قضايا وآراء

"فتاة المعادي".. ضحية الجريمة وفشل الإسعاف الطبي في مصر

مصطفى جاويش
1300x600
1300x600
أثارت حادثة مقتل فتاة عشرينية في مصر غضبا واسعا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ لقيت "مريم" حتفها دهسا أسفل عجلات سيارة نقل جماعي "ميكروباص"، يوم الثلاثاء الماضي (13 تشرين الأول/ أكتوبر 2020)، إثر محاولة سرقتها بالقوة في واحد من أهم شوارع حي المعادي جنوب العاصمة القاهرة.

وفي بيان لها صدر يوم الأربعاء، قالت النيابة العامة إن شاهدا أبلغ الشرطة برؤيته سيارة (ميكروباص بيضاء اللون مطموس بيانات لوحتها المعدنية الخلفية) يستقلها اثنان، انتزع مُرافق سائقِها حقيبة المجني عليها منها وتشبث بها خلال تحرك السيارة، مما أخل بتوازن المجني عليها، فارتطم رأسها بمقدمة السيارة التي كانت تتوقف بجوارها، وفر الجانيان بالحقيبة، بينما ابتعدت الفتاة التي كانت بصحبة المجني عليها خوفا أثناء وقوع الحادث.

وأضاف بيان النيابة العامة أن المجني عليها قد مكثت قرابة "نصف ساعة" بمكان الحادث حتى قدوم سيارة الإسعاف، ثم فارقت الحياة.

وانتشرت تفاصيل الحادثة بشكل واسع وسريع عبر الإنترنت وتصدر وسم #فتاة_المعادي مواقع التواصل في مصر، وعبّر كثيرون عن سخطهم وتنديدهم لما تعرضت له مريم، مطالبين بمحاسبة الجناة وتطبيق القانون للحد من جرائم مشابهة.

وفى رواية لأحد شهود العيان، قال إنه لم يقترب من الفتاة لأنه كان مشغولا باستدعاء الإسعاف الطبي ومتابعة وصوله إلى مكان الحادث لإنقاذ الفتاة.

وتأخر وصول سيارات خدمة الإسعاف الطبي في مصر أصبحت ظاهرة متكررة، تؤثر بقوة على صحة وسلامة المواطنين وحقهم في سرعة تلقي الرعاية الطبية الآمنة والسليمة.

من المعروف دوليا أن خدمة الإسعاف الطبي تشمل عدة مكونات، منها وجود عدد كاف من السيارات الحديثة المزودة بالتجهيزات الطبية المناسبة، ووجود فريق مدرب من المسعفين المؤهلين، وأحيانا يلزم وجود طبيب مؤهل؛ بالإضافة إلى خريطة جغرافية للانتشار تسمى بنقاط التمركز تتيح التغطية الشاملة. وهنا يبرز عنصر هام جدا في الخدمة الإسعافية، وهي "مدة الاستجابة" وتشمل "زمن الوصول" إلى مكان الحادث.

تنقسم مدة الاستجابة إلى ثلاث مراحل مختلفة، تشمل عمليات تلقي البلاغ وتحريك الإسعاف والوصول إلى الموقع. بالنسبة إلى المرحلتين الأولى والثانية، فالمؤشرات المعتمدة تنص على عدم تجاوز 90 ثانية تشمل الرد على المكالمة وتحديد الحالة والموقع وتحريك الإسعاف. أما المرحلة الثالثة وهي زمن الوصول فتتوقف على عدة عوامل، منها المسافة بين موقع الحدث ومكان تمركز سيارة الإسعاف.

يعتبر "زمن الوصول" من أهم مؤشرات الجودة وكفاءة الخدمة الإسعافية على مستوى العالم، لأن حياة المصاب تقاس باللحظات الفارقة لحين وصول الإسعاف، ودوليا يجب أن يكون زمن الوصول لا يزيد عن سبع دقائق داخل المدن، وقد يزيد إلى خمسة عشر دقيقة خارج المدن على أكثر تقدير.

نصف ساعة استغرقها وصول سيارة الإسعاف لإنقاذ "فتاة المعادي":

جاء تقرير النيابة في حادث فتاة المعادي ليقرر أن زمن وصول الخدمة الإسعافية كان ثلاثين دقيقة كاملة، كانت كافية حتى تفقد المصابة حياتها قبل وصول الخدمة الصحية الإسعافية إليها.

وتأخر وصول الخدمة الاسعافية في مصر أصبح ظاهرة صحية قاتلة، وما زال "حادث طبيبات المنيا" في صعيد مصر عالقا بالأذهان، حيث ظلت الطبيبات المصابات يعانين النزيف قرابة الساعتين على الطريق الرئيسي المنيا- القاهرة حتى وصلت سيارات الإسعاف، وكان ذلك فجر يوم 14 كانون الثاني/ يناير 2020، مما تسبب في مقتل أربعة أشخاص، بينهم طبيبتان، وإصابة 17 آخرين في حادث سير مروع على طريق المنيا القاهرة، مما أثار موجة غضب عارمة في مصر وقتها.

وكشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وفقا للنشرة السنوية لخدمات الإسعاف، تراجع عدد مراكز الإسعاف 17.4 في المئة، لتصل إلى 1464 مركزا خلال عام 2018، مقابل 1774 مركزا في العام السابق، بانخفاض 310 مراكز خلال عام، بينما كان عدد مراكز الإسعاف قد بلغ 1561 مركزا عام 2016. ومن المعروف أن عدد سيارات الإسعاف في مصر أقل بكثير من المُعدل العالمي، مما أثر سلبا على التوزيع الجغرافي لأماكن التمركز وعلى كفاءة ونوعية الخدمة في كل منطقة. ومما يزيد من فداحة الكارثة حين يكون الحادث في قلب العاصمة، فكيف هو الحال بالمناطق الأخرى؟

وكانت وزيرة الصحة المصرية قد قامت بزيارة هامة للمركز الرئيسي لقطاع الإسعاف والطوارئ بالوزارة فور توليها المسئولية في شهر حزيران/ يونيو 2018، حيث ارتقت منصة الحفل وبجوارها رئيس القطاع، وتم الإعلان وقتها عن توفير2750 سيارة إسعاف وعدد كبير من قوارب الإنقاذ النهري والإسعاف الجوي الطائر لتغطية مهرجانات واحتفالات أعياد "ثورة 30 حزيران/ يونيو"، بحسب وصفهم، وتم وقتها أخذ "اللقطة الإعلامية"، ليتم بعدها مباشرة تعيين رئيس قطاع الإسعاف بوظيفة المحافظ لإحدى محافظات الصعيد، ولتكتسب وزيرة الصحة المزيد من الثقة في بقائها على كرسي الوزارة، في حين تتوالى الكوارث الصحية التي تهدد الأمن الصحي للمواطن المصري، سواء في القاهرة أو في أطراف مصر.
التعليقات (0)

خبر عاجل