضفة الغربية، بحيث تخضع بالكامل لدولة الاحتلال، أما في إطار الصحة والتعليم تتبع للسلطة الفلسطينية، مقابل السماح للاحتلال بتقديم خدمات للمستوطنين في البؤر الاستيطانية بالضفة".

 

ويؤكد أنه لا يوجد في الطروحات الإسرائيلية إمكانية لإعطاء الفلسطينيين بالمناطق المنوي ضمها "حق المواطنة".


ويعتقد الخواجا أن تأجيل الاحتلال للضم هو "محاولة لتضليل المجتمع الدولي"، مؤكدا: "عملية الضم مستمرة ولم تتوقف منذ 1967 إلى اليوم".

 

وبرهن على كلامه بالقول: "خلال اليومين الماضيين تم زرع 4 بؤر استيطانية في منطقة نحالين وعصيرة الشمالية بالضفة. التمدد الاستيطاني ومصادرة الأراضي لم يتوقف".

 

خريطة توضح انتشار المستوطنات المنوي ضمها بمناطق الضفة الغربية المحتلة، مصدرها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

 

جدول يوضح أعداد المستوطنات والمستوطنين المتواجدين بالضفة الغربية المحتلة نهاية عام 2018، مصدره الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

التعليقات (0)