مقالات مختارة

رؤية لدولة ديمقراطية في العربية السعودية خالية من آل سعود

مضاوي الرشيد
1300x600
1300x600

مصطلحان طالما كانا من المحرمات في المملكة العربية السعودية: الديمقراطية والحزب السياسي.
 
كلاهما يعتبران كفراً مستورداً من الغرب، يؤديان إلى الخروج عما يسمى التقليد الإسلامي السعودي، حتى إن من يتلفظ بأي منهما يمكن أن ينتهي به الأمر إلى الاعتقال أو حتى إلى أن يتهم بإثارة الفتنة، والتي يُعاقب عليها في بعض الأحيان بالإعدام.
 
ولكن في الثالث والعشرين من سبتمبر، وبينما كانت المملكة العربية السعودية تحتفل بالعيد الوطني، بادر ستة من النشطاء والأكاديميين السعوديين – وأنا من ضمنهم – إلى إطلاق حزب التجمع الوطني، ليس فقط بهدف إسقاط ذلك المحرم وإنما أيضاً للإصرار على أن السبيل الوحيد في المستقبل نحو بلد مستقر وآمن ومحترم دولياً في السعودية هو التبني الكامل للديمقراطية كنظام سياسي بديلاً للنظام الحالي القائم على الملكية المطلقة.
 
الديمقراطية الحقيقية


أصدر حزب التجمع الوطني بيانه التأسيسي، وهو عبارة عن وثيقة جرى نقاشها من قبل مجموعة من النشطاء المنفيين في عدد من البلدان الغربية التي طلبوا اللجوء فيها بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا. يطالب هذا الحزب السياسي بديمقراطية حقيقية فيها مجلس وطني منتخب وفصل للسلطات وقضاء مستقل واحترام لحقوق الإنسان ولسيادة القانون.
 
يؤمن الحزب بأن حرية التعبير والحق في وجود مجتمع مدني مستقل أمران حيويان، وخاصة في السياق السعودي، حيث لم يكف النظام بدون وجه حق عن اعتقال المهنيين والمفكرين والنشطاء والشباب لمجرد قيامهم بالتعبير عن آرائهم وتوجيه الانتقادات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
 
كما أن من الحيوي وجود برنامج اقتصادي يعتبر الموارد الطبيعية للبلد ثروة ينبغي التعامل معها بشفافية ومساواة. لا يمكن الحفاظ على توزيع الثروة إلا إذا كان ذلك يعود بالفائدة على الجميع ويخضع للمصلحة الوطنية. ينبغي أن يتم تقديم الخدمات الاجتماعية وتوزيع الموارد بناء على الحاجة وليس بناء على المفاضلة وإيثار الأقارب والمعارف كما هو حاصل الآن.
 
سوف ينجم عن الشفافية جذب الاستثمارات العالمية إلى السعودية دون المرور بالشبكات الفاسدة التي تهيمن عليها عصابة من المستحوذين على النظام والمحتكرين للموارد.
 
يصر ميثاق حزب التجمع الوطني على أن جميع المواطنين، بالإضافة إلى المقيمين والمهاجرين، هم سواسية تحت حكم القانون، وأن الطوائف والمناطق والقبائل وغير ذلك من الاختلافات الأيديولوجية ليست معياراً للاستحقاق، وإنما المعيار هو حقوق المواطنين.
 
المواطنة المتساوية


يسعى الحزب لتحدي الهويات التي يعمل النظام على تغذيتها ورعايتها، مثل القبلية والطائفية، وذلك من أجل إيجاد مواطنة حديثة ومتكافئة ومشاركة بفعالية. وكجزء من هذا المشروع الديمقراطي، سوف تتعدى مشاركة النساء مجرد الإصلاحات الشكلية، مثل السماح للنساء بقيادة السيارات أو تعيين النساء في وظائف حكومية رمزية بهدف إثارة إعجاب المراقبين من الخارج.
 
بالنظر إلى السياسة الخارجية ذات الطبيعة العدوانية، والتي انتهجتها السعودية مؤخراً، في المنطقة، يدعو الحزب إلى أن تكون الدبلوماسية وسيلة من وسائل ضمان المصالح الوطنية السعودية، وينبغي لذلك تجنب العمل العسكري والعدوان والضلوع في المؤامرات ضد البلدان الأخرى، مع بقاء الدفاع عن أمن وسلامة الأراضي السعودية ضد أي عدوان خارجي أولوية أولى.
 
يحرص الأعضاء المؤسسون على فتح الحزب السياسي أمام دائرة واسعة من الأعضاء والأنصار الذين يؤمنون ببرنامجه ويلتزمون بالقبول بما يدعو إليه من مثل. سوف يعملون معاً محلياً وعالمياً على رفع مستوى الوعي وجلب الدعم. يتبنى الحزب الأساليب السلمية مثل زيادة الوعي والمشاركة عبر وسائل الإعلام، وممارسة وسائل الضغط والاحتجاج المدني بشكل لا يهدد سلامة المواطنين داخل البلد.
 
لا يهدف الحزب إلى ضعضعة السعودية، التي لا تقتصر أهميتها على كونها بلداً غنياً بالموارد والإمكانيات وإنما على ما لها من مكانة لدى جميع مواطنيها ولدى العالمين العربي والإسلامي. يقف حزب التجمع الوطني ضد تفكيك السعودية في هذا الوقت الحرج الذي تواجه فيه تحديات غير مسبوقة بسبب تراجع موارد النفط وتراكم الديون والغلو في انتهاكات حقوق الإنسان وفي استخدام القمع.
 
لا مزيد من الإحسان


بعد جريمة القتل التي ارتكبت بحق الصحفي السعودي جمال خاشقجي في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2018، تردت سمعة السعودية بين حلفائها وشركائها الغربيين إلى مستويات منخفضة لم يسبق أن وصلت إليها من قبل.
 
لقد مزق اغتيال خاشقجي الأسطورة التي نسجت حول إحسان النظام الملكي وأعادت تحديد ملامح صورة البلد في مخيلة المجتمع الدولي باعتباره دولة مارقة لديها الاستعداد لانتهاك الأعراف والقيم الدولية. إذا لم يتم معالجة ذلك على عجل فإن هذه الظروف مجتمعة سوف تمهد للانزلاق نحو العنف والتحلل دون أن يصاحب ذلك تغير سياسي حقيقي.
 
يتصدر الحزب الجديد للاحتياجات الملحة لمواطني البلد، من الحقوق المدنية إلى توفير الوظائف، وهو أمر ينبغي أن يستقبل بالترحيب من قبل المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول والمنظمات غير الحكومية، حيث إنه يعد بإحداث نقلة نحو الحكم الرشيد والمحاسبة.
 
يقترح الحزب سبيلاً للتقدم إلى الأمام من قبل السعودية في وقت باتت تلوح في الأفق مخاطر من شأنها أن تخلق حالة من الفراغ فيما لو مر البلد باضطرابات جسيمة، وفيما لو حدث نزاع على السلطة داخل العائلة الملكية أو وقع انفجار من الداخل على أثر وفاة الملك سلمان. وذلك أن خليفته، ولي العهد محمد بن سلمان، لم يكتف باستعداء أفراد عائلته هو فقط، بل واستعدى أيضاً النخب القديمة التي طالما ناصرت العائلة وآزرتها، مثل النخب المالية والمجموعات القبلية وعلماء الدين والمفكرين.
 
مصير شعب


لقد فقد النظام شرعيته ويجد نفسه بشكل متزايد مضطراً للجوء إلى العنف كوسيلة لإسكات الأصوات الناقدة له داخل وخارج دوائر العائلة الملكية، وبات العدوان وانتهاك الخصوصية والرقابة وإطلاق التهديدات هو الأصل بينما تغيب المساءلة والمحاسبة وتغيب سيادة القانون.
 
حان الوقت لأن يستعيد السعوديون المعنى الحقيقي للديمقراطية والأحزاب السياسية التي طالما ربطها النظام الحاكم بالشقاق والفتنة والفوضى، حيث زرع علماء الدين الرسميون في أذهان جيل كامل فكرة أن من الأفضل ترك السياسة في أيدي أفراد العائلة الملكية.
 
لا يمكن الإبقاء على التهميش الكامل للمواطنين بينما يحقق السعوديون بشكل متزايد نجاحات باهرة في التعليم والمبادرة.
 
والأهم من ذلك أنهم أثبتوا أن باستطاعتهم أن تكون لديهم مخيلة سياسية تمكنهم من تصور مستقبل يشارك فيه المواطنون في صياغة النظام السياسي لبلدهم وفي صناعة القرار.
 
ولا أدل على ذلك مما وصل إليه عدد المساجين السياسيين في المعتقلات السعودية، الأمر الذي يشهد بما تحقق لدى الناس من وعي راق يرفض أصحابه القبول بفكرة أن مصير السعوديين لا يمكن تحديده إلا من قبل أصحاب الامتيازات الملكية.
 
 للاطلاع على النص الأصلي (هنا)

0
التعليقات (0)